الكاتب الصحفي عبدالنبي النديم
الكاتب الصحفي عبدالنبي النديم


عبدالنبي النديم يكتب: ياسر رزق .. ضمير أمة

عبدالنبي النديم

السبت، 05 مارس 2022 - 05:32 م

أربعون يوما .. مرت على رحيل أيقونة عملاقة من أيقونات صاحبة الجلالة الأوفياء، وأسطورة احتلت مكانة عالية بين أساطير الصحافة المصرية والعربية، الراحل الكاتب الصحفي الكبير ياسر رزق ، الذى أعطى للمهنة بسخاء، ولم يبخل عليها من وقته وصحته، فكان لا يبالى من الألم، ولا يستجيب لصرخات الجسد الذى هده المرض، اتخذ القلم خليلا، ومن الأوراق فرشا وحصيرا، لم يبخل مداد العشق لديه بشىء على صاحبة الجلالة، أفنى عمره في خدمتها، فتجاوز حد العطاء الحدود، وفاق عشقه لها حد الجنون..

لم يدرى بمرور السنوات وهو يهرول بين صفحات الأخبار باحثا عن التميز، وعن الأمل للوطن والمواطن، حتى أصبح الراحل الكاتب العملاق ياسر رزق مرجعا ومقصدا لكل أبناء المهنة، فأصبح مدرسة صحفية مهنية متفردة، ينهل منها القاصي والداني، ليس في مصر والعالم العربي فقط بل في كل العالم، يتحدث عشقا عن مصر، وقلبه ينبض بلسان حال الوطن، يبحث عن متاعب الشعب، يفندها .. يفحصها بـ(الورقة والقلم)، طارحا الحلول ولا يهدأ حتى تزول المتاعب، الراحل الكبير تتلمذ على أيدى عملاقة صاحبة الجلالة، ولمحوا هذا البريق فى عيونه لصحابة الجلالة، فأعطوه خبراتهم.. شربها سريعا حتى أصبح يقف شامخا فى صفوف الكبار، ليصبح رزق بالفعل ضمير الأمة المصرية..
فى رثاء ياسر رزق فى ذكرى الأربعين، يتوقف مداد القلم عن النزف، وتنضب المعاني عن الوصف، وتهرب وتتوه الكلمات عن التعبير، فأنى لهم أن يجدوا ما يرثوا به الفارس الذى ترجل عن جواده، وسلطان الكلمة الذى تخلى عن عرشه، وملك القلوب الذى تربع فى قلوب محبيه، ولما لا وقد فقد الكثيرين من أبناء صاحبة الجلالة الأب والأخ والصديق قبل أن يكونوا فقدوا معلما، قل أن يجود الزمان بمثله..
فقد نقش الراحل الكبير ياسر رزق أسمه فى تاريخ الصحافة المصرية بحروف من الوفاء والعشق والتضحية لصاحبة الجلالة، يبث روح الأمل فى شبابها، ليقينه الكامل بضرورة تواصل الأجيال، وأن صاحبة الجلالة لا بد أن يكون أجيالها على علم ودراية كافية بأهميتها ودورها فى الحفاظ على مقدرات الوطن، وان أمانة المهنة والكلمة ، لا بد أن يكون هناك من يتحملوا مسئوليتها، لنشر الوعي بين المواطنين، ومحاربة من يسعون لبث الفتنة وزرع الشقاق وزعزعة الاستقرار، والحفاظ على نسيج الوطن، وتسليط الضوء على بؤر الفساد مواجهته..
مواقف كثيرة.. ودروس كبيرة تعلمتها من الراحل الكبير، أتذكر ابتسامته قبل كلماته التى يقابل بها الجميع، لا تفارق وجهه، حتى فى أقصى لحظات مرضه أو غضبه، أتذكر لقائي الأخير بالكاتب الكبير ياسر رزق، كان خلال منتدى شباب العالم بشرم الشيخ، رفض التسجيل مع كل القنوات الفضائية والمواقع الصحفية الإلكترونية، فطلبت منه لقاء لـ«بوابة أخبار اليوم»، وبإبتسامته المعهودة وبريق عينيه الذي يعكس مدى الحب الذي يحمله بداخله لبيته الذى ترعرع بين جدرانه، قائلا: مقدرش أتأخر طبعا عن بيتي، وكعادته يوصي كل من يقابله من أبناء أخبار اليوم «صحفي أو إدارى أو عامل بأخبار اليوم»، أن يحافظ على هذه الدار العريقة أخبار اليوم..
تلك الدار التى تولى رزق مهام مسئوليتها في ظروف صعبة تمر بها البلاد، خلال أحداث يناير ٢٠١١، ليجد نفسه في مهمة وطنية خطيرة، وبأخلاق الفرسان قبل المهمة، واجه بها سيطرة الفكر الإرهابي الذى حاول السيطرة على مقدرات البلاد، وتحويل مصر إلى فكر إخواني، لم يهاب سطوة السلطة، تعامل كصحفي مع مختلف قضايا المجتمع، وكأن دار أخبار اليوم قد وقعت في عشق ياسر رزق، كما ذاب هو في حبها، فكونا معا حائط صد ضد المؤمرات الإخوانية، وكانت إصدارات أخبار اليوم نبضا للشارع المصري، تعبر عن آلآم المواطن، تواجه المخططات الخارجية وتفضح أجندة الجماعة الإرهابية، حتى كانت النجاة للبلاد بالرئيس عبدالفتاح السيسي، قائد من طراز فريد هب يلبي نداء الوطن، والتف حوله شعب مصر بكل طوائفه، وكانت الطلة الصحفية للرئيس السيسي على شعب مصر في أول حوار صحفي كان مع الراحل ياسر رزق، واختيار زرق لهذا الحوار كان له مدلولات كبيرة وإشارات بأهمية ودور ياسر رزق فى نقل نبض الشارع للسلطة، وحلقة الوصل بين السلطة والمواطن فى الشارع المصري، وبالفعل كان لقاء الرئيس السيسي مع الصحفي ياسر رزق له تأثير كبير لدى المواطن تحدث فيه الرئيس السيسي بشفافية من القلب، فوصل إلى القلب لدى المواطن..
استطاع رزق بفكره الواعي ومهنيته المتمكنة وعبقريته الفذه، فى بلاط صاحبة الجلالة أن يتربع على عرش قلوب قراءه ومتابعيه، ليؤكد على أن الفترة الأخيرة للصحافة المصرية كان لها قطب واحد لدى المواطن، هو ياسر رزق.. قامة كبيرة يتابعها ويثق في وطنيتها، يلتف حول القضايا التي يطرحها، فكسب ثقة الجميع.. مواطن وسلطة، معبرا عن دور صاحبة الجلالة في بناء الوطن..
حفر الراحل ياسر رزق أسمه فى قائمة كبار الكتاب الوطنين والسياسين، عن فهم وتجارب ومعايشة مع كافة أطياف المجتمع والصفوة من الشخصيات العامة في مصر، يشتبك بالورقة والقلم مع قضايا المجتمع، يعبر من خلالهما عن أوجاع وآلآم المواطنين، بموهبة فذة ورؤية نقدية متميزة قادرة على إدارة القضايا التى يتناولها بمهارة فى التعبير وقدرة على طرح الحلول، وتواصل مع المسئولين الذين يحرصون على متابعة مقالاته، والاستجابة لارآئه..

فقد كان الراحل ياسر رزق جسرا من التواصل بين كافة فئات الوطن، «الورقة والقلم» وسيلته.. لا يفارقانه، فكان يعتز دائما بمهنته كصحفي، يدون المعلومة.. يكتب الخبر بحس مهني قلما يتواجد فى الكثير..  
لم استطع أن أرثي الراحل الكبير بعد وفاته، فقد كانت صدمة للجميع، لم استطع أن ألملم أطراف الحديث والتعبير كما بداخلي لهذه القامة الصحفية التى فقدانها، الصحفي المهني.. المجامل.. الراقي.. القيادي.. ابن الأصول..
فما زلت أتذكر تهنئة الكبير ياسر رزق الرقيقة، بعد فوزى بجائزة إحسان عبدالقدوس في القصة القصيرة، واحتفاءه بفوزى بجائزة الشئون المعنوية للقوات المسلحة فى القصة القصيرة، وأمر بنشرها فى مجموعة قصصية في إصدار «كتاب اليوم»، فقد زار الأخبار المسائى وعندما رأني قال لي «إحنا بتوع الأتوبيس» حيث كانت قصتي الفائزة بإسم «الأوتوبيس» وكانت فرحتى الكبيرة، بقراءة الأستاذ للقصة ومناقشته الموضوعية لى عن أحداثها، وإشادته بأن القصة عبرت عن الوضع فى البلاد، وأن نهايتها سوف تتحقق بسقوط دولة الإخوان..
رحم الله الكاتب الصحفي ياسر رزق.. رحل عنا تاركا منهجا وطريق لكل من أراد التميز فى بلاط صاحبة الجلالة، رحل وترك كلماته نبراسا تضىء الطريق لبناء الوطن، وتعبر عن نبض الشعب.. 
رحل وترك «ورق وقلم» مدرسة صحفية متميزة، ينهل من مهنيتها الأجيال الحالية والقادمة..
رحل وترك شهادته أمام الله على مرحلة فارقة وأحداث عظام مرت بها مصر، فى كتاب «سنوات الخماسين» أيقونة سياسية، ومرجع مهم على سنوات اختلط بها الحابل بالنابل، فقد كانت شهادة موثقة لتاريخ مصر الحديث..
رحل ياسر رزق.. تاركا ألما يعتصر قلوبنا، وتركه ثقيلة نتمنى أن يستطيع أحد تلاميذه حملها ..

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة