منصورة عز الدين تكتب : الادب علي هامش الحرب
منصورة عز الدين تكتب : الادب علي هامش الحرب


منصورة عز الدين تكتب : الادب علي هامش الحرب

أخبار الأدب

السبت، 05 مارس 2022 - 02:51 م

فى مذكراته المعنونة بـ«تقشير البصلة» حكى الروائى الألمانى جونتر جراس بأسى عن أن قراءته لرواية إريش ماريا ريمارك «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» وتأثره بها لم يمنعاه من الحلم بالمشاركة فى الحرب كجندي؛ الحرب التى تُحوِّل الجنود إلى قتلة وفقاً لريمارك.

كتب جراس أن الرواية وكاتبها ظلا يذكرانه بمدى ضآلة تأثير الأدب، لكن مواضع أخرى فى المذكرات - التى ترجمها للعربية عدنان حسن ونشرتها دار دال – تخبرنا كيف لعبت قراءات جراس الطفل ثم الشاب دورًا جوهريًا فى أن يصير الإنسان الذى كانه والكاتب الذى عرفناه.

لكن هل تأثير الأدب ضئيل بالفعل؟! وهل من الحكمة أن نتوقع منه أن يمنع الحروب والظلم على أرض الواقع؟! ألّا نحمِّله فى هذه الحالة ما يفوق قدرته؟!
كل قارئ متمرِّس يعرف كيف صاغته قراءاته وكيف هذبته وصقلت شخصيته، غير أن تأثير الأدب مركب والنفس الإنسانية أكثر تعقيدًا من النتائج الحسابية المباشرة، فكم من مشعلى حروب جمعوا بين العنف وبين الشغف بالأدب أو الموسيقى أو الرسم! هتلر نفسه كان فنانًا تشكيليًا فى شبابه!.

وكم من كُتَّاب كتبوا أعمالًا خالدة مفعمة بالقيم الإنسانية فى وقت كانوا فيه شخصيات مدمرة لمن حولهم! 
بل إن الأدب فى مراحل ما، خاصةً قديمًا، تداخل مع الحرب ومجد بطولات من شاركوا فيها، ولا يفوتنا هنا تذكُّر أن واحدة من أهم الملاحم القديمة؛ وأقصد بها الإلياذة تمحورت حول الحرب، وعربيًا نجد أن الشعر العربى القديم والسير الشعبية العربية حافلان بما يمجد البطولات الحربية ومهارات القتال، حتى وإن وجدنا هنا أو هناك ما يشير إلى الوعى بكون الحرب مهلكة.

وفى العصور الحديثة، مع ازدياد الوعى بحقوق الإنسان وتزايد تقدير قيم السلام والعيش المشترك، واكتواء البشرية بنيران حروب غير مسبوقة فى قدراتها التدميرية، غلبت الإدانة التهليل والتباهي، وتضاعف حضور النبرة الاعتذارية فى حالة الانشغال بأى شيء فى أوقات المآسي: «يا له من زمن، يكاد الحديث فيه عن الأشجار يكون جريمة، لأن الصمت يطوق جرائم لا تحصى».

هكذا كتب برتولت بريخت فى قصيدته «إلى الذين سيولدون بعدنا» (ترجمة: قيس الزيدي)، أما فيسوافا شمبوريسكا، فكتبت: «اغفرى لي، أيتها الحروب البعيدة، لأننى أحمل الزهور إلى البيت» (ترجمة: هاتف الجنابي).

وهى هنا تتماهى مع قصيدة بريشت وزمنه القاتم وإن بكلمات أقل درامية؛ فإن كان الحديث عن الأشجار فى زمن المآسى جريمة، فإن حمل الزهور إلى البيت خطيئة تتطلب الغفران من الحروب البعيدة وضحاياها.

والآن، ونحن نشهد بدايات حرب، لا يعلم إلا الله المدى الذى ستتوقف عنده، هل من حقنا الانشغال بالتفكير فى دور الأدب ودرجة تأثيره فى زمن العنف؟ أم علينا طلب الغفران من الحروب البعيدة لانشغالنا بأى شيء سواها؟.

اقرأ ايضا | فى مذكراته المعنونة بـ «تقشير البصلة» حكى الروائى الألمانى جونتر جراس بأسى عن أن قراءته لرواية إريش ماريا ريمارك.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة