سمير الجمل
سمير الجمل


يوميات الاخبار

أبوالهول يأخذ «سيلفى مع «حواس»!

الأخبار

الأحد، 06 مارس 2022 - 07:13 م

سمير الجمل

وبدلا من أن يرتدى روب المحاماة كما بدأ مشواره الدراسى.. تحول رغم انفه إلى الآثار لكى يرتدى الجينيس.. ويركب المقطف متدليا بالحبال

لا تتعجب  إذا رأيت هذا الصامت لا يتكلم إلا معه.. وقد يشترك خوفو وخفرع ومنقرع وسقارة فى الحوار بين «زاهي» و«أبى الهول». ولا تندهش إذا وجدت ابن دمياط يمشى فى منطقة الأهرامات والآثار تنادى عليه.
− بابا.. بابا
فهو يعرفها كما يعرف نفسه.. وهم يعرفونه.. كما يعرفون ايزيس وأوزوريس.. وحتشبسوت.
وها هو بالقبعة الأوروبية فوق رأسه وقد وضع أبوالهول يده على كتف «حواس»، فى صورة سليفى التقطها الأسد الحجرى وتعليقا عليها قلت:
− إنها صورة: توأم.. فكلاهما «حارس».. وفيه غموض.. وحوله علامات استفهام!!
لذلك أقبلت على الكتاب الذى يحكى فيه عن نفسه.. بشغف بالغ.. والكتابة تكشف صاحبها مهما حاول أن يتجمل أو يناور والرجل الذى اشارت إليه أصابع الاتهام فى مواضع كثيرة هو نفسه الذى يعاملونه فى أوروبا والدول المتقدمة على أنه أحد نجوم «السيما» مثل صديقه عمر الشريف.


وأول ما استوقفنى فى أيام الحارس كما جاءت فى كتاب حواس انه يتكلم عن الذين ناصبوه العداوة باحترام ولا ينقص من حقوقهم شيئا أو مزاياهم.. وكثيرا ما تجاوز الوقوف أمام حدوتة.. قد تثير من الوجع والقلق أكثر مما ينبغى وعفا الله عما سلف.
فقد كان يجلس أمام التليفزيون عام ٢٠١١ وقرأ خبرا بالحكم عليه بالسجن لمدة سنة.. فى وقت كان دخول المسئولين إلى السجن أكثر من دخولهم الحمام.


والحكاية لا تخص شخصه لكن موقعه كوزير للآثار فى هذا الوقت والدعوى أقامها أحد تجار البازار الكبار كان يستأجر محلا فى متحف من المتاحف وتأخر فى سداد الايجار.. وكان ينشر الكتب المضروبة المزورة فى تاريخ الآثار إلى جانب مكاسبه من التحف.. وأراد الوزير أن يفتتح بيتا للهدايا فى كل متحف يعود دخله إلى الآثار.. ولأن المناقصة لم يفز بها التاجر.. أقام دعواه.. وعندما تدخل محامى الوزارة بالمستندات ألغت المحكمة الحكم.. وفى منطقة الأهرام مافيا تتحدى كل من يحاول أن يقترب من أساليبها فى المكسب.. الجمال / الخيل/ الهدايا.


وقد أطلقوا عليه شائعة اغتصابه لفتاة فى أمريكا.. وكان متوجها إليها بقرار من رئيس الوزراء لتكريمه هناك من رئيس جمهورية بيرو وقد تعددت البلاغات ضده.. والأخبار ومضى كل هذا إلى دائرة النسيان.
وفى كل مرة يعود بالذاكرة إلى الوراء ويستعيد كلمات والده ونصيحته الخالدة له:
− لا تضع يدك فى الماء ولا تضع اصبعك تحت ضرس أحد وهكذا مضى ابن العبيدية مركز فارسكو بدمياط فى طريقه الذى رسمه القدر.. وبدلا من أن يرتدى روب المحاماة كما بدأ مشواره الدراسي.. تحول رغم انفه إلى الآثار لكى يرتدى الجينيس.. ويركب المقطف متدليا بالحبال.. دفاعا عن تاريخ مصر الفرعونى وتحولت نظرته إلى الأثر من مجرد حجر.. إلى قطعة حية من تراثنا تنبض بالحياة.. وهى أغلى الكنوز التى خص الله بها أرض المحروسة.. بعد أن يحاور الصخر والرمال.. حرفنة «زاهي» صبيا فى ساحات كرة القدم وجنونه بهذه اللعبة.. إلى حرفنة اللعب مع المومياوات واحراز الأهداف فى مرمى الاكتشافات ويعترف فى أغلب الصفحات وبالأسماء بفضل من عاون وساهم وشارك معه.. فى كل خطوات نجاحه.. لأن الحياة كلها لعبة جماعية.. لا يمكن لفرد مهما بلغ من قدرات أن ينجح فيها بذراعه بمعزل عن غيره ممن يعملون معه.


معركة طويلة


أبوالهول ليس مجرد تمثال أثرى فى تاريخ الحضارة المصرية يقبع بجوار الأهرامات حارسا لها منذ آلاف السنين ولكنه كان بطلا للعديد من المواقف فى التاريخ المصرى وقد بدأ ذلك فى عهد تحتمس الرابع فقد كان أول من استغل تمثال أبوالهول سياسيا عندما  قتل شقيقه وترك لنا لوحة الحلم التى عثر عليها بين مخلبى أبوالهول لكى يقنع المصريين بأن الإله (حور − إم − إخت) ويعنى اسمها باللغة المصرية القديمة «حورس فى الأفق» هو الذى اختار تحتمس الرابع لكى يكون ملكا على مصر وقصة معركة أبى الهول بدأت عام ١٩٨٧ عندما سقطت بعض الأحجار من الجانب الشمالى لكتف أبوالهول.. وجرى الترميم بطريقة غير علمية حيث استخدموا الاسمنت واحجارا غير مناسبة لجسم التمثال.. ثم كانت كارثة المياه الجوفية اسفل أبوالهول وأبوالهول من المؤكد يحفظ لحواس هذا الجميل عندما انقذه من الغرق والسقوط.. وأعاد إليه بريقه.


ويعترف زاهى بأن فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق.. عمل جاهدا على نهضة شاملة. وفى كتابه لا يخص ذكرياته وأعماله وحده.. فهو يحكى إنجازات من سبقه ومن جاء بعده عندما ترك المنصب الرسمى وتفرغ لتأليف الكتب وإلقاء المحاضرات فى أرجاء العالم.. وحصد الجوائز والأوسمة وبالطبع زادت حوله القصص.. وعواصف الغيرة.. وهذه هى ضريبة التميز.
وقد لخص فلسفته فى رحلته منذ تخرج− الجامعة عام ١٩٧٦ بدرجة مقبول.. لكنه فى الميدان العملى حولها إلى درجة الامتياز.. والسر فى ذلك عشقه لعمله عن اقتناع بعد ان كان مجرد رقم فى طابور طويل − حملة الشهادات الجامعية.. لكنه العشق عندما وقع فى غرام الآثار.. وعرف الأسرار.. حتى أصبحت الحياة كلها عنده.. مغامرة اكتشاف داخل سراديب وأنفاق وآبار.. فما اجمل البحث عن المجهول وصولا إلى المعلوم.. عندما يجتمع العلم والخبرة مع العاطفة.. فقد كان يشعر بدموع أبى الهول عندما طمسوا وجهه بالأسمنت وتغيرت ملامحه التشريحية حزنا على ما فعله به الاحفاد.. فجلس بجواره سنوات لكى يعيد إليه هيبته وحقيقته.. حتى ابتسم امتنانا لحارسه الأمين.. وتعانقا فى الفضاء.


حكاية زاهى ذلك الطالب العادل فى حياته الدراسية باعترافه ولكنه بحث عن نفسه طويلا حتى وجدها واهتدى إليها واجها.. وعشق ترابها فوصل إلى ما لم يصل إليه غيره.. وتعلم عمن سبقه.. وفكر وقارن واجتهد.. وجعل من وصية أبيه وأمه دستورا يمشى به بين الناس. فلا يتوقف عن العلم مهما بلغ.. ومهما تعثر فى جبال من الروتين الإدارى الذى يعطل المراكب السايرة.. وكان هذا معناه أن يحارب الكسول والمهمل.. وان يناصر المجتهد.. ولأن الموظف الحكومى مهما كان مستواه.. تعود أن تكون الحكومة هى بابا وماما ومرتبه فى آخر الشهر مضمون.. فكان شعاره:


− ليه تشتغل أكثر.. وأنت ممكن تتعب أقل.
وتحولت الآثار إلى منظومة تعرف كيف تعرض نفسها على العالم الذى ينظر إليها بابنهار.. وتحمل الحروب ضده من شلة وقف الحال.. لأن مهمته كانت أعظم وأرقى وأهم من كل هذه الصغائر التى تحول الجهاز الإدارى للدولة إلى «كارثة» يحملها الوطن ويدفع ثمنها − لحمه الحى لملايين− من العواطلية لا فرق فى ذلك بين موظف على قد حاله.. ومدير عام مشكلته فى الابهة والبريستيج.
كانوا دائما يسألونه:


− لماذا تحتكر دنيا الآثار.. دون غيرك؟
وينسى هؤلاء أن الضوء الذى صنعه حول نفسه بجهده وعرقه هو الذى يعطى هذا الانطباع.. وها هى قصته مع الدكتور رمضان بدرى تلميذه النجيب الذى قدم كشفا مهما.. تم الاعلان عنه فى قناة ناشيونال جيوجرافك وساعد تلميذته ومساعدته نشوى جابر ان تحصل على الدكتوراه وفى الكتاب أسماء كل من عمل معهم بما فى ذلك عمال الحفر.. وكم تعلم منهم.. الريس على ابن قفط.. وحكايته مع اكتشافات وادى الملوك.
وفى الآثار كنوز.. يجتمع حولها النصاب الخواجة الذى يأتى من بلاده يريد أن يلعب هنا بالبيضة والحجر والبشر والأثر.. ولا يستطيع كشفه.. إلا من يعرف ويخاف من ربه قبل خوفه من الناس واللعبة أموالها بلا عدد.. جرى هذا فى قصة انطونيو وكيلوبترا وما تردد حول اكتشاف آثارها.. فى البر والبحر..

وما قبل حول فرعون موسى والنبى ادريس عليه السلام.. وكان اللجوء إلى العلم والبحث.. وتعاون الطب مع السياحة مع التاريخ مع الآثار مع الداخلية والثقافة.. ثماره فى نهضة علم غير مسبوقة.. ولو كان «زاهي» يريدها لشخصه فقط ما حقق نجاحاته العامة التى انعكست على ذاته بدون ادعاء أو تدبير.. وصورته وهو اكبر رأس فى الآثار مربوطا فى الحبال ويتدلى داخل الحفر كأنه على موعد حب.. تلخص حكاية رجل مصرى تعرفه الرمال والصخور وكنت ومازلت بعد قراءة الحكايات الفرعونية اين هذه الثروة من الدراما المصرية التى تراجعت فى السنوات الأخيرة وقد ازاحتها المسلسلات التركى والمكسيكى والهندى والبرازيلي.. وكم شعرت بالحسرة وأنا أرى ايران تقدم تاريخنا من خلال المسلسل العالمى يوسف الصديق عليه السلام بعمليات الدوبلاج التى مجدت حديث العرب بل وكل مسلم فى ارجاء العالم لسنوات.. كلفته إيران ٧ ملايين دولار وربحت منه عشرة اضعاف.. وفى جراب حواس الكثير..

وفى كتب من سبقوه وعلى رأسهم سليم حسن ما يمكنه ان يهز العالم هزا.. وتجربة المصرى العبقرى شادى عبدالسلام فى فيلم المومياء أكبر دليل على ذلك.. وعندما فكرنا فى عمل فرعونى بأن الجواب من عنوانه وكان رأى حواس انها كارثة.. والحمد لله انهم سحبوا العمل وردموا عليه فى وقت كان الدنيا كلها تتكلم عن مواكب الملكات.. واذا كان الغالبية قد التقطوا اخطاء المسلسل من اعلانات.. فإن الخبير الذين تجاهلوا رأيه.. كان يصرخ من هذا العبث.. لكنه فى المقابل يحب أن يعترف بأنه لم يستثمر علاقاته فى أوروبا وامريكا.. وشهرته بين شركات الإنتاج والتى استعانت به فى اكثر من عمل وثائقى ودرامي.. ومؤلفات يخرج منها مسلسلات وأفلام لا أول لها ولا آخر.. ويمكنها أن تكون دروسا لأولادنا وللمصريين جميعا للاعتزاز بتاريخهم.. وان تقدم حضارتنا إلى العالم بكل اللغات والدراما تكسر الحواجز والحدود.


رحلة الدكتور حواس.. تدخل بنا إلى أنفاق ودهاليز وأسرار وفى مؤلفاته الأخرى الكثير.. وأظن أن هذا هو الضلع الناقص فى المربع الذهبى لهذا الحريف الذى كان يناديه زملاء الصبى بالمايسترو نسبة إلى صالح سليم.. فهل يفك شفرة الدراما الفرعونية ويفتح تابوتها المغلق وهو الذى أكد أن لعنة الفراعنة مجرد وهم.. وأن اللعنة الحقيقية فى الغفلة وسوء تقدير لتلك النعمة العظيمة التى توج بها المولى سبحانه رأس مصرنا الخالدة.


الحكمة القوية هى التى يكون لها صدى تردده الجبال وتتناقله الأجيال.
أدب فرعوني

 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة