صالح الصالحى
صالح الصالحى


يوميات الاخبار

ماذا لو طال أمد الحرب؟

صالح الصالحي

الإثنين، 07 مارس 2022 - 07:05 م

ينذر طول أمد الحرب الروسية الأوكرانية بانفجار الأمن الغذائى العالمى..
إلا أن خزائن مصر عامرة.. تنادى العالم «اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ»

 ماذا لو طال أمد الحرب الروسية الأوكرانية؟ سؤال يطرح نفسه منذ بدأت روسيا الحرب على أوكرانيا. على الرغم أنه حتى الآن مازالت هناك مقاومة لتداعيات هذه الحرب. فلاتزال الدول تحتفظ باحتياطى من السلع الأساسية وخاصة القمح.. ورغم وجود بعض الدول المهددة فى أمنها الغذائى، لكن طالما هناك دول مجاورة لديها فائض من الممكن تعويض هذه الدول وسد الفجوه.


 كشفت هذه الحرب اقتصاديات العديد من الدول وكشفت معها ثقل روسيا فى ميزان القوى الدولية رغم البعد الجغرافى.. ووفقا لتقدير الخبراء فإن التأثير سيكون قاسيا معيشيا على عدة بلدان عربية خاصة إذا امتدت لفترة طويلة.


 فهناك العديد من الدول العربية التى تستورد القمح سواء من روسيا أو أوكرانيا. كما أن النزاع بين البلدين يؤدى تلقائيا لوقف الحركة التجارية مع الخارج.. أولا: بسبب الحرب على الأراضى الأوكرانية. ثانيا: لفرض عقوبات على الصادرات الروسية حيث تستورد الدول العربية مجتمعة ٦٠٪ من الحبوب من روسيا وأوكرانيا إضافة إلى فرنسا ورومانيا.. وتحتفظ روسيا وأوكرانيا بوضع خاص فى توريد الحبوب للدول العربية نظرا لانخفاض السعر الذى يتم التوريد به. حيث تعتبر أوكرانيا رابع أكبر مصدر للقمح والذرة الصفراء على مستوى العالم.. وصدرت وحدها ١٧٪ من الذرة والشعير فى ٢٠٢٠ منها ٤٠٪ إلى دول عربية. فيما تعتبر روسيا مصدرا رئيسيا للقمح إلى مصر.. ومن المتوقع أن تؤثر هذه الحرب حال طال أمدها على احتياطات بعض الدول العربية.. وبالتالى توفير الخبز وخاصة فى لبنان واليمن وتونس.. مما ينذر وفقا لتوقعات بعض المراكز البحثية باضطرابات فى هذه البلدان خاصة وأنها تعانى عدم استقرار سياسيا واقتصاديا.


 فى الوقت الذى تسابق فيه الحكومة المصرية الزمن لاتخاذ إجراءات استباقية واحتياطية لاستقرار السلع الرئيسية والاستراتيجية.. وتؤكد على مدار اجتماعات شبه يومية على استقرار الاحتياطى من السلع الرئيسية لأكثر من ٤ شهور.. كما أننا على وشك موسم توريد القمح هذا العام.. والذى سيبدأ الشهر المقبل.. كما أن القيادة السياسية أصدرت تعليماتها بفتح الاعتمادات المالية والدعم المالى لتوفير السلع للمواطنين.. وحتى لا يتأثر محدودو الدخل بتوافر السلع على بطاقات التموين.. لتظل خزائن مصر عامرة تقول للعالم «اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ».
 وإذا ما قورنت الأوضاع فى مصر بباقى الدول العربية حتى المجاورة منها، تجد أن الحكومة المصرية الرشيدة وبفضل توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى تختلف عن باقى الحكومات العربية التى تعانى بالفعل وفقا للتقارير المعلنة والموثقة دوليا..

حيث نجد أن اليمن أول بلد عربى مهدد بتأزم وضعه الغذائى أكثر مما هو عليه بشهادة المدير التنفيذى لبرنامج الأغذية العالمى الموجود باليمن. الذى أكد أن اليمن يحصل على نصف طلباته من الحبوب من روسيا وأوكرانيا وهذا سبب كافٍ لإحالة الأوضاع إلى مأساوية فى اليمن.. أما فى لبنان فإن الأوضاع أسوأ بكثير خاصة فى ظل تردى الأوضاع الاقتصادية منذ سنوات.. حيث تستورد لبنان ٦٥٠ ألف طن سنويا من القمح ٨٠٪ منها من أوكرانيا.


 وتواجه كذلك دول أخرى أزمة غذائية بسبب الحرب.. وخاصة تونس التى تستورد ٦٠٪ من القمح من أوكرانيا وروسيا.. وعلى الرغم من انخفاض سعر القمح الروسى والأوكرانى الذى كان سببا لزيادة إقبال الدول العربية على شرائه إلا أن السعر العالمى سيرتفع وخاصة إذا ما اتجهت العقود الشرائية للولايات المتحدة الأمريكية أو كندا وبلدان أمريكا اللاتينية.. مع الأخذ فى الاعتبار ارتفاع سعر النفط الذى يؤثر على تكلفة نقل البضائع.


 وتشير التوقعات لخسارة الاقتصاد العالمى تريليون دولار جراء الصراع فى أوكرانيا مما يسهم فى زيادة التضخم العالمى بنسبة ٣٪ خلال السنة الحالية.. بالتزامن مع أزمة أخرى فى سلاسل التوريد.. حيث يتباطأ النمو الذى ترتفع معه الأسعار وهو ما يقلل من مستوى الناتج المحلى الإجمالى العالمى بحوالى نقطة مئوية واحدة مع حلول سنة ٢٠٢٣.. ومن المتوقع طبقا للمعهد الوطنى للبحوث الاقتصادية والاجتماعية بانجلترا أن الحرب ستدفع الحكومات الأوروبية أيضا إلى اقتراض المزيد من الأموال لسداد تكاليف تدفق المهاجرين وتعزيز جيوشها.. مما يؤدى إلى دفع البنوك المركزية إلى زيادة أسعار الفائدة الأساسية.


 إن الصراع فى أوكرانيا يخلق المزيد من الضغوط الاقتصادية التى تفوق طاقة المنظومة العالمية التى تأثرت كثيرا بفعل وباء كورونا مما سيؤدى إلى تصدع سلاسل التوريد أكثر.


 الغريب أن روسيا سوف تتفادى تأثير هذه الحرب عليها.. خاصة أنها سوف تستطيع تفادى الركود الاقتصادى الحادث نظرا لأن الخسارة الاقتصادية الناجمة عن العقوبات ستعوضها بطريقة جزئية من جراء صعود أسعار الصادرات من الغاز والنفط.. والناتج المحلى الإجمالى سيتأثر بشكل أقل بكثير من ذلك الحادث فى منطقة اليورو والمملكة المتحدة.


 وتؤكد كل الشواهد على وجود مخاوف من تأثر الأمن الغذائى بشكل كبير فى عدة بلدان عربية تستورد الحبوب وخاصة القمح من روسيا وأوكرانيا. وزيادة أسعار الحبوب بسبب التحول للاستيراد من دول أخرى.. وهو ما يضاعف بشكل من الأشكال المعاناة المعيشية للمواطنين فى هذه الدول.. خاصة أنه لاتزال الصورة ضبابية حول تطور الأوضاع فى ظل الحرب الروسية الأوكرانية.. ولا يستطيع أحد توقع المستقبل بدقة.. لكن كما هى العادة فإن هناك عدة سيناريوهات مختلفة أبرزها أن تكون حربا قصيرة تصعد فيها روسيا عملياتها العسكرية بزيادة القصف العشوائى المدفعى والصاروخى من قبل القوات الجوية الروسية على أوكرانيا. وكذلك الهجمات الإليكترونية. مما يؤدى إلى عزل الحكومة الأوكرانية واستبدالها بحكومة موالية لموسكو.. واحتمالات نجاح هذا السيناريو ممكن فى ظل تقدم القوات الروسية لكنه سينتج عنه حكومة هشة تنذر بإحداث تقلبات سياسية فى البلاد.. أما السيناريو الثانى فيشير إلى طول أمد الحرب حيث تستغرق القوات الروسية وقتا أطول فى السيطرة على الأراضى الأوكرانية حتى ولو تمكنت من دخول كييف فإنها ستجد صعوبة فى إحكام السيطرة عليها.. ولا يستبعد الخبراء الحل الدبلوماسى وتواصل الحوار.. خاصة أن المسئولين الروس والأوكرانيين أحدثوا مفاجأة بالتفاهم فى المباحثات التى جرت فى بيلاروسيا.. وإن كانت المحادثات لم تؤت ثمارها لكن أكدت احتمالية حدوثها خاصة فى ظل تدخلات الصين بالضغط والتهديد على الجانب الروسى بعدم شراء الغاز والنفط.


 ومهما انتهت إليه الأوضاع فإن كل يوم يمر ترتفع الفواتير التى يتكبدها العالم سواء اقتصادية أو حتى بشرية بسقوط ضحايا من المصابين والقتلى.. كذلك المزيد من الانكشاف للنظام العالمى المشوه فى ظل التصارع للهيمنة وبسط النفوذ.. ورغم كل ذلك فلن يعود النظام العالمى لما كان عليه قبل هذه الحرب التى ستغير شكل العالم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. فعلاقة روسيا بالعالم ستكون مختلفة وسط توقعات بالقضاء على الرئيس بوتين نفسه سواء من الداخل أو من الخارج.. كذلك تعامل الأوروبيين مع القضايا الأمنية سيختلف سواء خسرت روسيا أو حتى فازت فى هذه الحرب.. لمواجهة مخاطر تهديد روسيا للدول الأوروبية وتمددها داخل الكيان الأوكرانى وسيطرتها على شبه جزيرة القرم.. هذا بالإضافة إلى أن المعاملات الاقتصادية الدولية ستشهد تغيرات جذرية.
القومى لتنمية الأسرة
 على مدار العقود الماضية كانت قضية الزيادة السكانية مجرد جهود عشوائية ومبادرات لم تكتمل ولم تتبلور.. انحصر هذا الدور فى الحملات الإعلانية القاصرة التى كان يقابلها المصريون بالتهكم والسخرية.. ورغم حساسية هذه القضية التى تؤثر على الأحوال المعيشية إلا أن المصريين لديهم عقيدة أن كل مولود يأتى برزقه.. ولأن الدولة أخذت على عاتقها توفير الاحتياجات الأساسية لغير القادرين من تعليم وصحة طوال الأعوام  الماضية.. فلم يعد لدى المواطن محدود الثقافة أدنى دافع للحد من الزيادة السكانية باستثناء المتعلمين الذين يسعون لتعليم أبنائهم تعليما جيدا مدفوع النفقات والتى تتراوح حسب مقدرة كل أسرة.. فى الوقت الذى لا يجد غير القادر غضاضة من تسرب أبنائهم من التعليم واتجاههم لسوق العمل.. كذلك الجانب الصحى الذى يتعامل معه المواطنون حسب قدراتهم المالية.. حتى أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى أن قضية الزيادة السكانية بمثابة أمن قومى تعمل فيه الدولة على تكثيف الجهود للحد من معدلات الإنجاب والارتقاء بالخصائص السكانية وجودة الحياة للمواطنين.. وإعلانه المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية.
 ويعد هذا المشروع فرصة تاريخية لإغلاق ملف الزيادة السكانية التى فشلت فيه الحكومات على مدار أكثر من ٥٠ عاما الماضية منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذى أنشأ المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة وأصبحت القضية تائهة بين استقلال المجلس وتبعيته لوزارة الصحة دون أثر يذكر لمواجهة الزيادة السكانية.
 لكن الآن الوضع مختلف حيث تتوافر الإرادة السياسية التى جعلت من هذا المشروع مشروعا تنمويا شاملا لتنظيم الأسرة.. يتضمن محاور هامة للتمكين الاقتصادى للمرأة وتنفيذ مشاريع اقتصادية تعمل على تنمية الأسرة بأكملها وليست المرأة فقط.. ومحور التدخل الخدمى ومحور التدخل الثقافى والتوعوى والتعليمى ومحور التحول الرقمى ومحور التدخلات التشريعية.. ولأول مرة يتضمن المشروع الحوافز الإيجابية حيث ستحصل الأسرة الملتزمة على حوافز ومكافآت.. وسيقوم المشروع بمنح حوافز مالية للسيدات وتدريب مليونى سيدة على إدارة المشروعات وإتاحة وسائل الصحة الإنجابية بالمجان.. لأن السيدات حينما يعملن سيكون دخلهن أفضل ولن يفكرن فى إنجاب ثلاثة أو أربعة أطفال.. وسيتم تنفيذ المحور الرقمى لميكنة البيانات ومتابعة وتقييم إجراءات تنفيذ المشروع الذى يحمل عوامل نجاحه.. حيث يحتوى على استراتيجية وخطة واضحة تعتبر العنصر البشرى من أهم عناصر القوة الشاملة وليس عبئا.. بشرط الحفاظ على معدلات الزيادة السكانية المطلوبة وتوفير الخدمات التى توفر حياة كريمة للمواطنين الذين يتمتعون بمهارات ومواصفات لرفع معدلات الإنتاج والنمو وليس العكس الذى يقلل من متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى وزيادة البطالة.. حيث تلتهم الزيادة السكانية كل عوائد التنمية.. وهو ما اتضح بالحرص على توزيع العائد على أعضاء الأسرة.. وبذلك تتمكن المرأة لأول مرة من الحصول على كافة حقوقها فى النشاط الاقتصادى.. مما يشجعها على ضبط الإنجاب.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة