حركة طالبان
حركة طالبان


هل تصبح أفغانستان «قاعدة» لتصدير الإرهاب؟!

أخبار الحوادث

الأحد، 06 فبراير 2022 - 12:58 م

 

تقرير: عمرو فاروق

..منذ وصول حركة طالبان إلى سدة الحكم عبر مشهد أقرب إلى الانقلاب على السلطة الشرعية الحاكمة للبلاد من خلال قوة السلاح، فإن الأوضاع الداخلية في حالة من الانهيار التي تنذر بسقوط حتمي للدولة الأفغانية ما لم يتم التدخل الدولي لتصحيح المسار في الحفاظ على هوية الشعب الأفغاني وإعادته لحياته الطبيعية.

لابد أن ندرك أن حركة «طالبان» وقياداتها ليسوا رجال دولة، ولا يمتلكون من الخبرة السياسية أو الاقتصادرية أو الإدارية ما يؤهلهم لإدارة المؤسسات الحيوية والسيادية، وفرض السيطرة الداخلية.

لا ترقى حركة «طالبان» إلى أن نطلق عليها مصطلحا قويا أو كيانا سياسيا، لكنها لا تمثل سوى «ميليشيا مسلحة»، فرضت نفسها على الداخل الأفغاني بقوة السلاح، ولم تتصدر سلطة الدولة عبر آليات ديمقراطية وانتخابات تشريعية، أو من خلال المغالبة السياسية، ومن ثم تعتمد في همينتها على مؤسسات الدولة على مبدأ «أهل الثقة»، وليس «أهل الخبرة»، في ظل إقصاء الكثير من موظفي الدولة النظاميين، واستبدالهم بعناصر طالبانية تدين بالولاء الفكري والعرقي للحركة المسلحة.

فمنذ سيطرة الحركة على كابول غادر أكثر من 120 ألف أفغاني، عمل معظمهم مع دول أو شركات أجنبية لإدارة مليارات الدولارات من المساعدات والمعونات الخارجية على مدار أكثر من 20 عاماً، فضلاً عن هروب الكثير من العناصر العاملة في الجهاز الحكومي، ما يساهم في زيادة احتمالية فشل الحركة وسقوطها، لاعتمادها على عناصر تفتقد القدرة والخبرة الكافية في إدارة شؤون الدولة.

بالنظر إلى تجارب الإسلاميين في الحكم رغم اختلاف ظروف كل تجربة سياسيًا محليًا ودوليًا، نجد غالبتها باءت بالفشل الواضح ولم تحقق أية نتائج إيجابية سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا، ولم تجن سوى الهيمنة على السلطة، ابتداء من تجربة جماعة الإخوان المسلمين في مصر وليبيا وتونس عقب ثورات «الربيع العربي»، وكذلك تجربة «جبهة الإنقاذ الإسلامية» بالجزائر في تسعينات القرن الماضي، فضلاً عن تعثر مشاريعهم السياسية في كل من المغرب والأردن والجزائر وتركيا.

عندما نتحدث حاليَا عن أفغانستان، فنحن في مواجهة «ولاية إسلامية» ولسنا أمام دولة وطنية مدنية، تحترم الحقوق والحريات العامة، لكنها تُخضع شعبها وحكومتها لـ»سلطة النص الديني»، وسطوته في توجهاتها السياسية والدعوية والاجتماعية.

مازالت دول العالم متوجسة من تطبيع العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع حركة «طالبان» حتى هذه اللحظة، وترفض الاعتراف الرسمي بها، وما يترتب عليه من اتفاقيات وإجراءات تجارية واقتصادية، في ظل عدم تمكن الحركة من تقديم أية أدلة واقعية تثبت قدرتها في فرض حالة الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي، مع استمرارها في تعاطيها مع منهجيتها الفكرية المتشددة في مختلف قضايا المواطنة وحقوق الانسان واحترام دور المرأة في المجتمع.

ومؤخرًا اتخذت «طالبان» مجموعة من القرارات تضعف موقفها أمام دول العالم، لا سيما فيما يخص القضايا السياسية والحريات العامة والخاصة، وفرض رؤيتها وأدبياتها على الجميع، لعل أهمها يتمثل  في قيامها في 26 ديسمبر 2021، بإلغاء مفوضية الانتخابات المستقلة وكذلك وزارتي السلام والشؤون البرلمانية، معللة قرارها على لسان متحدثها الرسمي، بأن «أفغانستان لم تعد في حاجة إليهم”.

 

وكانت اللجنة الانتخابية الأفغانية قد تشكلت عام 2006، كإحدى أدوات الدولة الوطنية في الإشراف والمراقبة على العملية الانتخابية سواء البرلمانية أو الرئاسية، وفي إصرار الحركة المسلحة على تهميش المرأة واحتقار مكانتها، رفضت عودة الفتيات لمدارسهن، ومنع الموظفات من الالتحاق بوظائفهن، بحجة حرمانية عمل المرأة وتعليمها، فضلاً عن مطاردتها للعديد من الناشطات والمجندات والبرلمانيات اللاتي عملن خلال حقبة حكومة أشرف غني، تحت لافتة خطورتهن على الوضع العام.

 

ومنذ وصول طالبان للحكم هرب نحو 46 نائبة إلى أوروبا، حيث يقيم معظمهن في اليونان (22 نائبة)، أما باقي النائبات، فقد لجأن إلى عدة دول مثل ألبانيا، وتركيا، وأستراليا وقطر، ولم يتبق سوى 9 نائبات مازلن يختبئن في كابول، ولم يتمكنَّ من المغادرة، رغم ادعاءات  البعض بأن ثمة فروق جوهرية بين النسخة الأولى من «طالبان» التي حكمت في تسعينات القرن العشرين، ومارست أبشع جرائم العنف والتطرف ضد المواطنين الأفغان، وبين النسخة الثانية والجديدة من أبناء «الملا عمر»، فإن الواقع يشير إلى عكس ذلك، إذ منعت الحركة الاستماع للتليفزيون، وحرمت الفن بمختلف تنوعاته سواء الموسيقى أو السينما، أو المسرح، وفرضت إطالة اللحى وتقصير الجلباب على الرجال، ومنعت النساء من ارتياد وسائل المواصلات العامة دون رفقة أحد الذكور من عائلاتهن.

وفي أغسطس الماضي، نفذت الحركة جريمة قتل بشعة ضد مطرب أفغاني، بعد أيام قلائل من تصريح المتحدث الرسمي للحركة، من أن «الموسيقى حرام»، وأنه يأمل حظر تشغيل الموسيقى نهائيًا في أفغانستان، وفقًا لصحيفة «نيويورك تايمز”، حيث تم اقتياد المطرب الشعبي الأفغاني الشهير، فؤاد أندرابي، من منزله في قريته أندراب الواقعة بالقرب من وادي بنجشير،شمال كابل، وأطلق النار عليه من قبل أفراد طالبان يوم 28 أغسطس 2021.

 

جرائم التصفية الجسدية، سمة أساسية تتبعها حركة «طالبان» في التعامل مع خصومها، وفقًا لمنهجها وأدبياتها الفكرية، التي تكفر مخالفيها، وتصفهم بالمرتدين، تبعًا لتأويلات وضلالات فكرية منحرفة لنصوص الشريعة الإسلامية، التي يتم استنطاقها وتطويعها وإخراجها من مضمونها لشرعنة فساد الحركة واستباحتها لدماء معارضيها.

الأمر الذي دفع  الأمم المتحدة مؤخرًا للإعلان عن قلقها من «عمليات إعدام خارج نطاق القضاء» ارتكبتها حركة «طالبان» في حق عناصر سابقين في قوات الأمن الأفغانية، وأشخاص مرتبطين بالحكومة السابقة، واتهمت الأمم المتحدة، الحركة بارتكاب 72 إعدامًا على الأقل في أفغانستان، خارج نطاق القانون.

لعل أكثر ما يزعج الإدارة الأمريكية وحلفائها من دول الاتحاد الأوروبي، استمرار ارتباط حركة «طالبان»، بقيادات تنظيم «القاعدة»، وعدم توصيفها ووضع قياداتها على قوائم الإرهاب، وغق الباب أمام تمركزهم في عمق كابول، والقبض على العناصر المختبئة في أطراف الدولة الأفغانية، وتسليمهم لمعاقبتهم بتهمة تورطهم في أعمال عنف ضد المصالح الأمريكية.

التاريخ يشير إلى ارتباط «طالبان» بتنظيم «القاعدة» فكرياً، إلى جانب تأثرها بأبجديات التفسير السياسي للشريعة، التي وضعها أبو الأعلى المودودي، كما إنها ليست تيارًا قوميًا، لقابليتها احتواء أبناء قوميات مختلفة ليست قاصرة على «البشتون»، فضلاً عن اعتقادها أن حكمها يمثل تطبيقًا لشرع الله ولا يجوز مخالفتها، وترى بعلمانية الأنظمة السياسية وكفرها، وتعتقد أن الشورى ليست ملزمة، ومن ثم هي ذاتها نظريات سيد قطب والمودودي، التي أقرت الحاكمية وجاهلية المجتمع.

من جانب آخر يمثل تنظيم «ولاية خراسان»، التابع لتنظيم «داعش «، التحدي الأكبر أمام الحركة الطلبانية في الحفاظ على مستقبلها، في ظل محاولاته إحراجها إقليمياً ودولياً، وكشف ضعفها وعجزها، وتناقض قياداتها التي تتغنى بقدرتها على إحكام سيطرتها الأمنية والسياسية على المشهد الداخلي، من خلال زيادة وتيرة العمليات المسلحة داخل الساحة الأفغاني، لا سيما التي تستهدف بها الأقلية الشيعية في شمال شرق كابول، بهدف إثارة التواترت بين النظام الملالي وطالبان، ووقف أية محاولات استثمارية من قبل الصين أو طهران.

أكثر ما يزعج قيادات «طالبان» علمهم أن الحركة مخترقة فعلياً من قبل تنظيم «داعش»، إذ أن الإشكالية الكبرى لديهم وتخوفهم من تنظيم «خراسان»، تتمثل في أنه قام على أكتاف الكثير من قيادات طالبان السابقين، الذين انشقوا عن صفوفها، وأعلنوا بيعتهم لداعش، ويتمتعون بخبرة عسكرية طويلة، وقدرة على قراءة طوبوغرافية الحركة وكياناتها، ولديهم القدرة في تحقيق ما يزعج الحركة بسهولة متناهية.

مبايعة عدد من قيادات حركة «طالبان» فرع باكستان تحديدًا، لتنظيم «داعش»، جاء بعد خلافات وصراعات داخلية، إلى جانب تنفيذ الجيش الباكستاني عمليات عسكرية واسعة النطاق ضدهم في المناطق القبلية الشمالية الغربية، ما دفعتهم إلى التمركز على الحدود الشرقية لأفغانستان، أمثال شهيد الله شهيد ودولات خان وفتح جول زمان والمفتي حسن، والشيخ أمين الله البيشاوري.

تحت عنوان «تنظيم داعش في خراسان يشكل خطرًا حادًا ومتزايدًا»، أشارت صحيفة «التايمز» في تقرير لها، إلى أن المسؤولين الأمريكيين، يعتبرون أن الفوضى في أفغانستان يُمكن أن تؤدي إلى تهديد منفصل وأكثر خطورة حتى من طالبان، وأن الذراع الإقليمية لتنظيم داعش تسعى لتعزيز موقعها، من خلال مهاجمة الأمم المتحدة ومصالح القوى الغربية، وأن ثمة عداءً شديدًا تجلي بين الجماعتين حول السيطرة على تجارة المخدرات لتمويل عملياتهما».


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة