زيلينسكى وبوتين
القيـصــــر والكوميديان «بوتين وزيلينسكى»
السبت، 05 مارس 2022 - 02:08 م
خالد حمزة
بوتين يصف السياسيون الرئيس الروسى، بأنه قيصر روسيا الجديد، فقد حقق مجده الشخصى بعد جمع طرفى النقيض «الجيش والاستخبارات» ومن جهة ثانية الكنيسة، وأعاد أمجاد الجنود القوزاق، وهم جنود القيصر الروسى من الفلاحين، الذين يأتمرون بأوامر الكنيسة.
ويُعد بوتين الذى خلف بوريس يلتسن، الذى انتُخب ١٩٩٩، أحد أشهر حكام روسيا والاتحاد السوفيتى بعد ستالين، الذى انتصر فى الحرب العالمية الثانية على النازية، وميخائيل جورباتشوف الذى خاض الحرب الباردة مع أمريكا. وبوتين الضابط فى الاستخبارات، والحاصل على شهادة الدكتوراه فى العلوم الاقتصادية فى 2014، جعل من روسيا اليوم ليست روسيا الأمس، التى كانت تعانى الضعف والانكسار أمام الهيمنة الأمريكية.
روسيا اليوم، ترث عملياً وشرعياً الاتحاد السوفيتى، مع فارق جوهرى أن الاتحاد السوفيتى قام على الأيديولوجيا، وروسيا العظمى تخففت من الأفكار والعقائد، وصارت أكثر مرونة وبراجماتية، مما ينذر بأن القرن الحادى والعشرين، هو قرن قيام الاتحاد الروسى على يد القيصر فلاديمير بوتين.
تولى بوتين السلطة منذ 2000، حيث شغل منصب الرئيس ومنصب رئيس الوزراء، وصار الآن أطول زعيم روسى بقاء فى الحكم، منذ الديكتاتور السوفيتى جوزيف ستالين، وكان بوتين يعمل فى وكالة الاستخبارات السوفيتية، قبل الصعود السريع لنجمه، فى خضم فوضى انهيار الاتحاد السوفيتى، وكان قد بدأ مساره السياسى فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى، وفى 1997 دخل الكرملين كمدير لوكالة الأمن الفيدرالية، وسرعان ما عُيِّن رئيسًا للوزراء، وفى ليلة رأس السنة 1999، تنحى الرئيس الروسى السابق بوريس يلتسين عن منصبه، وعيّن بوتين رئيسًا بالإنابة، ومكث بوتين فى السلطة منذ ذلك الحين، وإن كان قد اضطر إلى شغل منصب رئيس الوزراء بين عامى 2008 و2012، حيث كان ممنوعًا بموجب الدستور الروسى، من تولى فترة رئاسية ثالثة، وعاد بوتين إلى الحكم من خلال الفوز فى انتخابات 2012، بأكثر من 66% من الأصوات.
أعاد بوتين العروض العسكرية التى تتسم بـاالأبهةب كتلك التى كانت تتم خلال الحقبة السوفيتية، كما بدأت صور ستالين فى الظهور مرة أخرى، بعد أن كانت محظورة، حتى اللقاح المضاد لكورونا الذى أنتجته روسيا، أطلق عليه اسم اسبوتنيك فىب، تيمنا بالقمر الصناعى السوفيتى سبوتنيك، الذى كان أول قمر صناعى فى العالم 1957.
وصف بوتين انهيار الاتحاد السوفيتى، بأنه أكبر كارثة خلال القرن العشرين، ومنذ 1997 انتقد مرارا توسع الناتو نحو الحدود الروسية، وكانت برودة العلاقات بين الطرفين، تشبه تلك التى اتسمت بها خلال الحرب الباردة، باستثناء العلاقات بين واشنطن وموسكو خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، الذى أعرب علنا عن إعجابه بنظيره الروسى.
وبالمقابل، لم يخفِ بوتين وجهه الآخر عن العالم، فهو الرياضى الذى يهوى قيادة السيارات والسباحة والألعاب الخطرة، وهو لاعب محترف للجودو، لكن وسائل الإعلام الروسية ألقت الضوء كذلك على الجانب الأكثر رقة لبوتين، حيث عرضت مقاطع مصورة له، وهو يحتضن كلابه ويساعد فى رعاية نمور الآمور المعرضة لخطر الانقراض، وأحرز بوتين نقاطا سياسية لنجاحه فى الحفاظ على الاستقرار النسبى لروسيا، فى أعقاب الفوضى التى تلت انهيار الشيوعية، وفضلا عن استعادته الشعور بالكرامة الوطنية، الذى بات سائدا فى بلاده، سمح بوتين للطبقة الوسطى بالازدهار.
ولدى بوتين مقولة راسخة فهو يقول: اقبل خمسين عاما، علمتنى شوارع ليننجراد أنه إذا لم يكن من المعركة بد، فعليك أن تسدد الضربة الأولىب، ويبدو أن ذلك ما طبقه فعليا على الأرض، فى تدخلاته العسكرية السابقة فى الشيشان وجورجيا، واستيلائه على شبه جزيرة القرم، ومغامرته الأخيرة فى أوكرانيا.. بوتين، يؤكد دائمًا أنه يضع أمن روسيا القومى كخط أحمر، لا يجب بأى حال تجاوزه، ويطلق تهديداته الحقيقية، مدعومة بقوة عسكرية رادعة، ودعم إقليمى غير معلن من أصدقائه الصينيين، وليس مجرد دخان فى الهواء، أو بالونات اختبار بل أقوال تسبق الأفعال، وإن عدتم عدنا.
زيلينسكى النجم التليفزيونى السابق البالغ من العمر 44 عامًا، حديث على عالم السياسة، تم انتخابه رئيسا لأوكرانيا فى 2019، حيث بدأت مغامرة زيلينسكى السياسية بما يشبه المزحة مساء 31 ديسمبر 2018 مع الإعلان المتلفز عن ترشحه للانتخابات الرئاسية، وكانت أوكرانيا فى مواجهة مع روسيا منذ 2014 وتشهد حربا فى الشرق، واستخدم زيلينسكى شبكات التواصل الاجتماعى على نطاق واسع، وتفاعل مباشرة مع المواطنين خلال البرامج التليفزيونية، وكذلك استخدم مقاطع فيديو قصيرة للترويج لنفسه، وواجه صاحب الـ«44 عامًا» بوروشنكو «53 عامًا»، لكن أيًا منهما لم يستطع حسم المنصب من أول جولة، ليلتقيا فى جولة إعادة شهدت اكتساحا للممثل الكوميدى.
الرئيس الأوكرانى زيلينسكى قصته تختلف تماماً عن بوتين، فقد كان أول ما انتشر على وسائل التواصل الاجتماعى مع بداية الأزمة الروسية الأوكرانية، مقطع فيديو قديم من مسلسل اخادم الشعبب، يتضمن مشهدا تمثيليا يؤدى فيه الكوميديان فولوديمير زيلينسكى دور أستاذ تاريخ، يصبح رئيس جمهورية قبل أن يفاجأ بفرار شعبه، بعد أن ينزل إلى الشوارع ويجدها فارغة، دور تحوّل إلى حقيقة فى الأيام الماضية، التى شهدت نزوحاً لعدد كبير من المواطنين خوفا من الغزو الروسى، أحداث كوميدية حولتها الشخصيات إلى مشاهد بثها التلفزيون الأوكرانى، وتابعها المواطنون بفضول وتشويق، ولم يكن ليدور ببال أحدهم - ولا حتى زيلينسكى نفسه - أن المسلسل يكتب قسما واسعا من مستقبلهم ومستقبل أوكرانيا.
التردد لم يظهر عليه أبدًا فى الأشهر الأخيرة، حتى مع تحذير واشنطن بشكل متزايد، من أن حربًا اوشيكةب، يمكن أن تندلع دون سابق إنذار، وقال فى يناير فى خطاب وجهه إلى مواطنيه البالغ عددهم 40 مليونا: اماذا يتوجّب علينا أن نفعل؟ شىء واحد فقط أن نبقى هادئينب.. سنحتفل بعيد الفصح فى أبريل، ثم فى مايو كالمعتاد، سنستمتع بالشمس والعطلة وحفلات الشواءب، ثم أعلن يوم 16 فبراير، اليوم الذى حدده بعض المسئولين الأمريكيين، كبداية محتملة للغزو الروسى، عطلة وطنية باسم ايوم الوحدةب يخرج خلاله المواطنون بالأعلام والبالونات.
جاء زيلينسكى من االدار إلى النارب فالرجل لم يسبق له العمل فى المجال السياسى، ورغم أنه حصل على شهادة فى القانون من جامعة كييف الوطنية للاقتصاد، إلا أنه لم يعمل فى المحاماة قط، لكن بعض الأوكرانيين استعدوا للأسوأ، فقد فاجأه بوتين بهدية فوز من نوع خاص، حين أعلن منح جوازات سفر روسية للمواطنين الأوكرانيين، فى المناطق التى يسيطر عليها الانفصاليون، استعمل زيلينسكى سلاحه الذى يجيده وهو السخرية، لكنه لم يكتفِ بالتهكم على بوتين، بل رد عليه عبر حسابه على فيسبوك، مقررا منح الجنسية الأوكرانية للروس وغيرهم، ممن قال إنهم ايعانون من أنظمة استبدادية أو فاسدة.
وبدا ظهور زيلينسكى فى وسائل الإعلام مع قادة العالم الآخرين مصطنعًا، وقال البعض إن شركاءنا الدوليين، يواجهون صعوبة فى التعامل معه، إنه ليس بمستواهم، لكن بعض الدبلوماسيين الغربيين كانوا مأخوذين بسحره، وشبّهه آخرون بسياسيين مشاهير كالإيطالى سيلفيو برلسكونى، والرئيس الأمريكى دونالد ترمب، ولكنه يشغل وظيفة مستحيلة، إنه عالق بين ضغوط الروس والأمريكيين.
المواجهة الحالية مع موسكو، شكلت نقطة تحول فى رئاسة زيلينسكى، ففى 2019 تعهد بفتح قنوات اتصال مع بوتين، وعقد الزعيمان قمة فى باريس بعد أشهر قليلة من انتخاب زيلينسكى، وأشاد بها بوتين ووصفها بأنها اخطوة مهمةب، لكن زيلينسكى كان له رأى مختلف، إذ صرّح انظرائى إنها نتيجة جيدة جدا لاجتماع أول، لكننى سأكون صادقا، إنها نتيجة متدنيةب، ومنذ ذلك الحين تشهد العلاقات بين الرئيسين تدهورا مستمرا، واتّهم بوتين حكومة زيلينسكى ابالتمييزب ضد الناطقين بالروسية، والتخلى عن الوعود السابقة لتسوية الصراع فى الشرق.
زيلينسكى، أراد مواصلة لعب دور الممثل الذى يبدو أنه تمرّد على المخرج، ليتحول بالفعل إلى اخادم للشعبب، يتحدى بوتين بالمزيد، وحتى اليوم لم ينتهِ مسلسل اخادم الشعبب ولا يريد له زيلينسكى أن ينتهى بخاتمة تشبه نسخته التلفزيونية، ولو خسر فستتحول مغامرته لكوميديا سوداء.