10 ساعات أمضيتها نهار أمس مع الرئيس عبدالفتاح السيسي وعدد من زملائي رؤساء التحرير وكبار الإعلاميين في رحلة شاقة، حبلي بمفاجآت سارة، أثناء يوم إجازة إلا للذين شاهدناهم وغيرهم من العاملين العارقين في مشروعات مصرنا الجديدة من المدنيين والعسكريين.

أقول مفاجآت سارة، لأني شاهدت مطارين جديدين سيكتملان خلال 3 أشهر دون أن يعرف بهما عموم المواطنين، ولا خاصة الصحفيين.

وعاينت طريقا معجزة يُنحت في قلب الجبل، ومدينة كبري سترتسم أول معالمها في غضون أشهر فوق قمة الجبل، وكحلت عيني بمرأى قناة السويس الجديدة من الجو، ومياهها الفيروزية تلمع بعد أن اكتمل الحفر الجاف بها بنسبة 100٪، والأعمال الجارية في مدينة الإسماعيلية الجديدة، الحلم الذي طالما داعب خيال أبناء الإسماعيلية وأنا واحد منهم.

كنا جميعا في دهشة مما نرى، وفي سعادة بما نسمع عن الانتهاء من إنشاء 3 آلاف كيلو متر من الطرق الرئيسية وألفي كيلو متر من الطرق الفرعية في غضون 45 يوما.

أمس الأول.. كنت مع الرئيس وهو يتفقد في السابعة صباحا مصانع وورش إدارة المركبات بالقوات المسلحة، شاهدته وهو يركز في تفاصيل التفاصيل عن مشروع المبادرة الرئاسية لتشغيل الشباب التي ينفذها صندوق "تحيا مصر" وتشمل ألف عربة ثلاجة لتوزيع المنتجات الغذائية بحمولة 1.5 طن، و500 عربة ثلاجة بحمولة 5 أطنان، وقرر زيادتها إلى ألف عربة وألف تاكسي يعمل بالغاز الطبيعي.

عين السيسي كانت على الشباب وعلى أبناء الطبقات المتوسطة ودون المتوسطة والفقيرة في أحياء العاصمة الشعبية ومدن المحافظات، يريد الرئيس توفير فرص عمل منتجة ومجزية للشباب بتسهيلات كبيرة في ثمن العربات والسيارات وفي سداد أقساطها، ويريد أيضا توفير الخضر والفاكهة واللحوم والدواجن للمواطنين بأسعار منخفضة وموحدة بهامش ربح بسيط لا يتعدي 50 قرشا أو جنيها عن سعر شرائها من الحقول أو المنتجين.

أما الرسالة الأهم التي وجهها الرئيس في زيارته لمصانع إدارة المركبات، فهي دعوته لكل مسئول من أصغر موقع إلي أكبر المواقع، بالنزول إلي مواقعهم والالتحام بالعاملين والاستماع إليهم والحنو عليهم، ليكسب دراية ومحبة، ويكسبوا هم تذليلا لأي عقبات علي الطبيعة، ويكسب الوطن بيئة عمل أفضل وإنتاجا أزيد وأجود مغموسا بالرغبة في العطاء.

< < <

في السادسة صباحا، أقلعت طائرات الهليكوبتر بالرئيس السيسي وعدد من معاونيه ورجال الصحافة والإعلام. لم يكن أحد منا يعرف الوجهة بالتحديد. وكنا نتوقع العودة قبل صلاة الجمعة.

لحسن حظي، أني ركبت طائرة الرئيس، وجلست أمامه، لا يتغير هذا الرجل. نصف وزنه تواضع وبشاشة والنصف الآخر رؤية بعيدة وإصرار ووطنية جارفة.

هممت أن أسأله كصحفي. لكنه بادر بالسؤال وأجبت كمواطن. أفرغت ما في قلبي محبة وقلقا وأملا وآراء ومقترحات لي ولغيري.

وأجاب الرئيس موضحا وشارحا ومركزا علي جوهر الموضوعات دون مواربة ليست أبدا من خصاله.

السيسي صاحب عقلية مركبة تجده ينظر إلى خريطة البلد في مجملها، في ذهنه رؤية شاملة، وفي وجدانه حلم عريض، راوده طويلاً وبدأ في تحقيقه، وأنجز منه بعض مشاهد.

وأيضاً تجده يدقق في التفاصيل، يعرف أن بها تكمن شياطين العراقيل ووقف المراكب السائرة، فيطاردها بسؤاله عن كل تفصيلة، ويطردها بمتابعة يومية لا تهدأ ولا تفتر.

لولا الرؤية ما انطلقت كل هذه المشروعات معاً منذ عام، ولولا الحلم ما شُقت القناة الجديدة وامتدت الطرق وتتابعت الانجازات، ولولا التدقيق في التفاصيل ما كنا نشاهد ما سوف نراه في السادس من أغسطس المقبل وكنا نظنه مستحيلاً.. بعضه نعرفه كافتتاح القناة الجديدة وبعضه في حكم المفاجآت!.

< < <

حطت بنا طائرات الهليكوبتر في إحدى القواعد الجوية شمال غرب القاهرة.

هناك استمع الرئيس ونحن معه إلى شرح من الفريق يونس المصري قائد القوات الجوية ومن أحد كبار الضباط الطيارين وهو مسئول عن الشئون الهندسية.

كان الشرح مفاجأة!.. فالحديث عن مطار مدني جديد متاخم لهذه القاعدة الجوية، بدت أمامنا معالمه تتضح في ممر أوشك علي الاكتمال و "تارماك" للطائرات وصالة ركاب تستوعب مليونا و٧٥٠ ألف راكب سنوياً و١٨ مبنى للخدمات.

هذا المطار يخدم مدن الجيزة و٦ أكتوبر والشيخ زايد وكانت توجيهات الرئيس المشددة للشركة المدنية المنفذة ولجهات الإشراف العسكرية بالانتهاء من كل الأعمال يوم ٦ أغسطس المقبل، أي في نفس يوم افتتاح القناة الجديدة.

< < <

من تلك القاعدة الجوية أقلعنا إلي اتجاه آخر شمال شرق القاهرة في قاعدة جوية أخرى لعلها المرة الأولى التي أهبط بها رغم عملي كمحرر عسكري لمدة ٢٥ عاماً.

هناك.. استمعنا بصحبة الرئيس إلى شرح مماثل، عن مطار آخر جديد بنفس المواصفات تقريباً، لكنه يخدم العاصمة الإدارية الجديدة.

موعد الانتهاء من الإنشاء والتجهيز يوم ٦ أغسطس.. هكذا أمر الرئيس.

هناك فكر وهناك رؤية وهناك أيضاً تخطيط متكامل، وعزيمة على التنفيذ والانجاز في أسرع وقت دون صخب أو ضجيج.

قد يبدو العمل يسيراً في إنشاء المطارين، لكن الحقيقة أنه بالغ المشقة في التخطيط والتنفيذ، لكي تنشئ مطارين في وقت خيالي، وبأيد مصرية، وتكلفة تعادل ١٠٪ مما لو أنجزته جهات أجنبية، وبصورة مشرفة تليق ببلد ينطلق.

< < <

كان الفريق يونس المصري سعيداً برجاله وبإنجازهم وأذكر أنني انتحيت به أمس الأول أثناء جولة الرئيس في مصانع دار المركبات، وسألته عن طائرات الرافال الفرنسية التي ستصل أول ثلاث طائرات منها يوم ٢٥ يونيو المقبل، من بين ٢٤ طائرة تعاقدنا عليها، وعن طائرات الـ "إف – ١٦" التي قررت الولايات المتحدة أخيراً السماح بإرسالها لمصر وعددها ١٢ طائرة من أحدث نوعيات هذا الطراز.

فقال لي وهو ينظر نحو الرئيس السيسي: الرئيس أنجز حينما كان وزيرا للدفاع ما لا يمكن ليغيره إنجازه في ١٠ سنوات. يكفي أن أقول أنه جدد شباب القوات المسلحة بكل أفرعها، وهو الآن كقائد أعلى يستثمر علاقاته ليعيد تحديث القوات الجوية وفق برنامج هائل للدفاع عن الدولة والمنطقة.

وفي حديثه يوم أمس.. بدا الفريق المصري فخورا بأنه بات قائدا لنسور جارحة لمن يضمر شرا لمصر، أو يهدد مصالحها من أي اتجاه أو مكان.

.. نعم جدد المشير السيسي شباب القوات المسلحة في عام، والآن يجدد الرئيس السيسي شباب البلد وهو في أول عام.

< < <

من القاعدة الجوية في شمال غرب القاهرة الكبرى، أقلعت طائرات الهليكوبتر للمرة الثالثة إلى منطقة جبل الجلالة البحرية على مقربة من طريق القاهرة العين السخنة عند نفق وادي حجول.

هناك.. كان في استقبال الرئيس ومرافقيه اللواء كامل الوزير رئيس أركان الهيئة الهندسية الهمام، المشرف على المشروع القومي للطرق وعلى مشروع شق القناة الجديدة.

تجولنا بالسيارات على الطريق الجديد الذي يربط طريق السخنة بالزعفرانة بطول ٨٥ كيلو مترا. هذا الطريق المعجزة يجري شقة في صخور الجبل الذي يرتفع ٧٠٠ متر فوق سطح البحر.

رجال الطرق العسكريون يشرفون على مدار ٢٤ ساعة على أعمال الشق والتمهيد والتعبيد التي تنفذها شركات وطنية عامة وخاصة في ظروف بالغة المشقة وفي معنويات ترتفع إلى السماء.

يتجمع العاملون والمقاتلون حول الرئيس الذي يصافحهم فردا فردا ويشد على أياديهم.

يسأل الرئيس رؤساء وأصحاب هذه الشركات عن موعد الانتهاء من الطريق، فيقولون: نهاية العام. ويطلب الرئيس منهم وهو يقدّر جهدهم وعرقهم أن يعملوا على اختصار الزمن.

ويشرح اللواء كامل الوزير لنا مشروعات الطرق شرق الدلتا وفي سيناء وعلى طول قناة السويس شرقا وغربا، ويقول انه سيتم الانتهاء في ٣٠ يونيو المقبل من ٣ آلاف كيلو متر طرقا رئيسية بخلاف طرق فرعية طولها ٢٠٠٠ كيلو متر، وقد وفرت هذه الأعمال مليون فرصة عمل مباشرة.

ويوضح أنه تم إنشاء هذه الطرق استباقا لمشروعات التنمية في محور قناة السويس والعاصمة الجديدة وسيناء. ويقول انه في نهاية العام سيتم الانتهاء من طريق الزعفرانة - بني سويف.

ويكشف اللواء الوزير عن مفاجأة هي إنشاء طريق من بورسعيد إلى الحدود الدولية مع سيناء بطول ١٤٠٠ كيلو متر منها طريق جديد من الزعفرانة إلى بورسعيد ويعد الطريق الذي شاهدناه أمس جزءا منه، وأعمال تطوير وتوسعة كبرى للطريق من الزعفرانة حتى الحدود مع السودان.

ويسأل الرئيس - بغرض أن نعلم نحن لا هو- عن مشروع السحارة لنقل مياه النيل من غرب القناة عند سرابيوم جنوب الإسماعيلية إلى شرق القناة الجديدة لري ٨٠ ألف فدان بقرى التقدم والأبطال والأمل وغيرها.

فقال اللواء كامل الوزير إنه سيتم افتتاحها قبل ٦ أغسطس وستكون تحت سطح القناة بستين مترا.

ونسأل نحن عن الأنفاق  الستة للسيارات والقطارات التي سينشأ ثلاث منها بمحافظة الإسماعيلية ومثلها عند بورسعيد.. فيجيب اللواء الوزير بأن العمل مستمر في مداخل ومخارج الأنفاق أما تحت القناة فسيبدأ العمل في أكتوبر المقبل ولمدة عامين.

< < <

يحل موعد صلاة الجمعة.. وننتقل بالسيارات إلى مسجد إحدى الوحدات العسكرية التي تشرف على تنفيذ الطريق بجبل الجلالة.. يؤدي الرئيس ومرافقوه والعمال والمقاتلون الصلاة، ويخطب الإمام في موضوع دروس ذكرى الإسراء والمعراج.

< < <

نقلع للمرة الرابعة بطائرات الهليكوبتر ونشاهد من أعلى حجم الأعمال بالطريق المعجزة في قلب الجبل، ونحط على قمة الجبل، ومن هذا الارتفاع البالغ ٧٠٠ متر، نشاهد عند السفح شاطئ خليج السويس في أجمل بقاعه.

على الهضبة المسطحة للجبل، مساحة قدرها ٢٥ ألف فدان، يجري التخطيط لها لتشييد مدينة الجلالة العالمية.

هى مدينة عالمية لأنها ستضم مركزا عالميا للمؤتمرات ومناطق سكنية متنوعة بدءا من شقق صغيرة ومتوسطة إلى ڤيلات، ومدينة طبية وجامعة الملك عبدالعزيز، وتليفريك يربط هذه المدينة بالمنطقة السياحية عند وادي أبو الدرج.

ويؤكد الرئيس على توجيهاته بأن يتم في سواحل مصر ومنها خليج السويس والبحر الأحمر إقامة كورنيش عام، وألا يتم إقامة أي قرية سياحية على الساحل يُغلق شاطئها عليها.

< < <

فوق قمة جبل الجلالة البحرية.. يجلس الرئيس نحو الساعة يحادث العاملين وأصحاب الشركات المنفذة للطرق المؤدية إلى المدينة الجديدة.

الغالبية العظمى من أصحاب هذه الشركات من أبناء شمال سيناء يدور الحديث عن تنمية سيناء وعن جهود مجابهة الإرهاب، ويستمع الرئيس إلى آرائهم ومقترحاتهم، ويتطرق الحديث إلى هموم الوطن من التدريب إلى التعليم إلى مكافحة ڤيروس "سي"، ويوضح الرئيس جهود الدولة في علاج المصابين بالمرض الذين لا يوجد حصر دقيق بأعدادهم، ويشير إلى مشكلة إصابة ما بين ١٥٠ ألفا إلى ٢٠٠ ألف بالعدوى سنويا.

ثم يضيف انه طلب من شركات الدواء توفير مليون جرعة سنويا بسعر منخفض. ويقول أحد الإعلاميين إن الشركات خفضت السعر من ألفين إلى ٨٠٠ جنيه للجرعة.. فيرد الرئيس معقبا إننا نتمنى أن تنزل بالسعر إلى ما بين ٣٠٠ أو ٤٠٠ جنيه.

ويسعد أصحاب الشركات السيناويون عندما يقول الرئيس انه طلب من هيئة قناة السويس تدشين ١٢ معدية جديدة بين سيناء وغرب القناة لتيسير حركة الانتقال والتجارة، لحين الانتهاء من إنشاء الأنفاق الجديدة.

تلتقط الصور التذكارية للرئيس مع أبناء سيناء الذين حرصوا علي اصطحاب أطفالهم معهم.. ويحادث الرئيس الأطفال بأبوة، واقترب طفل منهم من الرئيس ومعه والده.. فقال له الرئيس : أبوك رجل جدع.. فضحك وجه الطفل فخورا بما سمع.

.. ونعود للإقلاع بطائرات الهليكوبتر.

< < <

فوق ساحل خليج السويس في اتجاه المدخل الجنوبي للقناة تحلق بنا الطائرات في رحلة استغرقت ٢٠ دقيقة، حتى وصلنا إلى البحيرات المرة لنشاهد فرعي القناة القديمة والجديدة الممتدين شمالاً وحتى البلاح شمال الإسماعيلية.

المشهد يبعث علي الفخر. نطل عليه من طائرات الهليكوبتر ونلتقط الصور بأجهزة الموبايل من أعلى للقناتين اللتين لم نعد نقدر على التفرقة بينهما، بينما يطل الرئيس من نافذته إلى الحلم الذي أصبح حقيقة، وذهنه يقلب أوراق الأيام، وصولا إلى يوم ٦ أغسطس الموعود.

عدنا بالطائرة تجاه القاهرة.. وتبدو المدينة العريقة من الجو أجمل وأروع في مجملها مما لو شاهدت جانبا ضئيلا منها على الأرض.

انتهت رحلة الساعات العشر.. وليس من سمع كمن رأى