سامح فواز
سامح فواز


سامح فواز يكتب: نيران الحرب العالمية الثالثة تذيب جليد الحرب الباردة

سامح فواز

الثلاثاء، 01 مارس 2022 - 10:01 م

قال يوم ألبرت إينشتاين «لا أعلم بأي سلاح سيحارب البشر بعضهم في الحرب العالمية الثالثة، لكني متأكد أن سلاح الحرب العالمية الرابعة سيكون بالعصي والحجارة».

بغض النظر عن الكيفية التي ستنتهي بها الحرب الروسية على أوكرانيا، فإن هذه الحدث سيمثل بالفعل نقطة تحول في تاريخ العالم، لأنه بمسابة نهاية «شهر عسل» امتد لفترة 30 عامًا من السلام النسبي في أوروبا، والعودة إلى العداء بين المعسكرين الغربي والشرقي، لتبدأ النسخة الجديدة من الحرب الباردة.

ففي منتصف القرن الماضي قسمت الحرب الباردة الأولى، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1947 حتى عام 1991 بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، العالم بين معسكران يتصارعان على الهيمنة الدولية، وخلال تلك الفترة الزمنية وصلت الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي إلى مراحل متقدمة جدا من الصراع، ليقفا علي شفا حرب نووية ثلاث مرات على الأقل، أشهرها كانت متمثلة في أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، ثم تفاوضت على سلسلة من الاتفاقات للحد من مخاطر الصراع. 

لكن في نهاية المطاف، انهار الإتحاد السوفيتي، إلا أنه بعد ثلاثة عقود، قد يبدو ألبوم صور تلك الفترة غير مريح، فالعيش مع كل هذا الكم من المشاهد خلال الحرب الباردة، مع الملاجئ والتدريبات على الهجوم النووي، لم يكن مريحًا على الإطلاق للعالم كله. 

أما اليوم فقد اختلفت الخريطة السياسية.. روسيا أصغر وأضعف من الإتحاد السوفيتي وحلف الناتو، التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، أصبح أكبر وضم دول أكثر وصلت إلى 27 دولة، لكن هذا لا يعني أن النتيجة متوقعة!

فقد حذر العديد من مؤرخي الحرب الباردة من أن الوضع الحالي يعد «وضع جديد»، وأن هذه ليست حربا باردة، فهذه حرب ساخنة، وتشارك فيها بشكل مباشر إحدى القوى العظمى، رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بسرعة بتجميع نسخة محدثة من إستراتيجية الحرب الباردة المتمثلة في «الاحتواء» وهي تدابير مضادة لردع موسكو عن المزيد من العدوان.

لذلك قامت الكتلة الغربية على الفور بفرض عقوبات اقتصادية لمعاقبة بوتين وكل من حوله، ونشروا قوات لدعم بولندا ودول الناتو الأخرى على الحدود الغربية لروسيا، وزادوا المساعدات العسكرية لأوكرانيا، إلا أنه ليس من الواضح مدى فعالية هذه الإجراءات، وقد تؤدي جميعها إلى انتقام بوتين.

ولرفع سقف معاناة موسكو، منعت الولايات المتحدة وحلفاؤها معظم البنوك الروسية من ممارسة الأعمال التجارية في الغرب، وفرضت قيودًا جديدة على مبيعات التكنولوجيا، وهو نفس ما حدث خلال الحرب الباردة الأولي تماما، فإن الغرب كان عرضة للانتقام الاقتصادي الروسي.

في الوقت الحالي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمتلك الكثير من كروت اللعبة، فبإمكان موسكو أن تخفض صادراتها من الغاز الطبيعي، الذي يعد أحد المصادر الرئيسية لوقود التدفئة في أوروبا، وأيضا يمكنها شن هجمات إلكترونية على الولايات المتحدة وأماكن أخرى.

إلا أنه من المرجح أيضا أن تثير التعزيزات العسكرية لحلف الناتو غضب الدب الروسي، حيث تعتبر إحدى شكواه الرئيسية بشأن الطريقة التي انتهت بها الحرب الباردة الأولى هي أنها سمحت لحلف الناتو بإضافة 14 دولة في النهاية اعتبرها الاتحاد السوفيتي جزءًا من منطقته الإستراتيجية العازلة.

يمكن أن تكون المساعدة الغربية للقوات الأوكرانية حافزًا أيضًا، سواء كانت مساعدة علنية للحكومة الأوكرانية أو مساعدة سرية لمقاتلي المقاومة، كما أن هذا الدعم الذي يقوم به المعسكر الغربي لا يأتي بدون مخاطر، إذا كانت الأسلحة تأتي من بولندا، فهل هذا يعني أن الروس سيبدؤون في اللعب علي الملعب البولندي قريبا ؟ إذا كان القيصر الروسي متهورًا بما يكفي للذهاب إلى أوكرانيا، فقد يكون متهورًا بما يكفي لاختبار الناتو.

لذلك كانت التصريحات الأمريكية دائما مشوبة بالقلق من السلوك الروسي، ومنها على لسان المساعد السابق لمجلس الأمن القومي في إدارة أوباما، تشارلز كوبشان خلال لقاء تليفزيوني، أن «سلوك بوتين المتهور لا يترك للولايات المتحدة وحلفائها أي خيار سوى زيادة الدفاعات على الجانب الشرقي لحلف الناتو، ألا إن الروس لن يعجبهم ذلك وسوف يردون بالمثل».

بالفعل ألمح بوتين، خلال خطابه الأسبوع الماضي الذي أعلن فيه الغزو على أوكرانيا، إلى أنه يحتفظ بالحق في استخدام الأسلحة النووية إذا شعر بالتهديد من قبل قوى أجنبية، وهو تصعيد مذهل للخطاب.

والمتابع للأحداث المتتالية في العالم، يجب عليه عدم إغفال لاعب جديد في هذه النسخة من الحرب الباردة، حيث يعد هذا العنصر وارد جديد على خريطة السياسة العالمية بقوة، وهو التنين الصيني، فخلال أحداث الحرب الباردة في القرن العشرين، كانت الصين دولة فقيرة، ولاعبًا ثانويًا نسبيًا اقتصاديًا وعسكريًا، إلا أن التنين الصيني في القرن 21 يعتبر قوة اقتصادية عظمى وأهم حليف للدب الروسي. 

ويؤكد خبراء التاريخ السياسي انه قبل خمسين عامًا، نجح الرئيس ريتشارد نيكسون في إقناع الصين بإبعادها عن تحالفها مع الاتحاد السوفيتي، ويري المتخصصون إنه يتحتم على الرئيس الأمريكي جو بايدن أن يحاول أن يفعل الشيء نفسه الآن لمحاولة ضمان اي نجاحات سواء علي المدي البعيد او القصير.

وقد عانى العالم من الحرب العالمية الباردة التي استمرت قرابة نصف قرن، حيث كانت باهظة الثمن ومؤلمة، قُتل خلالها ملايين الأشخاص في حروب بالوكالة في كوريا وفيتنام وأفغانستان وأماكن أخرى، لكن الخصوم تجنبوا الحرب العالمية الثالثة، حتى في الوقت الذي يعمل فيه المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة ضد بوتين، فإنه بحاجة إلى الدبلوماسية أيضًا لتقليل المخاطر فهذه الحرب الباردة التي ستكون أكثر تكلفة من الأولى، وقد تكون نذير حرب عالمية ثالثة "نووية".
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة