محمد على باشا بانى مصر الحديثة
محمد على باشا بانى مصر الحديثة


كنوز| اللي بنى مصر كان في الأصل الوالي «محمد علي باشا»

عاطف النمر

الأربعاء، 09 مارس 2022 - 05:41 م

فى 4 مارس من عام 1769 جاء إلى الدنيا مولود يدعى محمد على المسعود بن إبراهيم آغا القوللى الذى لعب فى تاريخ مصر دورا مجيدا، اطلق صرخته الأولى كأى مولود جديد فى وجه الدنيا فى مدينة «قولة» بشمال اليونان لأسرة ألبانية، والده كان رئيسا للحرس المنوط به خفارة الطريق وكان يتاجر فى التبغ، توفى والداه فكفله عمه «طوسون» الذى كلفه بالبحث على القراصنة المنتشرين فى بحر إيجه ونجح فى القبض عليهم.

ثم تولاه حاكم «قولة» بعد وفاة عمه وأدخله سلك الجندية كرئيس للكتيبة الألبانية التى أرسلتها الدولة العثمانية لمحاربة الفرنسيين، وتمت ترقيته ليصبح قائد حرس حاكم «قولة»، وجاء محمد على إلى مصر ضمن القوات الألبانية المشاركة فى الدفاع عن مصر ضد الحملة الفرنسية ولم يكن تعدى الثلاثين من عمره.

وهنا سيبدأ القدر والظروف فى صياغة تاريخ جديد ومغاير لمصر على يد هذا الرجل بعد خروج الحملة الفرنسية، استطاع أن يعتلى عرش مصر بعد أن ثار الشعب على سلفه خورشيد باشا، فتولى الحكم بإرادة شعبية فى 17 مايو 1805 بعد أن بايعه أعيان البلاد بقيادة الزعيم عمر مكرم بعد فترة من الاضطرابات بين العثمانيين والمماليك، وأصدر السلطان العثمانى سليم الثالث فرمانا بذلك، كان المماليك يرون أنهم أحق بحكم مصر.

فتسببوا فى ازعاج كبير لمحمد على ولم تنفع معهم كل محاولات الإرضاء، فكان لابد لمحمد على أن يتخلص منهم بمذبحة القلعة عندما دعا زعماءهم بحجة التشاور معهم، ثم أمر بإغلاق أبواب القلعة الضخمة خلفهم وأمر جنوده بإطلاق النار عليهم، واستطاع بعضهم الفرار بالقفز بجيادهم من فوق أسوار القلعة، ومن بينهم إبراهيم بك الذى هرب إلى السودان، وعاد بعد ٣ سنوات ليقتل بخدعة شبيهة بمذبحة القلعة.


التاريخ يحفظ لمحمد على باشا أنه كان صاحب عقلية إصلاحية عبقرية إلى جانب أنه محارب شجاع أراد أن يبنى امبراطورية مصرية مترامية، واستطاع بجيشه الذى كان يقوده ابنه إبراهيم باشا ضم الحجاز ونجد، واستطاع القضاء على فلول المماليك فى النوبة والسودان، وساعد السلطان العثمانى فى القضاء على الثورة فى اليونان، ومنحه السلطان «جزيرة كريت» التى رآها تعويضاً ضئيلاً بالنسبة لخسارته فى «حرب المورة»، ذلك بالإضافة إلى بعد الجزيرة عن مركز حكمه فى مصر وميل أهلها الدائم للثورة.

وقد عرض على السلطان العثمانى إعطاءه حكم الشام مقابل دفعه لمبلغ من المال إلا أن السلطان رفض لمعرفته بطموحاته وخطورته على حكمه، وقام بمهاجمة عكا وتمكن من فتحها واستولى على الشام وانتصر على العثمانيين 1833 وكاد أن يستولى على «الآستانة» إلا أن روسيا وفرنسا وبريطانيا تدخلوا لحماية السلطان العثمانى فانسحب عنوة وأجبروه على التراجع فى مؤتمر لندن عام 1840 بعد تحطيم إسطوله فى «نفارين» وفرضوا عليه تحديد أعداد الجيش والاقتصار على حكم مصر لتكون حكماً ذاتياً يتولاه من بعده أكبر أولاده سنا.


من أبرز الإنجازات التى تحسب له فى بناء مصر الحديثة: إنشاء المدارس وتعليم أبناء المصريين، فى مدرسة المهندسخانة ومدرسة الطب، وإنشاء جيش كان أقوى من جيش الدولة العثمانية مما أقلق أوروبا منه، فاتفقت على تحجيمه بمعاهدة لندن، ويحسب له إعادة توزيع الأرض بواقع خمسة أفدنة للفلاح فيما يعرف بأكبر إصلاح زراعى شهده العالم، وأعاد الاهتمام بالنيل وحفر القنوات والترع مثل الإبراهيمية وبحر يوسف، ورمم مقياس النيل، فزادت الرقعة الزراعية ملايين الأفدنة بفضل سياسته الإصلاحية وإنشاء القناطر الخيرية التى أحيت الدلتا.

وأعاد التقسيم الإدارى لمصر واهتم بتقسيم الصعيد إلى مديريات، ونجح فى إنشاء الوزارات والدواوين، وتخلص من المماليك الذين أصبحوا عبئًا على الدولة، وأعاد فتح السودان وضمه إلى مصر لاستثمار خيراته، ونجح فى اكتشاف منابع النيل، واستورد أنواعًا غير مألوفة من الزراعات مثل القطن وزرعه بمصر والسودان.

وإرسال البعثات إلى الخارج والاهتمام بالترجمة التى توقفت منذ عهد العباسيين، وأظهر محبته لعلماء الأزهر ورعايته لعلماء الدين، وأحضر المطبعة وأنشأ أول جريدة باللغة العربية «الوقائع المصرية»، وجعل مصر ملاذًا للهاربين من طغيان العثمانيين، وإنشاء المستشفيات التى عالجت الأمراض المتوطنة فى مصر والسودان، ونجح فى ردم البرك والمستنقعات التى حولها لمزارع وحدائق، ولو استفضنا فى ذكر مآثره التى جعلت مصر دولة حديثة لها قوة إقليمية فلن ننتهى.


عانى محمد على باشا من المرض وظهرت عليه أعراض الشيخوخة وأصبح توليه عرش الدولة أمرًا مستحيلاً، فتولى ابنه إبراهيم باشا إدارة الحكم لستة أشهر فقط، وتوفى عام 1848، وخلفه عباس حلمى ابن أخيه طوسون، وعاش محمد على بعد وفاة ابنه إبراهيم التى لم يبلغ بها بضعة شهور إلى أن توفى فى قصر رأس التين بالإسكندرية فى 2 أغسطس 1849 ودُفن فى جامع القلعة.

وكانت جنازته قليلة الحضور والمراسم بسبب الوالى عبّاس حلمى الذى اختلف كثيرا مع جده وعمه إبراهيم، لأنه كان يحمل لهما على ما يبدو شيئًا من الضغينة، لكن الخديو إسماعيل باشا خلد ذكرى جده محمد على باشا عندما أقام له تمثالا بمنطقة المنشية بالإسكندرية فى احتفال رسمى عام 1872، صممه النحات الفرنسى «الفريد جاكمار» بتكلفة 2 مليون فرانك، رحم الله بانى مصر الحديثة وأوقدوا له الشموع فى عيد ميلاده الـ 253.


من «عدة مصادر»

إقرأ أيضاً|البابا ثيودروس يزور رئيس أساقفة كريت 

 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة