سيدة الغناء العربى أم كلثوم ابنة حضارة 7 آلاف سنة والصوت الذى لا يغيب
سيدة الغناء العربى أم كلثوم ابنة حضارة 7 آلاف سنة والصوت الذى لا يغيب


كنوز | 47 عاماً على غياب صاحبة الصوت الذى لا يغيب

عاطف النمر

الأربعاء، 02 فبراير 2022 - 05:07 م

عندما نحيى اليوم الذكرى 47 على غياب صاحبة الصوت الذى لا يغيب، والإحساس الذى لن يتكرر فى صوت آخر، والتاريخ الوطنى الذى تجسد فى الصوت الذى لف العالم من أجل دعم المجهود الحربى، فلابد ان نؤكد أن العرب اتفقوا على ألا يتفقوا «لكنهم اتفقوا على شيء واحد لم يختلفوا عليه، ألا وهو حبهم الجارف للسيدة أم كلثوم التى تزعمت عرش الغناء من المحيط إلى الخليج، كل منا أحبها على طريقته.

فشاعر الشباب أحمد رامى الذى غرق فى عشقها كان يناديها بلقب «ثومة»، تعبيرًا عن العلاقة الفريدة التى ربطت بينهما، أما الجماهير التى كانت تلتف حول المذياع فى الخميس الأول من كل شهر فكانت تردد خلف كل «آهة» من آهاتها عبارة «يا سلام يا ست»، وقبل أن يظهر لقب «السيدة الأولى» الذى حملته زوجات الحكام فيما بعد، توجت الجماهير وأقلام النقاد أم كلثوم بلقب «سيدة الغناء العربى»، ومن قبل ذلك حملت لقب «كوكب الشرق»، للتعبير عن مكانتها الفنية الفريدة التى تتجاوز فى حجمها مكانة كل «النجوم» التى تدور وتلف فى مدارات حول «الكوكب»! 


اختلف العرب سياسيًّا لكن أم كلثوم وحدت كلمتهم عندما صوتوا جميعًا لصالحها، اختلف الشارع العربى وانقسم على نفسه عندما تحزب فريق منه لفريد الأطرش وفريق آخر للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وفريق تحزب لوردة الجزائرية وفريق تحزب لفايزة أحمد، لكن الشارع العربى بكامله صوّت لزعامة أم كلثوم، حاولت الكثيرات من كبار المطربات أن يتجاوزن الخطوط الحمراء فى حلبة السباق مع سيدة الغناء فخرجن جميعًا من الحلبة بالضربة القاضية من الجولة الأولى، فعرفت كل منهن حجمها الحقيقى الذى لابد أن تتوقف عنده ولا تتجاوزه.

نفس التجربة مر بها بعض كبار المطربين عندما حاولوا الفكاك من دائرة «النجم» لمناطحة «كوكب» أم كلثوم الضخم، فلم تكن نتيجة الصدام فى صالحهم، فتراجع محمد عبد الوهاب عندما أرهقته المنافسة وقرر اعتزال الغناء فى بداية الخمسينيات وفضل أن يتفرغ للتلحين معترفًا لأم كلثوم بالزعامة المتفردة فى مملكة الغناء العربى، ولم يتعلم عبد الحليم حافظ الدرس من أستاذه عندما حاول أن يناطح «كوكب» أم كلثوم فتيقن من نتيجة التجربة القاسية التى مر بها أن «كوكبها» أقوى من أن يناطحه أحد، وأرسخ من أن يزحزحه أحد من مكانه حتى ولو كان هذا الأحد مسنودًا بقوة السلطة ورجال ثورة 23 يوليو !! 


سيدة الغناء العربى أم كلثوم من أهم شخصيات القرن العشرين، لم تكن صاحبة الصوت الذهبى فقط، ولم تتوقف عظمتها عند عبقرية الأداء الذى شكلت به مدرسة فنية مستقلة بذاتها، ولا يمكن أن نفصل كل هذا عن شخصية أم كلثوم الإنسانة التى اتسمت بجانب عبقرى آخر جعلها تنافس نجوم عصرها من الكتاب والأدباء والمثقفين والفنانين الذين تخصصوا وتمتعوا بموهبة الأدب الشعبى الساخر، فبرعت فى بلاغة اللفظ وتركيب المعانى والحضور الفطرى الطبيعى الذى لا يترك شاردة أو واردة دون تعقيب، أو تعليق فكاهى ساخر ولاذع يحمل مضامين فكرية وإسقاطات مباشرة تكشف عما كانت تتمتع به من ثقافة واسعة وإلمام معلوماتى.

وهذا الجانب الطريف الجميل فى أم كلثوم استمتع به كل من كان مقربًا منها، ولو كان قد تم تدوين كل ما صدر عنها فى هذا المجال لكان قد أصبح لدينا ثروة أدبية فكاهية لا تقدر بثمن، وللأسف الشديد لم يلمس الكاتب محفوظ عبد الرحمن هذا الجانب الخفى من حياة أم كلثوم فى المسلسل التليفزيونى الذى كتبه عنها، ومجمل المواقف الطريفة الساخرة تكشف عن جانب خفى لا يعرفه الجميع فى شخصية أم كلثوم، وإليكم بعض هذه المواقف التى تكشف عن هذا الجانب الفكاهى الساخر فى تكوينها الفطرى.


كانت أم كلثوم فى وقت ما تتبع رجيمًا قاسيًا، وحدث أن قبلت دعوة إحدى العائلات الثرية التى ترتبط معها بصداقة قوية، واشترطت أم كلثوم على مضيفها أن يأتى طعامها من منزلها لأنه يعد لها طبقا لمواصفات الريجيم، وحين حضر الطعام فى عمود من الألمونيوم، قال لها مضيفها: «هو ده العمود اللى كله أكل مسلوق؟»، أجابته أم كلثوم: «أيوه يا سيدى.. هو ده العمود الفقرى بعيد عنك !». 


 


وكانت ذات ليلة تغنى فى واحدة من حفلاتها بسينما ريفولى، وشاهدت وهى على المسرح رجلًا بارِمًا شاربه بصورة تشجع الصقر بالوقوف عليه، وكان الرجل دائم التهريج أثناء وصلتها الغنائية فأشارت للفرقة بالتوقف عن العزف ونادت عليه، فقال فى بلاهة «نعم يا ست»، وفوجئ بها تقول له «على فكرة أنا لاحظت إن شنبك متربى أكثر منك !». 


 


وعندما كانت الحرب العالمية الثانية حامية الوطيس بين الألمان والروس فى مدينة ستلنجراد،احتفلت أسرة الشريعى باشا بمدينة سمالوط بصعيد مصر بعقد قران أحد أفرادها ودعيت أم كلثوم لإحياء الحفل، ووقف الخفراء يطلقون الرصاص فى الهواء فلما أقبلت أم كلثوم وسمعت الطلقات النارية المدوية قالت لأصحاب الفرح: «إحنا فى سمالوط ولا فى ستلنجراد؟!». 


 


وفى إحدى السهرات التى حضرتها، جاء فنان يعتقدون أن من مظاهر الفن عدم قص الشعر، والعناية بنظافة الثياب ليدلل على بوهيميته وعدم وجود الوقت الذى يهتم فيه بمظهره لأنه مشغول لشوشته فى البحث عن أفكار فنية جديدة، فداعبه شاعر الشباب أحمد رامى قائلا: «يا سلام يا أستاذ، إيه الكرافت الشيك دى؟!»، أجابه الفنان البوهيمى قائلًا: «دى تمنها اتنين جنيه يا أستاذ!»، تعجب رامى قائلًا: «اتنين جنيه، مش كتير عليها؟!»، فتدخلت أم كلثوم بخفة ظلها قائلة: «كتير ازاى يا رامى، طب دا حتى فيها زيت يساوى اتنين جنيه ونص!».
 


ارتبطت أم كلثوم بعلاقة وثيقة مع الفنان سليمان بك نجيب، والتقته بعد فترة وأخذت تسأله عن الحال والأحوال، فأخذ يشكو لها من سوء الأحوال الصحية وختم كلامه بقوله: «والله يا ثومة أنا قرفان اليومين دول بعد الدكاترة ما قالوا إن عندى تصلب فى الشرايين»، فبادرته أم كلثوم وهى تقول: «شرايين إيه يا سليمان بك.. أنت عندك تصلب فى الرأى!» وضحك سليمان وهو يقول: «الله يجازيكى يا أم كلثوم» قاصدا أنها بخفة ظلها لمست ما يتمتع به من عناد، وصلابة رأس، وعدم التراجع فى أى قرار مهما كانت الظروف. 


 


يُروى أن أحمد رامى كلما كان يظهر فى مجتمع من المجتمعات كان يستقبل بالترحيب من الجميع فقالت له أم كلثوم: «أنا مش عارفة الناس بتحبك على إيه؟!»، فقال لها على الفور: «بيحبونى على حسك»!!، وقال رامى إن أم كلثوم كانت فى زيارة له عندما كان يعمل فى دار الكتب القديمة بباب الخلق ذات السلالم الرخامية العالية وخرج لاستقبالها على السلم ولما رآها صاعدة توقف عن النزول وعندما وصلت إليه قالت له: «ما نزلتش ليه ؟»، فقال: «أنزل إزاى وأنا روحى طالعة؟!»..

رحم الله أم كلثوم وأسكنها فسيح جناته، ورحم كل هذا الجيل الذى كان على قدر غير طبيعى من الإبداع والتألق، جيل حقق لمصر الريادة والسيادة فى القوة الناعمة.

إقرأ أيضاً|الرئيس الأمريكي يطلب أم كلثوم.. وكوكب الشرق ترفض السفر

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة