صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


رفعت الجلسة| أمومة بعد السبعين

جودت عيد

الخميس، 10 فبراير 2022 - 05:43 م

كانت تقبض بكلتا يديها عليهما، تخشى أن يهربا منها فلا تستطيع الركض خلفهما، فقد بلغت من العمر أرذله، ورغم ذلك تشبث بها الطفلان، شعرا أن لا حضن لهما سواها بعد أن تركهما أبواهما، واختار كل منهما طريق سعادته.. ظلت العجوز تائهة، تتساءل فى حيرة من أمرها، هل سأعود أما بعد كل هذه السنوات؟، أنا أحتاج فى أيامي الأخيرة إلى من يخدمني لا من أخدمه، حقيقة لا أستطيع الذهاب لقضاء حاجتي إلا بمساعدة شخص آخر، فكيف سأرعى طفلين أعمارهما لا تتجاوز الـ 9 أعوام؟

أدركت أنها لن تستطيع مجاراة حياة هذين الطفلين اللذين كانا يعيشان فى حضن أبيهما قبل أن يصل العناد بينهما إلى طريق مسدود فيكتب نهاية حياتهما الأسرية، لكنها رغم ذلك قررت استكمال المهمة حتى يقضي الله أمرا من عنده فلا بديل لهذين الطفلين سواها، وأى رفض سيكون مصيرهما الشارع أو دور الإيواء.

حاولت هذه العجوز السبعينية كثيرا التوفيق بين ابنها وزوجته حتى تستطيع أن تحافظ على أولادهما بينهما، لكن حياة الزوجين كانت مختلفة والاتفاق بينهما معدوم، فالزواج لم يكن عن حب، بل تعارف على مواقع التواصل الاجتماعى، انتهى بارتباط سريع ثم انفصال بعد 4 سنوات فقط.

كانت حياة الزوجين قائمة على العناد بينهما، كل شخص لا يفهم الآخر ولا يعرف مميزاته وعيوبه، فقط بعض الكلمات الرنانة التى كانا يتبادلانها عبر «الفيس بوك» يكتشفان أنهما كانا يخدعان بعضهما البعض، وأن حقيقة شخصية كل منهما ظهرت بعيوبها وقت الزواج.
الخلاف بين الزوجين كان بدايته صراعا على من يسيطر على البيت؟، هل الزوج أم الزوجة؟، فكل منهما تربى فى أسرة وبيت يحمل من العادات والتقاليد التى تختلف عن الآخر.

حاول الزوج كثيرا أن يفرض سيطرته، لكن دائما كانت تقف له الزوجة بالمرصاد، ترد عليه الكلمة بالكلمة، وتعاند معه كلما اتخذ أمرا، حتى قرر أن يعاقبها، فترك البيت وذهب إلى منزل والدته ليعيش معها قرابة ثلاثة أشهر كاملة.
على الجانب الآخر لم تهتم الزوجة، وتمادت فى عنادها هى كذلك، فتولد الشقاق بينهما، واختفت المودة والمحبة من حياتهما ليقرر الزوج معاقبة زوجته مرة أخرى، فيتزوج دون علمها، لكن بمعرفة والدته فقط التى كثيرا ما حاولت إقصاءه عن قراره، إلا أن العند كان أقوى من توسلات أمه التي كان همها هي أولاد ابنها أولا.

تزوج الابن دون أن تعلم زوجته شيئا، تدخلت الأم، استطاعت أن توفق بينهما وتعهدت بتنفيذ شروط الزوجة التى اختارت أن تعود إلى عملها مرة أخرى على أن يشاركها زوجها فى تربية أولاده طوال ساعات عملها.

وافقت الأم وأقنعت ابنها بالموافقة، لكن تصرفات الزوجة فاقت الحدود، كانت تجلس بالساعات فى العمل وتعود مع غروب كل شمس، لم يتحمل الزوج ذلك قرر إخبارها بحقيقة زواجه، وتنفيذ كل طلباتها إذا وافقت على استمرار العيش معه.
صرخت الزوجة بمجرد علمها بزواجه من امرأة أخرى، انطلقت سهام من السباب والشتائم، حاولت التعدي على أم زوجها، واتهمتها أنها من شجعت ابنها على الزواج من أخرى.

لم يتحمل الزوج ذلك قام بعد أشهر من الشقاق بينهما بتطليقها وترك لها الشقة وذهب إلى بيت والدته للعيش معها إلى حين تدبير أموره مع زوجته الثانية.
مرت الأشهر والأمور منقطعة بين الزوج وطليقته، الأولاد يعيشون معها، والاخير استأجر مكانا وعاش مع زوجته الثانية التي رزقه الله منها بطفل ليبدأ حياة جديدة معها.

على الجانب الآخر لم تنقطع الزوجة عن عملها، كانت تترك ابنيها مع أبيها ثم تعود لأخذهما معها إلى بيتها، شهران ومات الأب ولم يعد هناك مكان تترك فيه أبناءها.
لم تفكر كثيرا، تولدت قصة حب حقيقية مع زميلها فى العمل بعد انفصالها مباشرة، شعرت أنها لأول مرة تحب، لكن وجود أطفالها فى حياتها يصعب هذا الأمر.

حاولت إقناع خطيبها بأن يعيش أطفالها معهما بعد زواجهما، لكنه أخبرها أنهما سيسافران للعمل فى إحدى شركات الاتصالات بدولة الإمارات العربية المتحدة، لم تجد الأم بديلا سوى ترك أطفالها لأبيهما بعد أن مات والديها، ولم يعد لهما حاضن سواه.
ذهبت الأم إلى طليقها، أخبرته بخطوتها القادمة، وأنها لن تعود قبل 4 سنوات من السفر، لكنها وعدته بكبرياء أنها كلما حضرت فى زيارة إلى القاهرة ستمر عليه لرؤية ابنيها.

احتار الأب كذلك ماذا يفعل بعد أن أصبح لديه أسرة جديدة شعر معها بالأمان والاحترام؟، أصبح لديه زوجة لا تجادله كثيرا ولا تعصي له أمرا، وتقدر تعبه وعمله، وتعمل على راحته، ترك الطفلين عند زوجته لكن الأمور لم تمر كما أراد، صدر قرار بنقله إلى مكتب شركة المقاولات التي يعمل بها «مهندسا» فى إحدى دول شرق أفريقيا، ليقرر اصطحاب زوجته وابنه الصغير فقط وترك الطفلين عند والدته على أمل العودة بعد عامين ليجد لهما مخرجا فى حياتهما.
غاب الزوجان كما تقول العجوز عامين حتى الآن، لم تتلق سوى اتصالات من ابنها، وبعض النقود من الطرفين، وزيارة واحدة من طليقته وأم أولاده، أما تربية ورعاية هؤلاء الأطفال فما زالت تحمله تلك العجوز التي هزمها المرض.

تقول العجوز: «لم أعد أشعر بعمرى، أنا الآن أم وقد وضعني القدر فى ذلك الموقف، أحضرت خادمة صغيرة تعيننى على رعاية الطفلين، وأتابع مع المدرسين مستواهم التعليمى، فالطفل الأكبر فى العام الثالث الابتدائى والأصغر فى العام الأول ، ينتابنى المرض كثيرا، اكتم وجعى وأكمل رسالتى حتى يأتي الأجل».

إقرأ أيضاً | عام على «رفعت الجلسة».. شمعة أضاءت حياة الكثيرين

وتضيف: «حاولت كثيرا الإصلاح بين ابني وزوجته، ولكن هذه إرادة الله، كان للعناد بينهما رأى آخر، أنا مستمرة ولن أبخل بدقيقة واحدة عن منح هذين الطفلين الأمان الذى افتقداه بعد طلاق والديهما».
وتنهى: «أقرأ كثيرا عن قصص حزن الآباء على حرمانهم من رؤية أبنائهم، وكنت ألوم القانون وقتها، لكن الآن ليس القانون السبب، بل العند كان أقوى من الجميع».


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة