الكاتب الصحفي عبدالله علي عسكر
الكاتب الصحفي عبدالله علي عسكر


عن أسرار «المشير».. الوجه الآخر لياسر رزق

عبدالله علي عسكر

الخميس، 03 فبراير 2022 - 12:07 ص

 

رحل ولم يستأذن محبيه بالرحيل فتاهوا في غيابات قسوة الفراق وقطعتهم الذكريات وأدمت قلوب كل من ترك له معروفا كأنها صدمة فراق الولد والوالد والوالدة، حضره الموت فلم يمهله إلا قليلا من اللحظات التي استجمع فيها ما استطاع من حروف وكلمات تنتهي بها الأعمار التي يزيد فيها الخير عن الشر.

 أيقظتني رفيقة العمر من نوم هربت إليه من جد وجهد قاس لتلقي عليّ الخبر فازعة رغم أنها بعيدة كل البعد عن الصحافة.. ياسر رزق مات، ظننت أن أحد أقاربي ذهبت به المنية لكن آلة النسيان أبعدته عن الذاكرة، لكنها كررتها.. «ياسر رزق بتاع الأخبار مات»، استقبلت أذني الكلمات التي امتزجت بالحزن لكن عقلي أبى التقاطها أو ترجمتها فانتفضت أبحث عن هاتفي كأنني أم أصابها الفزع من ضياع طفلها.

 جال في خاطري كل القصص الإنسانية والموقف القوية التي تواترت على مسامعي من زملاء كثر وكان البطل فيها ياسر رزق منذ التحاقي بمؤسسة أخبار اليوم عام 2017 وحتى سماع الصدمة في 26 يناير 2022، فأمسكت هاتفي لأفعل مثل المئات الذين ملأت كلمات نعيهم الصفحات المضيئة للعالم الافتراضي، فلم يسعفني قلمي وغابت عني خبراتي وتلكعت عليَّ صفحات ما قرأت في الكتب.. أكررها لأكتب ما أراد القلب لكني لا أجد ما أقوله ولن يفلح معيّ ما أكتبه عن «مشير الصحافة» كما يروق للبعض أن يسميه.

 قصص عديدة تواترت على عيني كلما أمسكت يدي الهاتف، كأنها تتخفف من الأحمال بالإفصاح عن أسرار وأخرى تزيح دينا علقته الذكريات في العنق، وثالثة تبكي على ذهاب الخير ورابعة تروي عن الظهر والسند وخامسة وسادسة وسابعة…. كلها جاءت على منوال واحد كأنها نغمة متقنة لاحت بها آلات فرقة موسيقية فاقت مهاراتها الآفاق، فاخترت منها بعض ما راق لي رغم كثرته. 

1

نبدأها من النهاية، التي أوردها نصا بغير تدخل لتصل بكلماتها كما وصلت إليّ.. يقول الزميل شريف عارف «ا. ياسر رزق، في أواخر أيامه كان لا يستطيع الصلاة إلا وهو جالس نظراً لاشتداد المرض عليه، وكانت آخر كلماته قول الله في كتابه الشريف "إنا إلى الله راغبون" ثم نطق بالشهادتين وانتقل إلى جوار رب كريم، ومن المبشرات أنه تم تغسيله بماء زمزم».

2

الثانية كانت من الزميل الصحفي محمد حامد الذي قال «ذات مرة قبل سنين كتير.. عضو مجلس نقابة صحفيين - أيام ما كان المنصب ده تقله دهب - قرر يلف شوارع وسط البلد مشي، بعد اجتماع طويل ومرهق لمجلس النقابة، مع عيل ميعرفهوش، لسا في أولى إعلام، لمجرد إنه ميكسفهوش، وميمشيش إلا وهو مجاوب على كل أسئلته مفرطة التفاهة!.. #ياسر_رزق».

3

الثالثة شهادة من داره أخبار اليوم.. فيقول الزميل كرم من الله السيد «بعد أن أرسلت ورقة إجازة إلى المؤسسة من فرنسا لمدة عام لكنها لم تصل وأهملت وسط الرسائل.. واتخذت الشئون القانونية إجراءات الانقطاع إلى أن وصل قرار الفصل بين يدي ياسر رزق للتوقيع وفقط.. أوقف القرار وقال جملته: "من المستحيل واحد قاتل علي التعيين زي كرم من الله ويترك العمل بهذه الطريقه" ابحثوا في الأمر.. وتم التدقيق وإذ بهم يجدون ورقة الإجازة فألغى قرار الفصل وبعد خمس سنوات التقيته ليقول جملته التي أيقنت بعدها أن هذه الشخصية لن تموت ابداً واحد غيري يا كرم مكنش عمل كده ثم سرد لي ما حدث..».

اختيار القصص الثلاث لم تأت اعتباطا بعشوائية المستمتع بحكايات الخير لكنها ثلاثية تلخص الوجه الاخر لـ«ياسر رزق» فيما بينه وبين ربه وما بينه وبين الناس وما كان من أفعاله حين تولى أمر غيره.. لتنطلق كلمات الإمام الشافعي كأنه تقصده بعد نحو ألف عام..

قد مـاتَ قومٌ وما مـاتَت ْمـكارِمُهم

وعاشَ قومٌ وهُم في الناسِ أمواتُ.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة