بايدن وبوتين
بايدن وبوتين


الغرب يخشى على مصالحه.. والصين تترقب النتائج

حرب تكسير عظام فى أزمة «روسيا - أوكرانيا»

آخر ساعة

الأحد، 27 فبراير 2022 - 11:51 ص

خالد حمزة

هى "لعبة الأمم" على الأراضى الأوكرانية، التى تتواصل فصولها المتأرجحة، فرغم مؤشرات خفض التوتر، يتم تبادل التهديد والوعيد من جهة، والتهدئة وعروض الحوار والتفاهم من جهة أخرى.

إصرار الرئيس بوتين على لغة تحمل بقايا نغمة صوت الزعيم الشيوعي خرتشوف، ولغة جسد صاغ إيقاعها بمهارة لاعب الجودو، إضافة للحشود العسكرية والمناورات الجديدة، بالقوة الصاروخية والأسلحة غير التقليدية عند الحدود، التى يشرف عليها شخصيا، والحشد المقابل المتزايد لقوات حلف الناتو فى أوروبا الشرقية، ونوعية السلاح الحديث المتدفق، وصواريخ ستيجنر الأمريكية على أوكرانيا، والتوترات فى شرق البلاد، والتلاسن داخل أروقة مجلس الأمن والاستفزاز الأمريكى، كل ذلك يدق أجراس المواجهة القريبة بين كتلتين، لم تهدأ نار العداوة بينهما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

الحرب الباردة "حرب أم لا حرب؟" لم يعد هذا هو السؤال المطروح، بل أصبح السؤال الأهم "ماذا بعد كل ذلك مع حسابات المكسب والخسارة لكل الأطراف؟" الروس خلال الأزمة كانوا يضعون نصب أعينهم قناعتهم، بأن الرئيس الأمريكى الجديد، سيتخلص من بعض أعباء أمريكا، من أجل التركيز على تحويل التنافس مع الصين، إلى نوع من الإدارة المشتركة للكوكب، كما كشفت الأزمة اقتناع بوتين بنجاح نظرية حافة الهاوية، التى كان فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكى السابق فى عهد أيزنهاور، أول من نادى بها، والمفارقة أنه قد وضعها لمواجهة الاتحاد السوفيتى، ويعيدها للحياة الرئيس الروسى فى مواجهة الغرب.

الملاحظ فى الأزمة الراهنة، أن الكفة تميل إلى بوتين على حساب بايدن، الذى يبدو كمن ربح المعركة دون إطلاق رصاصة واحدة، أسعار النفط ارتفعت، وهذا ما يفيد الاقتصاد الروسى، الكرملين صار مقصدا لرؤساء أوروبيين، يعرضون مقترحات بعضها يراعى مطالب روسيا، أبرزهم الرئيس الفرنسى والمستشار الألمانى، الذى ترتبط بلاده بروسيا بمصالح اقتصادية هائلة، وكل ذلك حصل عليه بوتين، وهو لم يستبعد العمل العسكرى نهائيا، بل أشرف بنفسه على مناورات جديدة بأسلحة وصواريخ غير تقليدية، فقط أرسل إشارات بخفض التوتر.

والمثال الذى يستشهد به، ويحمل وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف خطابه فى جيبه، هو وزير الخارجية أيام القياصرة الأمير ألكسندر جورتشاكوف القائل "روسيا لا تغضب"، روسيا تعيد تشكيل نفسها وتتأهب، فهو استعاد لموسكو نفوذها فى أوروبا، أن الأزمة غيرت شكل العالم قبل اندلاع الحرب، وذلك من خلال إثبات أن روسيا، قادرة على منافسة الخصوم، وأن القرار الأمريكى لم يعد منفردا على العالم ورغم الدعايات الغربية والشائعات، مازال بوتين يمسك بأوراق الأزمة الأوكرانية.

ولكنه فى المقابل، كما تقول صحيفة التليجراف البريطانية، جعل الخصوم يقتربون أكثر من أمنه القومى، الناتو ازداد دوره، وأصبحوا على أبواب حديقته الخلفية أكثر من أى وقت مضى، وأمريكا وبريطانيا نشرتا قوات فى أوروبا الشرقية، أوكرانيا حصلت على أسلحة متقدمة، وبينما التداعيات الخطيرة للأزمة، أصبحت حقيقة، فهل يمسك بوتين بكل خيوطها، أم أن هذا أقصى ما فى جعبته؟ لأن أى تحرك عسكرى بعد الآن، لن يكون مجرد نزعة شبيهة بغزو أمريكا للعراق أو ضم الروس لشبه جزيرة القرم، فى ظل تقارير عن خسائر محتملة فى صفوف الجنود الروس، وتوقع مقاومة طويلة.

حسابات الربح والخسارة فى الأزمة الراهنة، لم تتضح معالمها بعد فلا أحد يعرف، إذا كان الرئيس بوتين على وشك خوض الحرب للنهاية، كما توحى التحركات العسكرية للجيش الروسى أو أن الأمر لا يعدو عن أن يكون حملة ضغط على أعصاب الغرب لدفعه لاستعادة الهيبة والمكانة، التى خسرتها روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، لكن قرار بوتين، ربما يكون سببًا لأزمة أكبر بين روسيا والغرب أو مبررًا لتدخل غربى أكبر فيها وربما وجدها فرصة، لجر روسيا لمستنقع أوكرانيا، لخوض معركة طويلة الأمد تسفر عن تقليم أظافر روسيا وإعادتها إلى ما قبل بوتين.

ما يحدث حاليًا، شديد الشبه بأزمة الصواريخ الكوبية فى ستينيات القرن الماضى، حين نشر السوفيت صواريخ نووية فى كوبا، التى تبعد 100 ميل تقريبا عن الشواطئ الأمريكية، وكادت تنشب حرب لولا تراجع السوفيت، أما الأزمة الحالية فقد بدأت منذ ربع قرن تقريبا، عقب انهيار الاتحاد السوفيتى، حين سحبت موسكو قواتها المتمركزة فى ألمانيا الشرقية، بعد الحصول على ضمانات بعدم ضم حلف الناتو لدول شرق أوروبا، لكن ما حدث لاحقا، كان ضم بولندا والتشيك والمجر 1999، ثم رومانيا ولاتفيا وليتوانيا وبلغاريا وأستونيا وسلوفينيا وسلوفاكيا فى 2004، ثم كرواتيا وألبانيا والجبل الأسود ومقدونيا، والآن تخطط الولايات المتحدة لضم أوكرانيا وجورجيا، وهو ما ترفضه روسيا بشدة، وتنشر قواتها على حدود أوكرانيا، لتوجه رسالة قوية للجميع بأن ماحدث فى الماضى، لن يتكرر. 

ما يُهدد بوتين فى حال شن عملية مهمة فى أوكرانيا، كما تقول صحيفة الإيكونوميست البريطانية، ليست العقوبات فحسب، بل خسارة مبيعات الغاز، فالمبيعات إلى الصين لن تعوض خسارة خط الغاز لأوروبا "نورد ستريم 2"، مع احتمال شن حرب أوروبية على حدود أربع دول فى الاتحاد الأوروبى هى "بولندا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا"، وإبقاء جيش كبير لفترة طويلة، وبتكاليف سترهق الخزانة الروسية بشدة، لكن رغم ذلك فإن حاجة أوروبا إلى الغاز الروسى لا بديل لها حاليًا، وبالمقابل فإن غزو أوكرانيا، سيؤدى لخسائر أطراف عدة فى مقدمتهم الرئيس الأمريكى جو بايدن وحزبه الديمقراطى، وفى مقدمة الخسائر التى سيتعرض لها بايدن تأثر شعبيته داخلياً وخارجياً، بالإضافة إلى أنه سيتسبب فى زيادة أسعار النفط والغاز فى العالم، إضافة لانصراف الناخب الأمريكى عنه، وفشله فى الترشح لفترة ولاية ثانية، فى الانتخابات الرئاسية المقبلة فى 2024، كما أن الغزو الروسى لأوكرانيا، من شأنه أن يقوض مبادئ الديمقراطية، وهو الشعار الذى توليه إدارة بايدن أولوية واضحة، ضمن سياساتها الخارجية، ومع الغزو فربما يشجع ذلك دولاً أخرى على الإقدام على نفس الخطوة، ومنها الصين على غزو تايوان، ما يعنى أنه قد يشعل العديد من الأزمات، والتى قد تجد أمريكا أنها مضطرة للتدخل العسكرى فيها، ليصبح العالم على مشارف حرب شاملة.

بايدن، حسب تقرير لشبكة سى إن إن الأمريكية، أصبح عرضة للانتقادات الساخرة من منافسيه الجمهوريين، وفى مقدمتهم الرئيس السابق دونالد ترامب، الذى يصف بايدن بأنه ضعيف، وبأن الانسحاب الأمريكى من أفغانستان شجع بوتين، وأن إدارته كانت أكثر صرامة فى التعامل مع بوتين، ورغم استفزازات الإدارة الأمريكية المستمرة لروسيا وادعاءاتها بالغزو الروسى، فإنها لن ترسل جنوداً إلى أوكرانيا، لمساندتها فى مواجهة التهديدات الروسية، لأن أوكرانيا ليست من أعضاء الناتو.

الرئيس الأوكرانى فلادومير زيلنسكى، ليس بعيدا عن ذلك، فالرجل يتعرض لكابوس مرعب، كما أن الشعب الأوكرانى، وجد نفسه وسط صراع قوى عظمى، وقد يرى البعض أن الرئيس الأوكرانى بدعمه فكرة الانضمام للناتو، يراهن على الدعم الغربى والأمريكى، ودول مثل "سلوفكيا والمجر ورومانيا وسلوفينيا والتشيك والبانيا"، وجميعها كانت أعضاء فى حلف وراسو العسكرى بقيادة الاتحاد السوفيتى، وقد وفر لها الغرب الدعم العسكرى والأمنى لمقاومة الروس، وهكذا وجدت أوكرانيا نفسها بين فكى الرحى.

الأزمة، تعكس تحالفا بدأ فى التشكل بين روسيا والصين، التى تقف عن بعد متحفزة، لما ستسفر عنه تحركات الأطراف المتصارعة، فقد اتفقت الصين وروسيا على عدم الوقوف فى طريق بعضهما البعض، واستغلال الفراغ مع انسحاب أمريكا من أفغانستان، ومناطق ساخنة أخرى بالعالم، وعلى عكس مبادرة الحزام والطريق الصينية، فإن العمليات الروسية تدور حول تحديد واستغلال نقاط الضغط الغربية، لذا حرص الكرملين على تأسيس محور أقوى مع بكين لتقليص مناطق المنافسة بينهما فى آسيا الوسطى، فى مواجهة الأطماع العسكرية والاقتصادية لأمريكا والغرب فيها.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة