جـلال عـارف
جـلال عـارف


فى الصميم

طلبا للحرب.. أم التفاوض؟

جلال عارف

الجمعة، 18 فبراير 2022 - 08:21 م

رغم استمرار التوتر، وتضارب المعلومات حول بدء انسحاب القوات الروسية من الحدود المتاخمة لأوكرانيا، واستمرار  التأهب من كل الأطراف.. فإن حديث الحرب يبتعد، ويوم «الغزو»، الذى توقعته أمريكا واستعدت لمواجهته رغم النفى الروسى مر بسلام، مع تأكيد كل الأطراف الفاعلة فى الأزمة أن فرصة الحل الدبلوماسى قائمة، وإن كانت لن تدوم للأبد وإذا لم يتحرك الجميع نحو إنهاء التأزم.


والمؤكد أن استكمال انفراج الأزمة ينتظر أن تنفتح الأبواب أمام التفاوض الجاد للوصول إلى التسوية المطلوبة. ولو كان الأمر يقتصر على الخلاف الروسى والأوكرانى لكان الأمر سهلا، ولكانت عناصر الحل فى متناول اليد بعيدا عن صدام يعرف الروس والأوكرانيون ثمنه الفادح عليهما، وتقف فى وجهه عوامل كثيرة لعل أهمها أنه ورغم الخلافات- فإن هناك معارضة شعبية فى الجانبين للحرب التى تراها قطاعات كبيرة من الروس والأوكرانيين حربا لا تجوز بين «أشقاء»!!


المشكلة الحقيقية أن الأزمة تتعدى أوكرانيا، وأن الصراع فى حقيقته بين روسيا وأمريكا، والحشود الروسية كانت طلبا لفتح الملفات الهامة فى هذا الصراع. ومن هناك رافقتها المطالب الروسية التى تقدمت بها موسكو إلى أمريكا والحلفاء الأوروبيين فى حلف «الناتو»، والتى لم تكن قضية أوكرانيا فيها إلا مدخلا للمطالب الأساسية التى تنطلق من أن الحلف خالف كل تعهدائه، وأنه على مدى ربع قرن مد تواجده إلى دول شرق أوروبا، وخلق أوضاعا تهدد أمن روسيا التى تريد ضمانات «مكتوبة»، بتصحيح الأوضاع، وبعدم تمدد الحلف نحو أوكرانيا، وبإعادة النظر فى ضم دول شرق أوروبا، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه فى عام ١٩٩٧.


وبالطبع كان الرد الأمريكى والأوروبى رافضا لكل ذلك، ورافقه التذكير بتحركات روسيا فى السنوات السابقة ونواياها التى تعتبرها أوروبا تهديدا لأمنها. ومع ذلك لم تغلق كل أبواب التفاوض.

قالت موسكو من جانبها انها سترد على ما أوردته أمريكا وحلف «الناتو»، وأشارت إلى أن هناك عناصر ايجابية رغم الخلاف الكبير فى وجهات النظر.


فى عز تصاعد الأزمة الأوكرانية قالت موسكو إنها أتمت دراسة ما أرسلته أمريكا والحلفاء الغربيون فى أوروبا، وأن ردها تم إعداده وهو أمام الرئيس بوتين. وأظن أن الكثير سيترتب على ما ستقوله موسكو فى ردها. وأظن أن جزءا كبيرا من الجهد الدبلوماسى من جانب الأوروبيين بالذات يأتى من أجل الدفع بأن يكون الرد الروسى مدخلا للتفاوض الجاد حول القضايا الأساسية، لأن العكس سيكون معناه استمرار الأزمة وتزايد مخاطر الصدام، أو إبقاء حالة «حافة الهاوية»، بكل مخاطرها على الجميع.


إذا انفتح باب التفاوض الذى سيكون شاقا بكل تأكيد. فإن تهدئة الوضع فى قضية أوكرانيا لن تستلزم جهدا كبيرا. وربما يكون «تأجيل» التعامل مع طلب انضمام اوكرانيا لحلف «الناتو»، لفترة تطول لعشر سنوات أو أكثر هو المدخل الذى تقبله كل الأطراف، ليتفرغ الأوكرانيون لإنهاء الانقسامات الداخلية، ولنتفرغ روسيا والغرب للقضايا الأساسية بحثا عن نظام أمن أوروبى جديد يعطى الضمانات الأمنية الكافية لروسيا وأوروبا، ويعيد شيئا من الثقة المفقودة بين روسيا وأمريكا، ويعيد الحياة لجهود خفض التسلح، والتعاون من أجل العبور الآمن إلى نظام دولى جديد ما زالت ولادته عسيرة.


رغم كل طبول الحرب التى تدق، فإن كل الأطراف تدرك أن الحرب ليست لعبة، وأن أحدا لن ينجو من نارها إذا اشتعلت. أزمة أوكرانيا محطة صغيرة فى الطريق للصدام الذى يتجنبه الجميع. الأزمة- من البداية- كانت دعوة للتفاوض على القضايا الأساسية بين الكبار. كل ما يجرى - حتى الآن- هو تعزيز للمواقع فى انتظار انتقال المفاوضات من ساحة المواجهة وأخبار الحشد العسكرى، إلى حيث الدبلوماسية والحل السياسى الذى لا بديل عنه.
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة