أطفال «داعش»
أطفال «داعش»


أطفال «داعش» من الانتقاء إلى الإخضاع

أخبار الحوادث

الأحد، 06 مارس 2022 - 02:45 م

 كتبت: عمرو فاروق

لا شك أن جماعة الإخوان صاغت المرجعية الأولى والمنهجية الأدبية لمانيفسيتو الكيانات المتطرفة فكريًا وتنظيميًا، وتخرج في سراديبها الكثير من أعضاء وقيادات الجماعات الإرهابية محليًا ودوليًا، لا سيما فيما يخص عمليات التغلغل وإعمال وتفعيل ماكينة الاستقطاب والتجنيد بين الشرائح والفئات المجتمعية، وتوظيفهم لخدمة مشروع «دولة الخلافة المزعومة». 

تتمثل أهم المشاريع التنظيمية التي اعتمدتها جماعة الإخوان في خطتها لطريقة أسلمة المجتمعات، في استراتيجية «تجنيد الأطفال والمراهقين»، وضمهم مبكرًا إلى صفوف ومحطات العمل الأصولي، في إطار مشاريع «التربية الإسلامية»، ومشاريع «ابناء الصفوة»، و»جيل النصر المنشود» وغيرها، وبهدف إنتاج نماذج بشرية تدين بالولاء الفكري والتنظيمي للمشروع الإخواني، وبالتبعية للمشروع الأصولي الراديكالي المتغلغل في عمق الشارع العربي حاملاً توجهاتها ورؤيتها الدينية المتطرفة.

واتساقًا مع فكرة أن جماعة الإخوان تمثل المرجع الأساسي للعمل التنظيمي للجماعات الأصولية المتطرفة، انتهجت مختلف التنظيمات الإرهابية المسلحة، وفي مقدمتهم تنظيم «القاعدة»، وتنظيم «داعش»، وجماعة»بوكو حرام»، وحركة «الشباب الصومالية»، فكرة تجنيد الأطفال والمراهقين وتأهليهم وتوظيفهم ضمن المنظومة المسلحة.

فمنذ قيام دولة داعش في سوريا والعراق (توهمًا)، أولت القيادة الفاعلة والمؤثرة في المكون الداعشي، اهتمامًا شديدًا بعملية تجنيد الأطفال والمراهقين، لما تحققه من استفادة كبيرة في استمرار شبابية التنظيم وخروجه عن إطار الشيخوخة المبكرة، وقدرته على المواجهة وإعادة إنتاج قياداته وكوادره بسهولة، باعتبار أن المكون الطفولي يمثل مخزونًا استراتيجيًا في حال تدريبه وتأهيله بدنيًا وفكريًا بما يتوافق مع الأطر والتوجهات الداعشية المتطرفة.

كانت المحطة الأولى التي بدأها تنظيم «داعش»، حيال تلك الاستراتيجية ببناء معسكرات «أشبال الخلافة»، والتي عمدت إلى ضم أكبر قدر ممكن من الأطفال العرب، بين صفوفها في محاولة تأهيلهم وارتباطهم مبكرًا على المستوى الفكري والتنظيمي بماهية المشروع الأصولي وأدبياته، وتبنى الخطاب الأيديولوجي التكفيري ضد الشعوب والمجتمعات العربية والغربية واعتبارهم بمثابة جيل حارس على عقيدة وإيمان الآخرين، تماهيًا مع نظريات سيد قطب حول قضايا الحاكمية وجاهلية المجتمع واستخدامه القوة في بناء دولة الخلافة المزعومة.

في أعقاب سقوط «داعش» في ظل معركة «الباغوز» في مارس 2019 على يد قوات التحالف الأمريكي، اتجه إلى فتح معسكرات جديدة في مناطق الدول الإفريقية والآسيوية تحت مسمى معسكرات «جيل التمكين»، في إسقاط مباشر على فكرة «العودة» للمشهد عبر امتداد جيلي جديد يتم تأهيله وتدريبه، وصياغة تصوراته الفكرية والعقلية وفق حالة توحي بأنهم يمثلون الإسلام وأن ما يفعلونه جهادا في سبيل الله وفي سبيل تطبيق الشريعة.

دراسة استراتيجية معسكرات «أشبال الخلافة»، و»جيل التمكين» الداعشية، تظهر تعمد التنظيم وضع الأطفال والمراهقين في مرمى أعماله الإجرامية، والتعايش مع فكرة القتل والذبح، والقتال تحت راية دولة الخلافة، وإصباغهم بالمنطلقات الشرعية التي يتنباها وفق المشاهدة الآنية، والتطبيق العملي، والاحتكاك المباشر.

كان المكتب الإعلامي لتنظيم «داعش» في غرب إفريق (ISWAP) ، قد نشر في يناير الماضي، إصدارًا مرئيًا بعنوان: «جيل التمكين»، وتضمن لقطات مصورة لمجموعة من الأطفال خلال تأديتهم تدريبات اللياقة البدنية، وتدريبهم على استخدام الأسلحة النارية، وتنفيذ اعتداءات على المنازل، مع مراعاة انتقالهم من التدريبات النظرية إلى التطبيق العملي، إضافة إلى تنفيذ عدد منهم عمليات قتل لبعض «الأسرى» عن طريق إطلاق النار على رأسهم مباشرة.

كانت المرأة الداعشية أحد أهم جوانب ماكينة عمليات استقطاب وتجنيد الأطفال، لتمتع بعضهن بقدرات فائقة في التعامل النفسي والسلوكي مع الأطفال، وتطويعهم للمرجعية الفكرية والأيدلوجية الداعشية، مثلما صرحت إحدى المعلمات السوريات في حوار متلفز مع الصحفية البريطانية «إيفان ويليامز»، بأنهن اتبعن سياسات أقرب إلى فكرة «التلقين» فيما يخص تمرير الضوابط الشرعية إلى قطاع الأشبال، لا سيما المعنية بآيات الجهاد، مع دراسة مشاهد السيرة النبوية بما يتوافق مع التوجهات الفكرية للتنظيم، في محاولة لاستنطاق النصوص الدينية والشريعة، لتبرير أفعال وسلوكيات قيادات التنظيم.

عندما أسس «داعش»، معسكرات «أشبال الخلافة» خصصها لمن هم دون الـ(16)عامًا في مدينة الرقة السورية، وضمت كل دفعة ما بين ( 250 و350 ) طفلاً، وكانت المدة الزمنية لكل دورة تدريبية نحو (45) يومًا، لتهيئتهم فكريًا، ثم نقلهم إلى معسكرات التدريب المسلح في دروة مدتها (3) أشهر، لتدريبهم على كافة أنواع الأسلحة والمتفجرات، ويتم خلالها تقسيم الأطفال إلى أقسام تنوعت ما بين «قسم الانتحاريين»، وقسم «مصنعي المتفجرات»، وقسم «المقاتلين» وهكذا.

ويشير الكثير من المراقبين الأمنيين، إلى أن «داعش» استعان في معسكرات «أشبال الخلافة»، بمجموعة من الكتيبات التي عملت على بلورة أسئلة محددة أمثال، كيف تقتل عدوك؟، وكيف تقدم الولاء المطلق للقائد؟، وأن تلك المعسكرات جرى فيها إعداد نفسي وعقائدي مدروس، قائم على مبدأ التكرار وزرع الفكرة في عقول الأطفال، مع تكريس جوانب المعايشة الحية لتحقيق الهدف الاستراتيجي والبصري في شيوع «ثقافة الشهادة»، وصناعة القدوة الداعشية، وتحويل الأطفال إلى انتحاريين بالتبعية.

يقع بين أيدي التنظيم الداعشي الآن مئات الأطفال الذين يتم تأهليهم وتدريبهم في مناطق نفوذه حاليًا، ضمن معسكرات «جيل التكمين»، التي تمثل امتدادًا لمعسكرات «أشبال الخلافة»، الذي بدأت في عهد أبو بكر البغدادي قبل مقتله في أكتوبر 2019، وسبقها كذلك مشروع «طيور الجنة» الذي تأسس في ديالي العراقية، في مرحلة زعامة أبو عمر البغدادي.

هؤلاء الأطفال في النهاية هم ضحايا تخاذل القوى السياسية الدولية، والمؤسسات الدينية التي فشلت في وقف التمدد الفكري والتنظيمي للمكون الداعشي، ومازالت تمنحه الفرصة كي يستعيد مكانته وقوته في بقاع جفرافية شاسعة، وتفعيل ماكينة الاستقطاب والتجنيد عبر منصات الشبكة العكنبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي، إيمانًا منه بأهمية تعاقب الأجيال في استمرار منهجيته الوحشية الدموية، وبقائها وامتدادها شرقًا وغربًا دون أدنى مواجهة .

وفقًا لتقرير صادر عن دورية «دراسات الصراع والإرهاب»، أشار إلى أن تنظيم «داعش»، يعمل على تجنيد الأطفال من خلال 6 مراحل، أولها مرحلة «الإغواء»، وتشمل عرض الأفكار والممارسات المتطرفة للأطفال، ثم تأتي مرحلة «التعليم»، وهي مشابهة للإغواء، لكن يلقن فيها الأطفال بشكل مكثف ويقوم بمقابلة قادة «داعش» وجهًا لوجه.

وتليها مرحلة «الانتقاء»، وفيها تهيمن بيئة «داعش» على حياة الأطفال، من خلال استقطابهم وتدريبهم لاكتشاف قدراتهم وتحديد المهام التي يمكن القيام بها، بينما تمثل المرحلة الربعة، عملية «الإخضاع»، وفيها بتم البرمج العقلية للأطفال، في إطار من التدريبات الجسدية والنفسية الوحشية، وتشمل عزلهم عن أسرهم وارتدائهم زي موحد لتعميق فكرة التزامهم وانتمائهم للكيان الداعشي.

وتتمثل المرحلة الخامسة من عملية التجنيد في «التخصص»، وفيها يتم تعزيز خبرات الأطفال البدائية، تزامنًا مع تدريبات متخصص، وتنتهي عملية التجنيد  بمرحلة «التعيين»، ويتم خلالها وضع الأطفال في إطار تنظيمي، بما يتوافق مع قدراتهم البندنية والنفسية، واستغلال إمكانياتهم بما يحقق أهداف المشروع الداعشي في بناء أركان «دولة الخلافة» المزعومة.

لم يقتصر داعش في عمليات تجنيد الأطفال داخل مناطق نفوذه  في سوريا أو العراق، أو داخل مرتكزاته الجغرافية في اقليم خراسان، وجنوب وشرق آسيا، أو في عمق منطقة الساحل والصحراء بالغرب الافريقي، أو في شرق ووسط إفريقيا، لكنه فعل ماكينة الاستطقاب في عمق القارة العجوز، عبر وسائل متعددة، منها عناصره العائدة إلى مواطنها الأوروبية، أو من خلال مخيمات اللاجئين، أو من خلال الغرف المغلقة المصنوعة على منصات الشبكة العكنبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي، إيمانًا منه بأهمية تعاقب الأجيال في استمرار منهجيته الوحشية الدموية، وبقائها وامتدادها شرقًا وغربًا.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة