يسرى الفخرانى
يسرى الفخرانى


فنجان قهوة

وَنس شِيش موارب

أخبار اليوم

الجمعة، 04 مارس 2022 - 08:33 م

كانت متعتى أن أجعل من شيش شِباك غرفتى الموارب لُعبة ينفذ منه الضوء إلى السقف كلما مرت سيارة فى الشارع، فأبدأ أحيانًا فى عَدّ كم سيارة فى الدقيقة ؟ ثم أتسلى بتحدى معرفة نوع السيارة من تكوين صورتها المعكوسة على السقف!


 ظلت لعبتى المفضلة وأنا مُستلق  يقظ على سريرى الصغير .. حتى جاء يوم استبدلوا شيش غرفتى الخشب الأخضر الذى كان يحتفظ بشنكل نحاس فخم أحب طلته من ضلفة الشيش، وضعوا لى شباكا ألومنيوم أبيض!


 من شبابيك الألومنيوم الباردة طلت لحظة تغيير بيوتنا إلى الأبد، طوى الزمن هذه التفاصيل التى كانت تمنح البيت حبا استثنائيا وتجعله مخبأ دافئا بعيدا عن مشاعر باردة خارجة..

كان هذا هو التنازل الأول ثم توالت التنازلات، تنازل عن معنى قيم ثمين مثل شيش النوافذ والبلكونات حراس البيوت الغارقة فى الأمان، شهود على حوائط تضم براويز الكنفاه والسيرما ولوحات الزيت الغامقة الموحية بالشجن وصورنا العائلية.. الخشب الملون حين غادر نوافذنا غادرتنا النظرة المسلية للشوارع من وراء الشيش الموارب، غادرتنا نسمة الهواء بعد العصارى وأصص الورد والنعناع التى كانت على الحافة..

حتى صوت الشتاء كان له إيقاع مختلف على شيش الخشب يُغريك بالبقاء بالقرب من النافذة تشرب كاكاوا ساخنا بالحليب وكأنك تمتلك الحياة.. كان صنايعية الشيش ملوك الأناقة، صنعتهم يُشار لها من بعيد تعبيرا عن دقة الصنعة وجمال ما صنعوا، وكان ضوء القمر المتسلسل إلى بيوتنا من وراء الشيش حالة من صفاء النفس لا توصف . 


 بارع الشيش فى ضبط الإضاءة بحس وذكاء، مضفيا على كل التفاصيل حالة مبهجة ومنظر جميل ودفء عميق..

استبدلنا الذى هو أرقى بالذى هو أدنى، المشهد البديع للستارة المزركشة بالورود وهى ترقص من الهواء خلف الشيش الموارب كانت تحمل معانى مفرحة، تمهد طريق الاستراحة بعيدا عن الصخب.. خلف الشيش اختباءت آلاف من الوجوه، كان ضلها يصنع خيالات لذيذة لقصص حب عظيمة، وكانت بنت الجيران المختفية خلف الشيش نبعا لطيفا لميلاد حكايات غرام بها. .

ظل الشيش حاجبا يزيد الأشياء جمالا..

الشمس والقمر والنجوم وأصيص الزهرة الهاربة فى نهار الشتاء، ظل ونس الغرف فيأتيك بصوت أم كلثوم من بعيد، برعشة زهر طاولة لم يستقر بعد على جانب أخير، بضحكة طفل ونسمة منتصف الليل فى الصيف الساكن..

سُرقت خيالاتنا العظيمة من هذا البراح الذى كان يصنعه قَفلة شيش خشب قبل أن نغوص فى أحلامنا السعيدة .

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة