ياسر رزق 
ياسر رزق 


علاء عبد الهادي يكتب: خدعني ياسر رزق 

علاء عبدالهادي

الثلاثاء، 01 فبراير 2022 - 03:37 م

 مات ياسر رزق .. لأيام أكذب ماسمعت ، وأكذب عيناى وأن أراهم يوارونه الثرى.
سبقنا الى لقاء الله .. ما الجديد ؟ 
ليس هو أول من رحلوا ولن يكون آخرهم .." انك ميت ، وانهم ميتون " ولم يكتب الله الخلد على أحد . 
مات ياسر رزق ، الكاتب الصحفى ، رئيس تحرير الأخبار الأسبق ورئيس مجلس ادارة أخبار اليوم الأسبق .. مالقضية ؟ مات موسى صبرى وابراهيم سعده ، ومن قبلهما مات كل من مصطفى وعلى أمين مؤسسا أخبار اليوم، وغيرهم من كل القامات.
لماذا كل هذا الصخب والنواح والبكائيات على رحيل ياسر رزق ؟ 
هل لأنه كان صحفيا بارعا ؟ أم لأنه كان أنبه وأنبغ أبناء جيله ؟ 
هل لأنه كان رئيس تحرير متفردا ؟ أم لأنه كان ابنا شرعيا لمدرسة مصطفى وعلى امين الصحفية ، ووريثا لتراث مدرسة أخبار اليوم ، وفى نفس الوقت امتداد لمدرسة هيكل ؟ 
أم لأنه أحد المدافعين العظام عن ثورة 20 يونيو، وأحد منظريها ، وأحد رؤساء الحربة فى الحرب ضد الجماعة الإرهابية ؟
من حق  تلاميذه ، وما أكثرهم، أن يبكوه  لأنه كان لهم معلما واستاذا ، وسيحكى كل منهم حكاية وربما عشرات ومئات الحكايات عن دور ياسر رزق فى مسيرته الصحفية ، وكيف كان مؤثرا فى طريق نجاحه، وقد يكتب زملاء المهنة عن ياسر رزق النقابى الذى قضى فى مقعده فى مجلس ادارة نقابة الصحفيين منتخبا لقرابة 12 عاما ، وكيف كان يقف مع هذا وذاك فى محنته أو فى أزمته ، ويبادر الى حلها ، وقد يتحدث عنه عمال المطابع أو موظفى التوزيع ، وكيف كان يتواصل انسانيا معهم وينتصر لعامل بسيط ، ويقف بجواره ، ويجبر بخاطره فى ظرف انسانى ربما لا يعرف به رئيسه المباشر .. كل هذه بالتأكيد مبررات ليبكوه من أجلها، وتكون فى ميزان حسناته يقف بها أمام ربه .
ولكن عن أى شىء أكتب عنك ياياسر ، وجزء لا بأس به من حياتى أنت طرف أصيل فيه، منذ أن عرفتك ونحن لازلنا طلبة فى كلية الإعلام ، كنت اسبقك بدفعه دراسية ، ولكننا تزاملنا فى الذهاب الى الأخبار ، كنت أنبغنا ، وأكثرنا تألقا ومن يومها تشابكت أيامى مع أيامك ، ومع أيام زملائنا من نفس الشريحة العمرية فى الأخبار .
كل صورى الشخصية أنت حاضر فيها بشنبك الذى كنت تربيه فى شرخ الشباب ، وكنت أداعبك كثيرا بسببه قبل أن تحفه ، ثم تحلقه الى غير رجعه .
صور خطوبتى ، وصور زفافى تجلس عن يمينى واصدقاء العمر : شريف خفاجى ومحمد عبد الحافظ عن يسارى وهذا هو عصام السباعى وطاهر قابيل وعمرو الكحكى  يجلسون تحت الكوشة ؟! كانت احلامنا تلامس السحاب ، وقلوبنا نقية ناصعة مثل ندف السحاب لم تزحف عليها حسابات الدنيا بعد . 
هذه صورتنا على شاطىء الإسكندرية ، أتذكر هذا اليوم أواخر الثمانينات عندما فتشنا فى جيبونا لكى نجمع الجنيه على الجنيه وانطلقنا الى الإسكندرية من أجل فسحة بريئة لنكتشف أن ما جمعناه لا يكفى الا لتأجير غرفة انحشرنا فيها ، كان عدد من ينامون على الأرض أكثر من الذين كانوا ينامون على السرير الوحيد فى الغرفة ، لكننا كنا سعداء .
ذكرياتى وصندوق أسرارى عندك ، كنت دائما تداعبنى دائما بانك يوما ما سوف تتحدث وتفتش كل الأسرار !
ماذا أفعل بذكرياتى ياياسر وأنت جزء أصيل منها ، أيام شبابنا ، ونحن لازلنا صغارا ندرس فى كلية الإعلام ونتلمس طريقنا فى طرقات الأخبار ، أيام افراحى وانتصاراتى انت ركن ركين وشريك فيها، حتى أيام انكساراتى وهزائمى حاضر فيها تربط على ظهرى وتدعمنى ، وتواسينى ،وتشد من أزرى .
خدعتنى ياياسر واكتشفت بعد هذا العمر ، وبعد ان انحنى الظهر وشاب الشعر أنك لم تكن صديقا وأخا لى وحدى،كما كنت أعتقد  وبعد أن رحلت ظهر لك أخوة وحبايب لم أعرفهم ، ظهرو بالآلاف ويوم رحلت ، وحرصوا على أن يصلوا عليك وأن يودعوك الى مستقرك الأخير ولم تكن صديقى وحدى ياياسر، كنت أعتقد أنى وحدى خليلك وأخيك وصديقك ، ولكنك فى الحقيقة كنت صديقا للجميع ، ومحبا للجميع ، هل كنت ملاكا ، أم تعيش فى مسوح الملائكة ؟! 
كنت من طينة غير طينتنا ، كيف كانت لديك هذه المقدرة على التسامح ، والمحبة ، والطيبة ، لم ترد يوما الإساءة الى من أساء إليك ،وحتى فى غضبتك  أثناء دوامة العمل الذى أفنيت عمرك فيه ، لم تكن يوما مؤذيا .
خدعتنا ياياسر ، وكعادتك كنت تكابر ، ينهش المرض فيك ، فلا تبتئس ، ولا تجزع وتتعف وترفض أن تتاجر بمرضك ، كنت أحسدك على هذا الرضا على الإبتلاء ، كيف تحملت محنة المرض  ، وانت تعيش بنصف رئة ؟ وبأكثر من ثمانى دعامات ، ومع ذلك تعيش بروح مقاتل ، لا تشعر من حولك بآلامك ؟
استغفر الله العظيم ، راض بقضاء الله ، تماما كما رضيت بفراق أخى الأكبر كمال ابن امى وابى ، ها أنا أمتثل لقضاء الله فى أخى ياسر الذى لم تلده أمى ، كل منهما للأسف أحب تدخين السجائر الى حد الإدمان وكلاهما ابتلى بداء سرطان الرئة ، وكلاهما رحل وتركانى وحيداً .
سلم ياسر رزق الأمانة وقال كلمته وشهادته على أهم عشر سنوات فى تاريخ مصر المعاصر ، ورحل ، أهدانى كتابه ممهورا بخطه الجميل ، ثم دعانى لحفل التوقيع ، وكأنه كان حفلا للوداع ذهبت اليه كما ذهب عدد من محبيه ، ليقول لنا الى لقاء عند مليك مقتدر .
رحم الله الأخ والعزيز والصديق والأستاذ ياسر رزق وبارك فى أولاده وربط على قلب زوجته الصابرة المحتسبة الزميلة الكاتبة أمانى ضرغام .

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة