محمود أمين العالم
محمود أمين العالم


فى ذكرى ميلاده الـمئه l محمود أمين العالم.. المثقف المشتبك وشيخ النقاد

آخر ساعة

الأحد، 27 فبراير 2022 - 11:52 ص

حسن حافظ

إذا ذُكر النقد والأدب فى مصر فى القرن العشرين، فبالتأكيد سيكون اسم محمود أمين العالم على رأس هذه القائمة، فالرجل المشتبك مع قضايا النقد والفكر، حفر لنفسه مكانة مهمة فى تاريخ الفكر المصرى والعربي، بحروف من نور، منذ كتابه مع صديق عمره عبدالعظيم أنيس، "فى الثقافة المصرية" 1955، وهو صاحب مدرسة فى النقد بمرجعية ماركسية يسارية، فجدد مدارس النقد الأدبى العربى ومنحها الكثير من روحه الدقيقة والعلمية والمنحازة للطبقات المهمشة، وانتقل بمنظور الأدب العربى إلى منزلة أرحب، وبمناسبة مرور الذكرى المئوية لميلاده، جاءت فرصة طيبة لتعريف الأجيال الشابة بقامة فكرية ملأت الدنيا وشغلت الناس فى الأوساط الثقافية على مدار عقود.

محمود أمين العالم، المولود فى 18 فبراير 1922، عاش فى الدرب الأحمر أحد أهم الأحياء فى القاهرة القديمة، ففتح عينيه على عوالم المهمشين، وقضايا التحرر الوطنى ضد الاحتلال البريطاني، وعانى الفقر لكنه تغلب عليه وبدأ مشواره المعرفى بالتردد على دار الكتب المصرية (الكتبخانه) بباب الخلق، ونهل من الكتب هناك فاطلع على مختلف المدارس الفكرية، وانحاز للماركسية باعتبارها المنظومة الفكرية المنحازة للمهمشين والرافضة للاستعمار الغربى الذى استغل موارد شعوب العالم من أجل قلة محتكرة فى قلب أوروبا، وهى الأفكار التى زادت عمقا بعد التحاقه بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، وتخصصه فى الفلسفة، التى لم تمنعه عن قرض الشعر كما هو واضح فى ديوانه "أغنية الإنسان".

دشن العِالم حضوره فى المشهد الثقافى المصرى، بكتاب مشترك مع صديق عمره عبدالعظيم أنيس، وهو كتاب "فى الثقافة المصرية"، فى مطلع الخمسينيات، ليؤسس الكتاب لما بات يُعرف بـ"المدرسة الواقعية فى النقد الأدبي"، التى ارتبط اسمها باسم محمود أمين العالم، إذ استطاع مع صديقه أنيس، أن يقوم بمراجعة شاملة للمنتج الأدبى المصرى فى الفترة الليبرالية بأدوات نقدية جديدة ومهمة، تقوم على تحليل العمل الأدبى فى إطار واقعى لتغيير الواقع إلى الأفضل، أى أن الأدب يتحول إلى أداة من أدوات النضال، وهى فكرة مفهومة لمفكر نشأ فى حضن الحركة الوطنية المناهضة للاحتلال البريطانى المتسبب فى شيوع الفقر والأمية فى المجتمع ككل، وهى الأفكار التى ظل العالم مخلصا لها على الدوام، فوقع الصدام مع النظام الناصرى من أجلها، فدخل المعتقل السياسى عام 1959، واستمر فيه حتى 1964، إذ تم الإفراج عن الماركسيين وتحالف معهم النظام الناصرى فى إطار مواجهة الخلاف مع الولايات المتحدة.

ثم غادر إلى أوروبا بعد خلافه مع نظام الرئيس أنور السادات، حيث التحق بوظيفة مدرس الفكر العربى بجامعة باريس من 1973 إلى 1984، كما أسس مجلة شهرية بعنوان "اليسار العربي" دافعت عن الوحدة العربية وقيم الديمقراطية والتحرر السياسى والاقتصادى، فدخل فى صدام مع السادات، الذى بدأ فى مرحلة التقارب مع أمريكا والسلام مع إسرائيل، فتم تحويل العالِم إلى محكمة غيابية جردته من حقوقه السياسية والمدنية، لكنه عاد إلى مصر بعد اغتيال السادات، وبدأ فى إصدار دوريته "قضايا فكرية"، وواصل إنتاجه النقدى حتى رحيله فى 10 يناير 2009، بعدما ترك خلفه العديد من الكتب التى أثارت الكثير من معارك النقد والفكر، وعشرات المقالات فى مختلف الدوريات المصرية والعربية.

من جهته، يقول الدكتور حسين حمودة، أستاذ النقد الأدبى بجامعة القاهرة، لـ"آخرساعة"، إن "محمود أمين العالم صاحب مشروع فكرى وفلسفى ونقدى وأدبى مشهود، وتميز هذا المشروع، كما تميز صاحبه، بميزات لم تتح لدى كثيرين ممن مارسوا الكتابة فى النقد والفلسفة، فالأستاذ العالم، منذ زمن مبكر، كانت له اهتمامات فلسفية واضحة، وقراءات موسعة فى مصادرها، وأنجز رسالة أكاديمية، قبل فصله من العمل بالجامعة، حول نظرية المصادفة، وقادته هذه الاهتمامات بالفلسفة إلى ربط كثير من المفاهيم والأفكار والتصورات التى انطلق منها، فى كتاباته بوجه عام، بالأسس الفلسفية التى بلورتها، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية كان له نشاطه الإبداعي، فى كتابة الشعر، وأيضا فى كتابة بعض المسرحيات (لم تنشر حتى الآن)، ما أسهم فى صياغة ذائقة مدربة".

وتابع حمودة: "ومن ناحية ثالثة، كما أشار فى الحديث عن سنوات تكوينه إلى قراءاته المبكرة فى فروع معرفية شتى، واتصاله بالأدب القديم والحديث وبالأدب الشعبي، وغير ذلك مما يمكن أن يشكل ذائقة أدبية مستندة إلى جذور حقيقية ممتدة فى الأرض، وتأسيسًا على هذه الميزات، قدم محمود أمين العالم للمكتبة العربية عددا كبيرا من الكتب المهمة فى مجالات عدة، منها كتاباته حول قضايا الفكر العربى وتجلياته المتعددة، ومنها كتبه: (معارك فكرية)، و(الوعى والوعى الزائف)، و(مفاهيم وقضايا إشكالية)، ومنها كتاباته فى النقد الأدبي، وفى مقدمتها: (فى الثقافة المصرية)، و(تأملات فى عالم نجيب محفوظ)، و(ثلاثية الرفض والهزيمة)، و(أربعون عاما من النقد التطبيقى)، و(الوجه والقناع فى المسرح المصرى)، و(توفيق الحكيم مفكرا وفنانا)، بالإضافة إلى كتبه الأخرى التى اتصلت اتصالا قريبا بالفلسفة، ومنها (فلسفة المصادفة)، و(هربرت ماركيوز وفلسفة الطريق المسدود)، فضلا عما كتب من شعر نشر بعضه فى ديوانيه (أغنية إنسان) و(قراءة لجدران زنزانة)".

وأشار الدكتور حسين حمودة إلى أن العالِم انطلق فى كل ما كتب من روح التأمل والتساؤل، ومن السعى لربط النشاط الفكرى والإبداعى بسياقاته الاجتماعية وغير الاجتماعية، ومن الاهتمام ببحث علاقة الثقافة العربية بالثقافات الإنسانية، ومن الحرص على متابعة النتاج الفكرى والأدبى الجديد، فى زمنه بالطبع، ومن الانتماء إلى المستقبل والإيمان بقيمة التقدم، وتجسيد هذا الانتماء وهذا الإيمان خلال الاهتمام بالمشاغل الحاضرة، وأضاف: "أتصور أن مشروعه، بهذا الغنى وبهذا الاتساع وبهذا التعدد، لم يحظ حتى الآن بما يستحق من عناية واهتمام ودرس يستخلص القيم الباقية منه، وهى قيم كبيرة وكثيرة ومتنوعة".

بدوره، يحلل الدكتور سامى سليمان، أستاذ النقد الأدبى بجامعة القاهرة، تجربة المبدع الراحل قائلا: "محمود أمين العالم مفكر وناقد وكاتب مصرى معاصر، وواحد من أبرز من صاغوا الثقافة المصرية الحديثة والمعاصرة، من منتصف القرن العشرين وحتى وفاته فى 2009، وقد درس فى الأصل فى قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، وكان يعمل فى الجامعة، وأعد رسالته للماجستير عن فلسفة المصادفة، وخلال عمله فى الرسالة وقع على أحد كتب لينين، واستوعبه فكانت نقطة تحول فى حياته، إذ ترك الاتجاه الفلسفى المثالي، وبدأ يتعرف بدرجة من العمق على الفلسفة الماركسية حتى تبنى الماركسية منهجا وفكرا يفسر به الواقع والتاريخ والمستقبل".

وتابع: "فُصِل العالِم من الجامعة فى إطار أزمة مارس 1954، وكان قد نشر مجموعة من المقالات النقدية، ثم جمعها مع مقالات صديقه المناضل عبدالعظيم أنيس، فى كتاب مشترك بعنوان (فى الثقافة المصرية)، الذى صدر عام 1955، وهذا الكتاب يمكن أن يؤرخ به لمرحلة تطور ونضج فى واحد من أبرز اتجاهات النقد العربى آنذاك، وهو اتجاه النقد الاجتماعى، وتعود أهمية الكتاب إلى أنه استند إلى النظرية الماركسية فى تفسير الأدب وفى تفسير الإبداع الأدبى والفنى، وحدد العالم وأنيس فى كتابهما مجموعة من المبادئ الأولى للنظرة الماركسية فى الأدب، التى ترى أن الثقافة جزء من البناء الفوقي، وأن هذا البناء الفوقى انعكاس للبناء التحتى المتمثل فى علاقات الإنتاج ونمط الإنتاج، وفى ضوء هذه النظرية قاما بنقد نماذج من الكتابات المصرية الحديثة والمعاصرة وقتذاك، منها: مسرحية (أهل الكهف) توفيق الحكيم، وأعمال عبد الرحمن الشرقاوى، وديوان الفيلسوف عبدالرحمن بدوى".

وأشار أستاذ النقد الأدبى إلى أن صدور كتاب "فى الثقافة المصرية"، أدى لدخول العالِم وأنيس فى معارك مع جيل طه حسين وعباس العقاد، وقد صرح الأخير قائلا: "إنه لا يناقشهما.. إنما يضبطهما.. إنهما شيوعيان.

وتابع: "فى تلك المرحلة كتب العالم مجموعة من أخصب مقالاته ودراساته النقدية، ويمكن أن نشير إلى كتابين أساسيين له فى هذه المرحلة، وهما: (الوجه والقناع فى مسرحنا العربى المعاصر)، الذى يضم مقالات العالم من منتصف الخمسينيات إلى نهاية الستينيات، وقدم فيه متابعة دقيقة للحركة المسرحية المصرية حتى هزيمة 1967، أما الكتاب الثانى المهم فى هذه المرحلة فهو (تأملات فى عالم نجيب محفوظ)، وكان فى الأصل مجموعة من المقالات نشرها فى صحف ومجلات مختلفة، ثم جمعها فى كتاب فى بدايات سبعينيات القرن العشرين.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة