الكاتب الصحفي عبدالنبي النديم
الكاتب الصحفي عبدالنبي النديم


تقرير يكتبه عبد النبي النديم: خطوط الغاز الطبيعي.. «سلاح استراتيجي وشرايين حياة»

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 28 فبراير 2022 - 07:11 م

على الرغم من الحرب التى تدور رحاها بين الاتحاد الروسي وأوكرانيا، إلا أن هناك حرب من نوع آخر سبقتها على مستوى العالم، تتنازعها الأهواء بين الدول، ومن يمتلك مقوماتها فقد حجز له مقعد بين كبريات الدول، وهى حرب الطاقة، فكل دول العالم بلا استثناء تسعى لتحقيق حاجاتها من موارد الطاقة المختلفة، حيث ينقسم العالم إلى نصفين ، الأول منتج للطاقة بمختلف أنواعها خاصة الوقود الأحفورى المتمثل فى البترول والغاز الطبيعي، ودول مستوردة ومستهلكة للطاقة، ولكن خلال العقد الماضي تربع الغاز الطبيعى كـ«ملك» على عرش الطاقة، ومن يملك الغاز الطبيعي فقد ملك سلاح له قوته فى العالم، وتضم قائمة الدول المنتجة للغاز الطبيعى والتى تتصدرها روسيا والولايات المتحدة، والإتحاد الأوروبي وكندا وإيرن وقطر والنرويج والجزائر، وتحتل مصر المرتبة 18 على العالم من حيث إنتاج الغاز الطبيعي، أما من حيث الإحتياطى المؤكد من الغاز فتتصدر روسيا العالم باحتياطى كأكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم بقيمة إجماليه 47805 مليار متر مكعب، تليها إيران التى تمتلك حوالي 33721 مليار متر مكعب، ثم قطر التي تمتلك ثالث أكبر احتياطي للغاز الطبيعي يبلغ حوالي 24،072 مليار متر مكعب، ثم الولايات المتحدة التى تمتلك وفرة من احتياطيات الغاز الطبيعي، بحوالي 15484 مليار متر مكعب، وتمتلك المملكة العربية السعودية خامس أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم ، بإجمالي حوالي 9،200 مليار متر مكعب.

أما من حيث التصدير فتتصدر أستراليا المركز الأول بما قيمته 36.2 مليار دولار، تليها قطر حيث تصدر غاز طبيعى بما يوازى 33.2 مليار دولار،  ثم الولايات المتحدة التى تصدر بقيمة 30.5 مليار دولار، ثم النرويج 21.4 مليار دولار، ثم ألمانيا 13.6 مليار دولار، ثم ماليزيا 10.7 مليار دولار، والجزائر 10.4 مليار دولار، ثم روسيا    9.5 مليار دولار، وكندا 9.2 مليار دولار، ثم إندونيسيا 8.6 مليار دولار.

إلى هنا والحديث عن الغاز عبارة عن أرقام ودولارات، لا يوجد وجه استفادة من الغاز ، وهو في مكمنة فى فى المصايد بباطن الأرض، وفور ضخ الغاز فى «شرايين الحياة» خطوط نقل الغاز الطبيعي، تبدأ هنا «الحرب الجيوسياسية»، وهى مجموعة العوامل الجغرافية والاقتصادية والثقافية التي تؤثر في سياسات الدول وفي العلاقات الدولية، حيث تسعى كبريات الدول المنتجة للغاز الطبيعى فى مد خطوط الغاز، كشرايين حياة، لضخ الغاز إلى الدول المستهلكة، خاصة الدول الصناعية والدول ذات الطقس البارد، من خلال اتفاقيات يكون طرفاها فى البداية حسن النية، لتحقيق المصالح المشتركة، وينساب الغاز لتحقيق التطور والتنمية فى الدول المنتجة والمستهلكة معا، حتى يدب الخلاف، وتسقط ورقة التوت ويتنازع الطرفان على تعديل سعر الغاز، الذى لم تستطيع منظمة دولية أو إقليمية حتى الآن فى وضع معادلة سعرية تحقق العدالة فى الأسعار، وتحمى الدول المستهلكة من الإنفلات.

فالغاز الطبيعي أصبح من أهم مصادر القوة والنفوذ الاستراتيجى للدول، وسلاح موجه للدول التى لا تمتلكه، كسلاح مؤثر فى رسم ملامح النظام الجديد للعالم، ورغم التحول الذى يشهده العالم للتوجه نحو الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات الكربونية والتى سيناقشها مؤتمر التغييرات المناخية فى شرم الشيخcop 27 ، إلا أن الغاز الطبيعي لا يزال يتربع على عرش الطاقة، وأداة لـ«الهيمنة الجيوسياسية» فى العالم، وسبب فى إندلاع الصراعات بين الدول المتنافسة للسيطرة على طرق الغاز وتأمين خطوط وممرات النقل.
وهنا تكمن قوة وأهمية خطوط الغاز الطبيعي كسلاح استراتيجي، التى غيرت خريطة العالم الاستراتيجية، وإحدى أدوات «الحرب الهجينة» فى صراع الدول الكبرى، وأبرز مثال علي ذلك الحرب الروسية الطاحنة التى تدور على الأراضى الأوكرانية، ولنعلم أهمية خطوط نقل الغاز للعالم، فقد صدرت العقوبات على روسيا وحرصت الولايات المتحدة وألمانيا على التأكيد أن خطوط نقل الغاز الروسي إلى الإتحاد الأوربى لا تخضع للعقوبات المفروضة على روسيا.

ففى الوقت التى تقوم به المعدات العسكرية الروسية الشاملة فى الحرب على أوكرانيا، إلا أن خطوط الغاز ما زالت تضخ «أكسير الحياة» للدول الأوروبية، رغم تضاعف أسعار الغاز بعد الهجوم الروسي، إلا أن الدول الأوربية لا تستطيع الإستغناء عن الغاز الروسي سوء فى الصناعة أو التدفئة المنزلية، أو كوقود للسيارات، وبعد أن قامت ألمانيا بإتخاذ قرار بوقف خط الغاز الروسي نورد ستريم 2 ، إلا أنها عادت إلى استكمال الإجراءات تسريعا لضخ الغاز من خلاله، والذى يمر ببحر البلطيق، بالتوازى مع الخط الأول نوردستريم 1 الذى يمر من الأراضى الأوكرانية، كما حرصت روسيا على تنوع مصادر توريد الغاز، بخط غاز آخر من خلال تركيا، « تركستريم» الذى زاد من النفوذ الروسي فى القارة العجوز.

وللأهمية الإستراتيجية التى إكتسبتها خطوط أنابيب الغاز الطبيعي، تضخ الحكومات استثمارات كبيرة في بناء شرايين الطاقة، على الرغم دعوات وكالة الطاقة الدولية إلى ضرورة التوقف الفوري عن تمويل مشروعات الوقود الأحفوري، من أجل تحقيق أهداف الحياد الكربوني، ورغم التحذيرات هذه إلا أن مشروعات خطوط أنابيب الغاز العالمية بصدد زيادة قوية خلال السنوات المقبلة بعد الانخفاض خلال العامين الماضيين، بسبب التحديات التي فرضها أنتشار «وباء كورونا».

حيث أن التوقعات في زيادة استثمارات الغاز الطبيعي والغاز المسال العالمية تصل نسبة زيادتها إلى 14%، بما يعادل 149 مليار دولار خلال عام 2022، ومن المرجح أن تثير مشروعات توسيع خطوط الأنابيب مخاطر وجود أصول عالقة تقترب من نصف تريليون دولار، مع ضرورة خفض الانبعاثات لمواجهة أزمة المناخ.

وأكتسبت مشروعات إنشاء خطوط أنابيب نقل الغاز الطبيعي أهمية قصوى خلال الفترة الماضية، فخلال العام الماضي 2021، بلغت أطوال خطوط أنابيب الغاز العالمية قيد التشغيل نحو 6 آلاف و500 كيلومتر، وهو أقل مستوى منذ عام 1996، جراء الفوضى الاقتصادية واللوجستية التي سببها وباء كورونا، بعد تراجعها 6% عام 2020.
ولكن من المتوقع أن تتمدد شبكة خطوط أنابيب الغاز حول العالم وتتوسع بشكل كبير وسريع، بتشغيل  36.8 ألف كيلومتر من خطوط الأنابيب هذا العام، ونحو 59.5 ألف كيلومتر أخرى حتى نهاية العقد، ليضاف على شبكة الخطوط الموجودة على الصعيد العالمي والتى تبلغ 70.9 ألف كيلومتر من خطوط الأنابيب قيد الإنشاء، بالإضافة إلى 122.5 ألف كيلومتر في مرحلة ما قبل البناء، بإجمالي 193.4 ألف كيلومتر نحو 408 خطوط أنابيب غاز جديدة، كما أن هناك 510 توسعات وتحديثات لسعة البنية التحتية القائمة.

وتقود الصين والهند زخم مشروعات خطوط أنابيب الغاز عالميًا، خاصة مع اتجاه الدولتين إلى التخلص التدريجي من الفحم، لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060 و2070 على التوالي، بالإضافة إلى دول أخرى مثل روسيا وأستراليا والولايات المتحدة والبرازيل، وتشكل الدول الـ6 الرائدة 61% من سعة خطوط أنابيب الغاز قيد التطوير في العالم، وتعد شركة بايب تشاينا الصينية، ثاني أكبر مطور لخطوط أنابيب الغاز في العالم، بعد غازبروم الروسية.

أما موقف مصر ومنطقة الشرق الأوسط فى هذه الحرب الهجينة ليس ببعيد، فقد سعت مصر من خلال الاتفاقيات مع دول شرق المتوسط إلى إنشاء منتدى دول شرق المتوسط، الذى ولد عملاقا وكان له تأثير واضح فى رسم سياسيات توزيع الطاقة فى العالم، حيث تسعى دول شرق المتوسط لتحقيق التكامل والتعاون فيما بينها لتحقيق أقصى أستفادة من ثروات الغاز الطبيعى تحت المتوسط، فخطوط الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، زادت أهميتها مع تزايد عدد اكتشافات حقول الغاز الطبيعي في المنطقة، بعضها يعمل بالفعل والبعض الآخر قيد الإنشاء، وتعاظمت أهميته وأثره على العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول خاصة أعضاء منتدى شرق المتوسط للغاز.

ومن أهم هذه الخطوط ، خط غاز شركة شرق المتوسط، «خط الغاز العربى» والذى تم إنشاؤه في البداية لنقل الغاز الطبيعي المصري من العريش بمصر إلى عسقلان بإسرائيل، داخل المياه الإقليمية المصرية، ثم الإسرائيلية في البحر المتوسط بطول 100 كم، ويتفرع خط الغاز العربي على الحدود المصرية ليصل الغاز المصري إلى الأردن وسوريا ولبنان.

وخط الغاز القطري – التركي، حيث تعتزم قطر نقل الغاز إلى تركيا عبر خط أنابيب يمر عبر السعودية وسوريا ومنها إلى تركيا التي ستتولى توزيعه إلى أوروبا، وترجع أهمية هذا الخط إلى أن روسيا لن تصبح مصدر الغاز الوحيد لأوروبا. ويربط كثير من الخبراء والمحللين الأزمة الخليجية الأخيرة مع قطر بأطماع في ثرواتها الهائلة من الغاز.

وأعلنت شركات ديليك دريلينج الإسرائيلية ونوبل إنرجي ومقرها تكساس وغاز الشرق المصرية، التوصل لاتفاق لشراء حصة من شركة غاز شرق المتوسط نسبتها 39 % من الأسهم مقابل 518 مليون دولار، وهي صفقة ستمكن إسرائيل من توريد 64 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصرعلى مدى عشر سنوات، من حقلي تمار وليفثيان البحريين الإسرائيليين في إطار اتفاق التصدير الموقع بين البلدين.

وهناك خط الأنابيب «الإسرائيلي – الأوروبي» حيث أعلنت حكومات أوروبية وحكومة إسرائيل دعمها لإنشاء مشروع خط أنابيب بالبحر المتوسط لنقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى أوروبا، وحددت موعداً مستهدفا لاستكماله في عام 2025، ويهدف خط الأنابيب الذي يمتد لمسافة 200 كيلومتر إلى ربط حقول الغاز قبالة سواحل إسرائيل وقبرص باليونان وربما إيطاليا بتكلفة تصل إلي ستة مليارات يورو (6.4 مليار دولار).

وأيضا «خط الغاز المصري – القبرصي» حيث وقعت قبرص ومصر اتفاقاً يمهد الطريق لإنشاء أول خط أنابيب تحت المياه في البحر الأبيض المتوسط، لنقل الغاز الطبيعي من قبرص إلى الأراضي المصرية لاسالته في المحطات المصرية تمهيداً لإعادة تصديره الى أوروبا، وفق الاتفاق سيتم نقل الغاز من حقل «أفروديت» القبرصي إلى مصر مما يفتح الباب أمام جذب استثمارات بمليارات الدولارات للبنية التحتية.

وخط الغاز «الأردني – الإسرائيلي» فقد وقعت شركة الكهرباء الوطنية الأردنية ووزارة الطاقة مع إسرائيل وشركة نوبل إنيريجي اتفاقا يقضي باستيراد عمان للغاز الإسرائيلي المستخرج من حقل ليفياثان.

وتنتهج وزارة البترول المصرية تحت قيادة المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، استرتيجية مدروسة لتحقيق أستفادة قصوى من ثروات مصر الطبيعية، مع تزايد الدور الذى يلعبه الغاز الطبيعى في قيادة النمو والتطور في الاقتصاد المصرى، فمع تزايد حجم الصادرات المصرية من الغاز الطبيعى بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة له انعكاسات إيجابية على الناتج المحلى وزيادة الصادرات المصرية والمساهمة في تعظيم العائدات الدولارية والتأثير الإيجابى على الاقتصاد المصرى.

علاوة على الحد من تأثير الارتفاع  الحالي في أسعار البترول العالمية ، وذلك باهتمام بالغ ومتابعة فورية من الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، الأمر االذى أدى إلى زيادة معدلات الإنتاج من الغاز وتشغيل محطات الإسالة وتصدير الغاز المصرية بكامل طاقتها بعد النجاح في استئناف العمل بمصنع دمياط واعادته للتشغيل مما أدى الى ارتفاع حجم الصادرات من الغاز الطبيعى والاستثمار الكفء للمتغيرات الحالية في السوق الفورية من قفزات في الأسعار، وقد تم خلال عام 2021 تشغيل 5 خطوط لتدعيم الشبكة القومية لنقل الغاز الطبيعى بإجمالى أطوال حوالى 185 كم وإجمالى تكلفة حوالى 3 مليار جنيه، ليؤكد النتائج المتميزة فى تحقيق رؤية تحويل مصر إلى مركز إقليمى لتجارة وتداول الغاز والبترول وفق خطوات مدروسة منفتحة على التجارب العالمية.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 

 
 
 
 
 

مشاركة