عبدالمعطى وســــــــط أدوات تزييف العمــــــلات
عبدالمعطى وســــــــط أدوات تزييف العمــــــلات


«ضارب» الملايين لا يملك ثمن سيجارة!

كنوز الأميرة| اعترافات أخطر مزيف نقود فى مصر

آخر ساعة

السبت، 05 مارس 2022 - 04:36 م

 

أحمد الجمَّال

قبل نحو 52 عامًا، سقط أخطر مجرم متخصص فى تزييف العملات بقبضة الشرطة، وانفردت «آخرساعة» بإجراء تحقيق عن الواقعة متضمنًا حديثًا مع مزيف النقود أجراه الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ فاروق عبد السلام (رحمه الله)، قصة صانع الملايين المزيفة نتعرف عليها من خلال إعادة نشر الحكاية كما وردت فى صفحات المجلة عام 1970، ولكن باختزال وتكثيف:
 

أنا ببساطة شديدة عبدالمعطى حسين على، اسم الشهرة حسنى، صانع الملايين من الجنيهات المزيفة، وبلغة القانون مجرم متخصص فى تزوير العُملة، وبلغة المباحث «مخربش» صاحب سوابق ومطلوب البحث عنى كلما ظهرت عملة مزيفة فى البلد حتى لو لم أكن أنا صانعها، وبلغة الأسرة: أب مرفوض من أبنائه السبعة، وبلغة النساء: فتى الأحلام، فكثيرات منهن مبهورات بحياتى ومغامراتى.. وفى النهاية بعد كل هذه التسميات أنا إنسان لى من القيم والمُثل والأخلاق ما أضارع بها أى إنسان شريف لا جرائم له ولا سوابق مرصوصة فى صحيفته الجنائية، لى تطلعاتى وآمالى وآلامى الخاصة.


بهذه الكلمات بدأ عبدالمعطى حسين على، حديثه معى عن ملايينه المزيفة، وعبدالمعطى بالفعل ظاهرة جديرة بالدراسة والتأمل.. وفى بداية الحديث معه شدنى إليه، فهو دائمًا يحاول أن يكسب كل شيء حتى مَنْ يحدثه.. تارة عن طريق الإثارة، وأخرى باستدرار العطف عليه، فقال لى إنه ضحية فى نشأته وظروفه وحظه التعس، وأخذ يقص علىّ ظروفه الملعونة وأنا أنصت إليه.


البحث عن المزيف


وقبل أن أدخل فى حياة أشهر مزيف فى القاهرة سأروى لكم جانبًا من قصة التزييف فى مصر.. إن تاريخ التزييف فى مصر خلال السنوات العشر الأخيرة يرتبط تمامًا بحياة عبدالمعطى حسين على، فمنذ عام 1953 حتى عام 1965 ضُبِط فى 15 قضية.
ويتحدث معى الرائد عبدالمنعم الصيرفى، مفتش وحدة جرائم النقد بمديرية أمن القاهرة، ويقول: خلال الشهر الماضى عقد وزير الداخلية شعراوى جمعة اجتماعًا بالوزارة بعد ظهور العملة المزيفة بالقاهرة ثم بالقليوبية والإسكندرية والصعيد، وكان اجتماع الوزير بالعقيد محمد عبدالمقصود، المفتش بالوزارة والمقدم على وهبة رئيس قسم التزييف، وأظهر الوزير استياءه من ظهور العملة بالبلاد على هذا المستوى.


وقال الرائد الصيرفى فى الاجتماع: إن عبدالمعطى حسين وراء هذه العملة المزيفة، وتم وضعه تحت المراقبة غير المحسوسة وتجنيد كافة المصادر حوله. وجاءت التحريات تقول إن مروِّج العملة المزيفة هو «جابر الخطيب»، وتم القبض عليه ولكن من هو المصدر؟ وكان الجواب فى وحدة جرائم النقد بمديرية الأمن.. إنه عبدالمعطى حسين. وفعلًا اعترف جابر الخطيب أثناء القبض عليه بأنه استلم هذه العملة من عبدالمعطى فألقينا القبض عليه.


ويلتقط الرائد فاروق الخميسى بوحدة جرائم النقد خيط الحديث فيقول: ظهرت فى السوق منذ عام ورقة فئة المائة دولار مزيفة، ثم ظهرت ورقة فئة العشرة جنيهات المصرية المزيفة، فقمنا بضبط عشر عصابات هذا العام كانت تروِّج هذه العملة، ووصلت إلينا معلومات سرية تقول: إن العشرة جنيهات منتشرة فى قرية التبين بالجيزة، فسافرت إلى هناك فأرشدنى بقَّال لبداية الخيط، وقال إن مروّج العملة اسمه فؤاد أبوعلى صاحب محل كشرى وتاجر طوب بروض الفرج، فوضعناه تحت المراقبة، واتضح أن فؤاد له علاقة بالمعلم يوسف عبدالرحيم على تاجر فاكهة بسوق الخضار.


أفلام للعملة المزيفة
وبحثنـــا عـــن عـــــلاقة هـــذا الثنــائى بعبدالمعطى حســـين، فاتضـــح أنـــه ســبق اعتقال الثـــلاثة نظرًا لخطـــورة الثنائى عـــلى الأمــن العام لاتجارهما بالمخدرات ولخطورة عبدالمعطى فى التزييف، وكان الثلاثة موجودين فى عنبر واحد بالمعتقل. فتم ضبط عبدالمعطى ولم يعترف بأى شىء، وقام الرائد فاروق الخميسى بضبط المعلم يوسف فى منزله وبتفتيش المنزل عُثِر على 70 ألف دولار مزورة من فئة المائة دولار، وأفلام مصوَّرة للعشرة جنيهات والجنيه المصرى والعشرة جنيهات الاسترلينى والعشرة دينار الكويتى.
وأرشد المعلم يوسف المباحث عن المنزل الذى توجد فيه آلات الطبع والتزييف، وقادهم للمنزل رقم 125 شارع مصر والسودان بحدائق القبة، وفى الدور الثالث كان عبدالمعطى قد استأجر شقة فيه استأجرها له محمد صالح البنان ويعمل ترزيًا بالممر السياحى بشارع عدلى ليقوم بطبع النقود المزيفة.
وعندما أدرك عبدالمعطى أن كل شىء اتضح تمامًا اعترف بأن المعلم يوسف والمعلم فؤاد هما الممولان له فى شراء آلات الطباعة وأدوات التزييف كاملة واشترك معه محمد صالح البنان لترويج الدولارات نظرًا لتواجده فى منطقة سياحية.. وفى الشقة عثر على نصف مليون عملة مصرية مقلدة من فئة العشرة جنيهات.


الزنكوغراف
والآن نعود لحكاية عبدالمعطى، كما يرويها بلسانه: التحقت بمعهد ليوناردو دافنشى الإيطالى بالقاهرة، وأثناء الدراسة تفوقت فى علوم الكهرباء ونجحت بتفوق فأرسلنى المعهد فى بعثة دراسية لإكمال تعليمى بإيطاليا، وهناك مكثت ثلاث سنوات ونصف السنة، وحالت الأقدار دون عودتى بشهادتى بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وروما أثناء الحرب.. وفى تلك الفترة عملت مع بعض الأجانب فى ورشة زنكوغراف ولمسوا مهارتى، وكنت أحلم بتحقيق آمالى بفتح ورشة صغيرة، ولكنها لم تكبر فقد حاربنى الذين كنت أعمل معهم.. وكانت النهاية بيع ورشتى فى المزاد.


ثم التحقت بالعمل فى المصانع الحربية وتدرجت فى العمل حتى أصبحت خبيرًا فى المفرقعات بالمصانع، وحدث أن أصبت فى حادث بُتِر فيه خنصر يدى اليسرى بخلاف إصابة فى بطنى وأذنى وعينى اليسرى وفُصِلت من العمل بقرار من القومسيون الطبى العام.. وأثناء عملى فى المصانع أتى أصحاب السوء يطلبون منى الرأى والمشورة ومعهم عملة فضية مقلدة للعشرة قروش، ولم تكن مقلدة تقليدًا صحيحًا، فقمت لأول مرة بعمل العشرة قروش الفضية، وأذهلت الجميع. وكانت هذه أول قضية أقع فيها بين يدى المباحث.


لقاء فى السجن
ويواصل حديثه عن عمله فيقول: بعد ضبطى فى أول قضية حُكِم على بالسجن لمدة ستة أشهر، خرجت بعدها أزاول عملى بأجر بسيط، وفى عام 1964 ضُبطتُ فى قضية أخرى لتزوير العشرة قروش ودخلت السجن، وهناك تعرفت على عمالقة الإجرام منهم تجار مخدرات اتفقوا معى على تمويلى لصناعة ماكينات التزوير.. وخرجنا من السجن ومعى إحساس بأن كل الأصابع تشير إليّ، ورأيت أولادى يتنكرون.. سبعة أولاد كبروا وأنا داخل السجن، ولم أعد أعرف كبيرهم من صغيرهم ولا أميز بين أسمائهم.
الأولاد كبروا.. مستوى المعيشة ارتفع، فعدتُ لمزاولة مهنتى التى أجد متعة فى مزاولتها، وقمت بتزوير الدولارات من فئة الخمس دولارات والخمسة جنيهات المصرية وكان ذلك عام 1964 وحُكِم على بالسجن سنتين.. وخرجت من السجن وظللت بعيدًا عن العيون، ثم صدر قرار باعتقالى باعتبارى خطرًا على الأمن العام فى سنة 1967 وأفرِج عنى فى نهايتها، وعدت مرة أخرى للتزييف فى عام 1968 وضبطتُ متلبسًا لأول مرة، وحكم علىّ بالسجن وخرجت فى أوائل 1969، ولم يمض على عام آخر حتى رجعت للسجن من جديد.


حب الجنيه.. والمرأة


< وسألت أكبر مزيف نقود فى مصر: هل تجد لذة معينة فى التزوير؟
- كل اللذة.. فهى هواية قبل أن تكون احترافًا.. ثم تحولت معى إلى احتراف.


< وكيف ترى المرأة؟
ـ كل امرأة عملة مزيفة ولا يوجد بين النساء امرأة حقيقية.. المرأة دائمًا تلجأ لتزوير نفسها، فهى تفنى نفسها فى الظهور بتغيير مظهرها الأصلى.. وجهها عليه عدة طبقات من الأصباغ.. رموشها صناعية.. شفاهها مغطاة بلون أحمر.. خدودها عليها أصباغ صناعية.. شعرها مستعار.. فساتينها مقلدة.. تحاول دائمًا ألا تبدو على حقيقتها ولكن للأسف القانون لا يحاسبها بتهمة التزوير!


< وما رأيك فى الحب؟
ـ لا يوجد حب حقيقى.. ولكنه مزور أيضًا.


< وما معنى الحب عندك؟
ـ حب الجنيه.. فهو أكبر حب فى حياتى.


< تقصد الجنيه المزور أم الحقيقى؟
ـ الجنيه الحقيقى وأنا أصنع الجنيه «الصنم» الذى يماثل الجنيه الأصلى.


< ما هو أملك فى حياتك يا عبدالمعطى؟
ـ بعد أن أخرج من السجن أحلم بأن أعمل فى قسم تزييف النقود لكشف النقود المزورة من النقود الأصلية.
وحينما صحبت عبدالمعطى إلى الشقة التى كان يطبع فيها النقود المزيفة ومعنا محمد سمير مراد وكيل النيابة لمعاينة الشقة وما داخلها من آلات وماكينات الطبع والحبر المستعمل فى التزييف والكليشيهات والنقود المزيفة، أخذ عبدالمعطى ينظر للنقود المزيفة والتى تصل لمليون جنيه بحسرة وألم. والتفت إلى قائلًا: تصوّر أننى صنعت مليون جنيه ولا أملك منها شيئًا.. حتى لا أملك ثمن سيجارة!

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة