مواطنون اوكرانيون ومقيمون أجانب ينتظرون حافلة تمهيدا لنزوحهم
مواطنون اوكرانيون ومقيمون أجانب ينتظرون حافلة تمهيدا لنزوحهم


«نهاية التاريخ» وعودة جدار برلين

محمد عبدالفتاح

الخميس، 03 مارس 2022 - 07:01 م

33 عاماً مضت على انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتى، ومنذ ذلك الحين أصبح ماركس والشيوعية والشيوعيون فى عداد الأموات، وكان شخص واحد فقط قد توقع كل هذا قبل حدوثه.

البروفيسور الأمريكى فرانسيس فوكوياما، فى مقال بعنوان «نهاية التاريخ»، نشرته «النيويورك تايمز» فى الأول من يونيو عام 1989، أى قبل سقوط الجدار بخمسة أشهر و9 أيام، تنبأ بعالم القطب الأوحد، وكوكب يتوجه نحو اقتصاد حر وديمقراطية ليبرالية، ونمط حياة أقرب للرفاهية الدنماركية.

غير أن تلك العولمة ذات السعادة الزائفة، لم يكن لها وجود كما تمناها الغربيون، فالرئيس الروسى فلاديمير بوتين يحرمهم من نوم مريح، وأصر على شن حرب باردة وأخرى تقليدية تمنع واشنطن وحلفاءها من الشعور بأنهم وحدهم أصحاب الحق فى التحكم بمصير العالم، حيث تحدت موسكو الغطرسة الأمريكية مرة فى جورجيا عام 2008 وفى سوريا عام 2015، ومرات فى أوكرانيا عامى 2014 و2022، إذ حالت بين واشنطن والإطاحة ببشارالأسد، وأفسدت خططها للهيمنة فى فنائها الخلفى.

وليس هذا كل شىء، فالأموال الطائلة التى تنفقها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، من أجل نشر قيم الحرية والديمقراطية، أدت وبفشل منقطع النظير لظهور فاشية أصولية داعشية لا تتوقف عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وعن إسالة الدم أنهاراً، فالعراق غارق فى صراع الطائفية، وسوريا تلملم أشلاء 500 ألف قتيل، وليبيا تعانى إرهاب الميليشيات بعدما تحولت لصومال كبير.

أما اليمن فعدد البنادق فيه يفوق عدد السكان، والدولة أصبحت دويلات، ثم كانت الطامة الكبرى بعودة الحرب ومشاهد اللاجئين ذوى البشرة البيضاء والشعر الأصفر إلى أوروبا مرة أخرى منذ أن ظن الجميع أن ذلك بات شيئًا من الماضى بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها فى عام 1945.

فرانسيس فوكوياما، ذو الأصول اليابانية، يعود من وقت لآخر إلى نبوءته، وهو ما فعله مؤخراً فى مقال بجريدة «وول ستريت جورنال»، استنادًا إلى بحث من 658 صفحة، يحمل توقيعه ونشره معهد بروكينجز للدراسات السياسية، بعنوان «النظام والانحطاط السياسى.. من الثورة الصناعية إلى العولمة الديمقراطية».

ويخلص فوكوياما إلى أن المشكلة ليست فقط فى أن كثيرًا من الأنظمة القمعية، على غرار نظام فلاديمير بوتين من وجهة نظره، ما زالت تحكم، ولكن المشكلة الأكبر أن أنظمة ديمقراطية تمارس السياسة بكثير من الانحطاط، وهو ما يحدث فى الولايات المتحدة نفسها، وكانت آخر انتخابات تجديد نصفى للكونجرس شاهدة عليه، وهو ما أشارت إليه صحيفة نيويورك تايمز بالقول: «المال أولًا وقبل كل شىء، فالأموال كانت حاضرة فى كل مكان، أموال طائلة هائلة، لا تنتهى ولا تتآكل أبداً. لكم أن تعلموا أيها السادة أن تلك الحملة كانت الأغلى فى تاريخ انتخابات التجديد النصفى للكونجرس.

4 مليارات دولار تم إنفاقها فى تبادل الشتائم ودعاية أقرب للدعارة»، أما داريل ويست، أستاذ العلوم السياسية بمعهد بروكينجز للدراسات، فعلق قائلًا: «المليارات هى التى تصنع السياسة فى الولايات المتحدة، يحدث ذلك بشكل لا يتخيله أحد».

أما فوكوياما نفسه فعلق على ذلك بالقول: «تركز الثروة فى أيدى عدد قليل من المواطنين الأمريكيين، منح أصحاب العقول التافهة مكاناً لا يستحقونه فى الحياة السياسية».

باختصار فإن انهيار سور برلين لا يعنى انتهاء الاستبداد ومعه الشمولية، فُرُب أنظمة سياسية ترتدى قناع الحريات والديمقراطية، ولكنها تمارس السياسة فى أحط صورها، وهو ما يعنى أن نبوءة فوكوياما، لم تكن صحيحة، وأن ما نعيشه حاليًا ليس «نهاية التاريخ» التى توقعها، بل هو «نهاية نهاية التاريخ»، وجدار برلين يُبعث فى أوكرانيا من جديد.

اقرأ أيضاً | بوتين: أوكرانيا أكثر دولة حصلت على مساعدات من روسيا

 

 


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة