آمال عثمان
آمال عثمان


أوراق شخصية

ثقافة القطيع!

آمال عثمان

الجمعة، 18 فبراير 2022 - 06:57 م

 

حالة التسابق واللهاث خلف «الترند» على مواقع التواصل الاجتماعي، أفقدتنا النقاش المجتمعى العقلانى فى جميع القضايا والأمور الخلافية، وجعلت ثقافة القطيع تسيطر على رؤيتنا وسلوكنا وتسلب عقولنا، وتهيمن على مواقفنا وقرارتنا.


أحدث تلك القضايا التى اشعلت الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، فيلم لمخرج مصرى مقيم فى ألمانيا، عُرض فى أحد أقسام مهرجان برلين السينمائي، ولم يحقق مشاهدة فى قاعة العرض، لكنه تحول بين ليلة وضحاها إلى «ترند» وحقق أعلى مشاهدات ومشاركات، بعد أن تداول رواد السوشيال ميديا «ملصقا» أو «أفيشا» يعطى انطباعا لهم بعلاقة غير سوية بين رجلين!!


والفيلم إنتاج لبنانى ألمانى مشترك، ومخرجه وأبطاله من جنسيات متعددة وغير معروفين، ولا تدور أحداثه فى مصر أو بلهجة مصرية، وإنما صور فى ألمانيا وبعدد من اللهجات، وحتى الآن لم يشاهده أحد من النقاد، ومع ذلك وصل الجدل حوله إلى المطالبة بمحاسبة المسئولين عن عرضه فى المهرجان، والسماح بخروجه من مصر، وسحب الجنسية من مخرجه وأبطاله، بل أن الشاعر عماد حسن، مؤلف كلمات أغنية سميرة سعيد «بشتقلك ساعات» قرر أن يشارك فى تلك «الهوجة» والضجة المفتعلة، ويقاضى أصحاب الفيلم لأنه يحمل اسم الأغنية، مهددا بأنه لن يترك حقه!! 


إن ردود الأفعال قد تكون أحيانا أخطر على المجتمع من الأفعال، والضجة التى حدث حول «أفيش» الفيلم، قد تجعل المشكلة محط أنظار جيل صغير من الشباب، وتدفعهم للتعمق والبحث عن ذلك الموضوع، الذى «قلب الدنيا» وأحدث كل هذه الضجة والجدل، ومنح مخرجه وأبطاله شهرة لم يكن أحد منهم يحلم بها، وجعلت «المنصات» تسعى لعرضه، والخطورة الحقيقية أن ثقافة الصغار وخبراتهم لن تمكنهم من الفهم الصحيح لأبعاد القضية، وحمايتهم من الوقوع فى براثن تلك الأفكار المريضة.


إننى لست مع تقديم أعمال فنية إباحية مبتذلة أو سوقية فجة، لكننى مع مناقشة ومعالجة القضايا والأفكار بصورة عقلانية، لا تخدش الحياء ولا تتنافى مع قيم مجتمعنا وتقاليدنا ومعتقداتنا، وأرفض تماما اتباع رأى واعتناق وجهة نظر مسبقة فى عمل فنى لم نشاهده، أو السماح للإنترنت باختراق واستلاب عقولنا وتوجيهنا للتماهى مع الجماعة لمجرد الشعور بقوة خداعة، ويؤسفنى حقا أن يصل المجتمع لهذا المستوى من الغوغائية فى مناقشة القضايا والأفكار.
 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة