كوكب الشرق أم كلثوم والشيخ زكريا أحمد
كوكب الشرق أم كلثوم والشيخ زكريا أحمد


محمد الشماع يكتب: هو صحيح الهوا غلاب؟

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 14 فبراير 2022 - 03:42 م

الجو العام كان يسوده الصخب، فالشيخ زكريا أحمد يغني في فرح «نبوية» بنت صديق عمره «عبدالعزيز قطه»، أغنية «يا صلاة الزين»، ويتبعها بأغنية «ليلتنا نادية». الفرح كان شعبيًا بامتياز، مكانه في «درب المسمط» بمنطقة الجمالية المزدحمة، المعازيم كانوا من أهل العروسين ومن أهل المنطقة وآخرين أتوا للاستماع للشيخ زكريا، الذي أنهى للتو الوصلة الأولى من الفرح.

كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة بعد منتصف الليل. هرول الشيخ زكريا إلى راديو صغير، فتحه منتظرًا الآتي من العالم الآخر. كانت نشرة الأخبار حينها تذيع أنباءً عن أزمات في الجزائر. عرف الشيخ زكريا ما يدور في مصر والعالم بقلق بالغ. وازداد قلقه عندما انتهت النشرة ليعلن المذيع العودة إلى حفل السيدة أم كلثوم، المقام في دار سينما أوبرا.

لم يعرف «قطه» أو ابنته «نبوية» أو المعازيم سر قلق الشيخ زكريا، فالجميع يخشى على الفرح ونجاحه، ومجرد وجود الشيخ زكريا كان ضامن لنجاح الليلة. ثم جاء الراديو بالبشارة، أن الست أم كلثوم ستغني في وصلتها الثالثة أغنية جديدة من ألحان زكريا، وكلمات بيرم التونسي، وهي «هو صحيح الهوا غلاب».

هنا ساد الصمت، الفرح الشعبي الممتلئ عن آخره انقلب إلى مسرح رسمي. فالشيخ يستمع إلى أم كلثوم وهي تغني من ألحانه. «هو صحيح الهوا غلاب.. ما أعرفش أنا»، أجبر الشيخ زكريا أحمد الجميع على الاستماع في سلطنة غير معتادة. الست تعيد «إزاي يا ترى؟ أهو ده اللي جرى»، ومعها يخفق قلب الشيخ الكبير وجموع المعازيم.

«قطه» الذي يهمه ليلة ابنته استمع للست. «نبوية» وزوجها كذلك. أهالي منطقة الجمالية جميعًا يذكرون تلك الليلة. ليلة الفرح الشهير، ليلة الشيخ زكريا الجالس بينهم، بينما ينساب صوت الست أم كلثوم من كل راديوهات المنطقة، في مشهد ملحمي سينمائي غير معتاد.

انتهت الأغنية بتصفيق حاد أتى من الراديو في الحفل المقام في الأول من ديسمبر سنة 1960. بينما كان التصفيق الأكبر والأكثر دهشة في «درب المسمط» من معازيم الفرح، وأهالي المنطقة. ثوانٍ، وقام الشيخ زكريا بقوة الشاب يخترق جموع المعازيم ويصعد إلى المسرح ممسكًا عوده ويغني هو الآخر «هو صحيح الهوا غلاب»، بينما تغالبه دموعه.

السر في دموع الشيخ زكريا ليس لها علاقة بتلك الواقعة الشهيرة التي يكتب عنها الجميع في ذكرى ميلاده أو وفاته، والمتعلقة بخلافه مع أم كلثوم، الذي وصل إلى المحاكم بسبب مطالبته في الحصول على نسبة أموال مما تتقاضاه الست من الإذاعة باعتباره ملحن أعمالها، ولا حتى رأي الشيخ في أم كلثوم باعتبارها تمتاز بجمال وقوة الصوت، وسلامة في مخارج الألفاظ بحكم إجادتها لقراءة القرآن وأحكام تجويده، والتعمق في فهم الأغنية والإحساس بلحنها.

ولكن دموعه هي أنه كان مدركًا أنها الأغنية الأخيرة التي تجمع ثالوث الرعب «أم كلثوم، وزكريا أحمد، وبيرم التونسي». الرجل كان مدركا أن عصرًا سينتهي، ليبدأ عصر جديد.

انتهى فرح «نبوية» بنت «قطه»، وانتهت حياة بيرم التونسي في يناير 1961، وانتهت حياة الشيخ زكريا في فبراير من نفس العام، لتبكي أم كلثوم مثلما لم تبكِ من قبل، لتتحقق نبوءة جملة بيرم «إزاي يا ترى؟.. أهو ده اللي جرى».


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة