السبت، 19 فبراير 2022 - 09:01 ص

غُرباءُ كُثُر هم من عشقوا مصر وشربوا من نيلها، وشاءت الأقدار أن يُدفنوا بأرضها، من هؤلاء  عالم الآثار الأمريكي جورج أندرو ريزنر (1867- 1942م).

ولد ريزنر بولاية إنديانا بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1867م من أب ذي أصول ألمانية، والتحق بجامعة بيردو بالولاية، ثم قاد فريق كرة القدم بالجامعة عام 1889م، حيث عمل مدربا. 

حصل ريزنر على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة هارفارد، ومع بداية القرن العشرين تم إيفاده إلى مصر والسودان للبحث والتنقيب عن الآثار.

اقرأ أيضا|البحث عن الكنوز المصرية.. خريطة الاكتشافات والمشروعات الأثرية| صور

ومن الغرائب أن تقرأ أنه وفي الفترة ما بين عام 1902 – 1905م، أراد أن يقوم بعمل حفائر حول الهرم، غير أن الأجانب الكُثُر الموجودين بمصر اختلفوا فيما بينهم؛ فقام الفرنسي جاستون ماسبيرو المسؤول عن مصلحة الآثار حينها، قام بتقسيم عملية التنقيب بمنطقة الهرم كالتالي: منحَ القسم الجنوبي للإيطاليين، ومنح القسم الشمالي للألمان، أما القسم الأوسط فكان من نصيب صاحبنا الأمريكي ريزنر. 

يوضح الباخث الأثرى د. حسين دقيل أن أعمال ريزنر في مصر والسودان استمرت طويلا، غير أنه وفي عام 1925 وبينما كان رفقاء ريزنر يقومون بعملية تنقيب في المكان المحدد لهم في القسم الأوسط بمنطقة الهرم - إذ كان حينها ريزنر بالولايات المتحدة - وبينما يقوم المصور بالعمل على تثبيت حامل آلة التصوير بجوار الهرم، إذ غرس أحد حوامل الكاميرا في شق حجر فجأة، فبدأوا في إزاحة الرمال عنه، وفوجئ الجميع بأنه مدخل بئر يؤدي إلى سلالم تحت الأرض.

قاموا برفع الرمال عن المكان حتى وصلوا إلى حجرة مقبرة مغلقة، فقام نائب ريزنر المدعو "آلان روفي" بفتح المقبرة، فوجدها مرصوصة بأشياء فوق بعضها البعض بشكل مثير، ووجدوا أرضية الحجرة مليئة بصفائح الذهب التي يبدو أنها وقعت من قطع الأثاث الموضوعة فوق بعضها البعض.

وبعد أيام من العثور على المقبرة، أمر ريزنر – وكان ما يزال بأمريكا – أمر بإغلاق المقبرة حتى يعود؛ وبعد 10 أشهر عاد ريزنر، وقام بفتح المقبرة بنفسه، والحقيقة أنه قام بتوثيقها بشكل كامل ودقيق، قد لا نستطيع فعل مثله الآن، حيث قام الرسام "دوس دانهام" ولمده 321 يوما برسم كل كبيرة وصغيرة بالمقبرة وبشكل في غاية الدقة، وتم تسجيل كل شيء بالمقبرة حتى إن عدد الصفحات المكتوب عنها زاد عن 1700 صفحة، هذا فضلا عن 1057 صورة فوتوغرافية لمحتويات المقبرة.

وبعد الانتهاء من عملية التوثيق، بدأ ريزنر وفريقه بالعمل على فتح التابوت، لكنّ المسؤولين ساعتها رأوا أن هذه عملية كبيرة ويجب أن يتم لها إعداد جيد؛ وبالفعل تم الترويج لتلك العملية ودُعي لها كبار المسؤولين المصريين والأجانب الموجودين بمصر ساعتها. 

لكن حدث شيء غريب.. فعندما تم فتح التابوت خاب ظنهم، فلم يجدوا المومياء! ... يقول "ليندون سميث" أحد المشاركين في تلك العملية عن هذه اللحظة: " قمنا برفع غطاء التابوت بحيث نستطيع رؤية ما بداخله، ولكني لم أجد مومياء الملكة فيه - كان التابوت فارغا! والتفتُ إلى ريزنر، فقال ريزنر بصوت عال مقصود: "جورج، يبدو أنها قنبلة لم تنفجر! فسأل الوزير المسؤول عن الآثار: ماذا تعني بقنبلة غير منفجرة؟ فرفع ريزنر نفسه من القرفصاء واقفا وقال: أيها السادة المحترمين، يبدو أن "الملكة حتب حرس" غير مستعدة للمقابلة. وأضاف: "زوجتي السيدة ريزنر سوف تقدم لكم بعضا من المشروبات... "

وبعد عام على تلك الواقعة، تم رفع التابوت المصنوع من الألبستر الذي يزن 2.2 طن، ووجدت بداخله صندوق الأواني الكانوبية سليم. وبعد ربع قرن من تلك الواقعة تم عرض مقتنيات تلك المقبرة على الجمهور عام 1952م. 

ومن مقتنيات المقبرة ما تم عرضه بمقال الأمس كالكرسي، والسرير الذي تم إعادة تركيبه، والكرسي محمول، والأساور، وهذه المقتنيات موجودة بالمتحف المصري بالتحرير. لكن هناك أيضا مقتنيات أخرى، ونماذج طبق الأصل، موجودة بمتحف بوسطن للفنون الجميلة بالولايات المتحدة الأمريكية. 
  
ظل ريزنر في اجتهاده وتنقيبه عن الآثار بمصر والنوبة، حتى أُصيب بضعف النظر، الذي تزايد عليه حتى وصل إلى العمى في شيخوخته، فمات على سريره بالقاهرة عام 1942م، بعد أن جاوز الخامسة والسبعين من عمره؛ قضى أكثر من نصفها بمصر والسودان، وأنجز الكثير.