صرخاته تملأ قاعة المحكمة
صرخاته تملأ قاعة المحكمة


ومن الحب ما خدع

جودت عيد

الخميس، 10 مارس 2022 - 07:48 م

كانت صرخاته تملأ قاعة المحكمة ..

ظل يردد بصوت مرتفع «تعبى وشقايا راح فى جوازة فشنك»، حاول محاميه تهدئته، فالأمر يحتاج إلى هدوء قبل اتخاذ أى قرار، لكنه ظل يصرخ ويلطم، ثم جلس مفترشا الأرض أمام محكمة الأسرة حتى غادر من كان معه، بعدها أخذ نفسا عميقا وأطبق بكلتا يديه على وجهه، ثم نهض وغادر المحكمة فى حسرة..

قرر ذلك الفتى أن يعود إلى موطن غربته وليس إلى بلدته التى ولد وترعرع فيها ..

وكأنه أراد الهروب مٍن الناس ..

اختار أن يبدأ من جديد ويتناسى عاما من الخديعة مع زوجة لم تحتج منه أكثر من المال.

ما دار فى قاعة محكمة الأسرة بسوهاج، كان أشبه بفيلم تراجيدى يسرد فيه البطل مأساته أمام المشاهدين، تحدث ذلك الفتى عن عام من الغدر عاشه مع زوجة خدعته، واستولت على كل ما يملك بعد أن أوهمته بالحب، ثم قررت خلعه، وكأنه حذاء أرادت استبداله بعد أن اشترت الأفضل والأحدث منه.


وقف الشاب الصعيدى أمام القاضى يسرد مأساته ويطلب العدالة، كانت دموعه تسبق كلماته، ويديه تلوح يمينا ويسارا، حتى إنه لم يترك لمحاميه دقيقه واحدة للحديث والدفاع عنه ..

الأحداث التى عاشها لن يعبر عنها سواه، قسوتها لا يتحملها إلا هو، بعد أن أدرك أن مشاعره كافية لنقلها إلى قضاة المحكمة لأخذها فى الاعتبار عند الحكم.


بدأ الزوج سرد مأساته، فقال: «سيدى القاضى أنا لا أعرف موقفى فى المحكمة، هل أنا جان أم مجنى عليه ..

زوجتى التى عاشت معى عاما كاملا، تقف أمامى الان، وتطلب من عدالتكم القضاء بخلعى منها، والأدهى أنها ادعت زورا وبهتانا، ووصمتنى بأمور ليست بى، لكن أنا لست هنا لتوسلها للعودة، بل حضرت لكشف نواياها غير البريئة، والدفاع عن حقى وسنوات غربتى التى عشتها بعيدا عن وطني، حيث كنت أعمل ليل نهار من أجل أن أفتح بيتا ويكون لى أسرة مثل الآخرين».


نعم سيدى القاضى أنا ابن محافظة سوهاج، أنحدر من إحدى قراها، حاصل على دبلوم مهنى، وزوجتى التى تقف أمامى الآن، حاصلة على مؤهل عال وتعيش فى المدينة، لا تربطنى بها أى صلة، بل رشحها لى


أحد زملائى فى الغربة فهو جار لها، واستطاع فتح قنوات اتصال بيننا «..تعارفنا وتحدثنا، حتى أخبرتها بحبى لها، وشعرت معها بالراحة، فكثيرا ما كانت نصائح زملائى امام عينى هى نبراسى فى اختيار شريك عمرى لقلة خبرتى فى الحياة ..

كلهم نصحونى أن اتزوجها قالوا « تزوج من تربى اولادك وتقودهم الى طريق العلم والنور ..وتدفعهم الى التفوق وتسهر ليل نهار على راحتهم»


أخذت بهذه النصيحة وضعتها نصب عيني، ارسلت والدى الى اسرتها، وبدأت إجراءات الارتباط، حتى تحدد موعد الخطبة ..قررت وقتها النزول من السعودية الى سوهاج لإتمام كل شىء .


لم أبخل عليها سيدى القاضى بشيء ..

وافقت على شروط أسرتها، استأجرت شقة لنا فى المدينة، وجهزتها على الطرق الحديثة ووضعت بها افضل الاجهزة، كما أرادت زوجتى ليس ذلك فقط بل اشتريت لها 120 جراما من الذهب بالإضافة الى توينز عبارة عن خاتم الماظ ومحبس جرام ذهب وكان ذلك مهرا لها ،ووافقت على مؤخر صداق بقيمة 100 ألف جنيه.


كانت كلما طلبت شيئا أحضره لها، وكنت أرسل لها الأموال لتشتريه، حتى إن ما ادخرته فى غربتى طوال 7 سنوات، لم يتبق منه إلا القليل قبل الزواج، فكل الأموال أنفقتها عليها، فى سبيل الفوز بقلبها.


انعقد الزفاف سيدى القاضى، اتفقت مع زوجتى على أن نسافر إلى السعودية بعد شهر العسل، وافقت وكانت السعادة تغمرها، لكن هناك أمور لم تكن تعلمها هذه الزوجة، كان هناك ضغط شديد من أسرتى، حذرونى من هذه الفتاة وأسرتها، قاطعنى والدى وطلب منى تركها واستعادة الهدايا والمهر الذى قدمته لهم، وكان ذلك قبل أيام من الزواج.


شعر والدى أن هذه الاسرة تطمع فى مالى، لكننى لم أكن أشعر بهذا الأمر، كنت سعيدا بجمالها وثقافتها التى كانت تفوق عقلى، كنت مثل الطفل الذى يظل ساعات يتابع فيلمه المفضل، ويقلد بطله، نعم كانت بطلى الذى يمهد لى طريق عملى ويخطط معى المستقبل، حتى أدركت بعد ذلك انها كانت تخطط لمستقبلها ولأسرتها فقط.


كثرة الضغوط على سيدى القاضى ..

قرر والدى عدم حضور زفافى، حاولت معه لكنه أصر على موقفه، شعرت وقتها بضيق وحزن شديد، وهذا الأمر انعكس على حالتى، لم أستطع مواقعة زوجتى، مررت بحالة نفسية سيئة، انتهى شهر العسل دون أن أقترب منها، كل ما كان يشغلنى وقتها والدى، فهو بالنسبة لى كل شىء، سافرت على أمل أن يغير موقفه بعد الزواج وهو ما لم يحدث حتى هذه اللحظة، مازال يقاطعنى ولا يتحدث معى.


لم أستطع سيدى القاضى الاستمرار فى سوهاج، قررت اصطحاب زوجتى والسفر إلى عملى فى السعودية، لكن حدث ما كان يتوقعه أبى .. وجدت نفسى أعيش مع زوجة لا يهمها سوى المال وسعادة أسرتها المكونة من «أبيها وأمها وشقيقها» كانت تستولى على أموالى وترسلها الى والدها بحجة أنه مريض.


طلبت منها أن تتوقف عن ذلك وأن تعمل على إرضاء والدي، وأن ما أمر به معها سببه حزنى من غضب والدى علي، لكن إجابتها كانت صادمة..

قالت «أبوك كبر وخرف..سيبك منه» وقتها لم أتمالك نفسى صفعتها على وجهها، وبعد يومين حجزت لها تذكرة إلى سوهاج، وطلبت منها الجلوس فى شقة الزوجية حتى تهدأ الأمور بيننا وينصلح حالى وأعود إلى مصر.


لكن ما حدث كان أكبر من ذلك، استولت تلك الزوجة على الشقة، غيرت أقفالها واستبدلتها بأخرى، منعت أشقائى من الاقتراب منها، حتى فوجئت بعدها بأيام بشقيقى يخبرنى أن زوجتى أقامت دعوى خلع وبعدها بأيام تلقيت إعلانا بالقضية.


جن جنونى سيدى القاضي، لم أستطع الانتظار ولو لدقيقة واحدة فى الغربة، حررت توكيلا لأحد أصدقائى المحامين ..

طلبت منه متابعة القضية حتى عودتى إلى مصر، واليوم جئت الى هنا طالبا حقى من هذه الزوجة.


نعم سيدى القاضى «خلع هذه الزوجة لا يعنينى فى شىء، أريد شقى عمرى، 7 سنوات من الغربة أنفقتها على هذه السيدة وأسرتها، وهذه فواتير بكل شىء.


بعد انتهاء الزوج من مرافعته، استكمل القاضى سماع الزوجة ومحاميها، والتى نفت كل ما قاله الزوج .. وتمسكت بطلب الخلع ورفضت الصلح، حتى إنها عددت أسبابها للخلع من زوجها أمام القاضى قالت «استحالة العشرة معه، وأن زوجها لا يستطيع القيام بواجباته الزوجية وهى لاتزال عذراء رغم زواجها منذ عام».
..

بعد مداولة القضية أكثر من جلسة قضت المحكمة بتطليق الزوجة خلعا، تأسيسا على توافر شروط الخلع وألزمتها برد المسمى فى العقد.
كان هذا الحكم بمثابة الصاعقة على الزوج، خرج من المحكمة حزينا غاضبا، شعر أنه خسر كل شيء، فالحكم لن يعيد له حقه كاملا، ما يتعلق بالخلع هو راض به، أما رد الزوجة ما اشتراه لها من مهر ومنقولات لن يحدث، أدرك أنه وقع فى مخطط شيطانى رسمته له الزوجة وأسرتها، فلن ترد سوى الأجهزة الكهربائية فقط الواردة فى عقد الزواج ..

لكن أين الذهب والألماظ الذى اشتراه لها والأموال التى حولها إلى أسرتها.


قرر الزوج السفر إلى السعودية، تاركا لمحاميه حرية التصرف، فقد شعر أن وجوده لم يعد له أى أهمية بعد أن قاطعه الجميع، ليبدأ محاميه استغلال حكم المحكمة الذى فتح له الطريق فى طلب حقوقه بدعوى مستقلة أمام محكمة أخرى ..

وبالفعل أقام دعوى جديدة وطلب إلغاء الحكم المستأنف ضده وإلزام الزوجة بأداء قيمة المهر وعاجل الصداق الحقيقى.


ذكر محاميه فى دعواه «أنه فى حالة طلب الزوجة التطليق خلعا وجب عليها رد المهر الحقيقى عملا بالرأى الراجح فى المذهب الحنفى الذى يجوز معه الدفع بصورية المهر المسمى فى العقد وإثبات ذلك الدفع بكافة طرق الإثبات.


كان الزوج يتابع مع محاميه يوما بيوم، يرسل له فواتير الذهب والألماظ الذى اشتراه لزوجته، وكذلك قائمة بأسعار الأجهزة الكهربائية التى وضعها فى شقة الزوجية على أمل ان يسترد له القضاء حقه، ويعيد له شقى عمره الذى أنفقه على زوجة كان كل همها الطمع فى ماله.
تداولت القضية أكثر من جلسة، أحضر الزوج شهوده، وأحضرت الزوجة شهودها، الكل أدلى بشهادته، لتكون الكلمة الأخيرة للمحكمة، وتقضى بحكم عادل وسريع، فتلزم الزوجة بأن ترد لزوجها المنقولات المبينة وصفا بقائمة الجهاز وهى حجرة نوم وسفرة وأنتريه وجميع الأجهزة الكهربائية بأنواعها المبينة بقائمة الجهاز.


كما ألزمت الزوجة برد 120 جرام ذهب عيار 21 وخاتم ألماظ ومحبس ..

وأكدت المحكمة أنه فى حالة هلاك هذه المنقولات تلتزم الزوجة بأن تؤدى إلى زوجها مبلغ 160 ألف جنيه قيمة المنقولات وكذلك قيمة المهر «الذهب والألماظ»..

لكن حسب سعر الجرام يوم الأداء لها..

شعر الزوج بالسعادة، أدرك أن تعبه وغربته لم يذهبا سدى، عاد إلى بلدته، احتضن والده وقبل قدميه وطلب قبول اعتذاره، ثم قرر العودة منتصرا إلى غربته، على أمل أن يرزقه الله بزوجة صالحة ترعى ماله وتحفظ الود وصلة الرحم مع أسرته.

 

الشريعة  وإثبات  المهر

فى هذه الدعوى كانت المحكمة ملمة بكل جوانبها، استمعت إلى شهود الإثبات من الطرفين، واطلعت على المستندات مثل قائمة المنقولات الزوجية، أصول الفواتير التى اشترى بها الزوج الأجهزة، والمهر من ذهب وألماظ.


وأكدت المحكمة أنها اطمأنت لهما ثم أصدرت حكمها، مستندة إلى أن المقرر عرفا «والمعروف عرفا كالمشروط شرطا» أن مقدم مهر الزوجة فى ظروف مجتمعنا هو تلك المنقولات التى يجهزها الزوج والمصوغات الذهبية المقدمة إليها، ولذا فإن الزوجة تلتزم بردها إذا أرادت التطليق خلعا وإثبات الزوج أنها من مقدم ومعجل الصداق.


وردت المحكمة على دفع محامى الزوجة بأن الوارد فى قائمة المنقولات الزوجية وما يقدمه الزوج للزوجة غير مثبت بعقد الزواج ولا يخرج عن كونه هدية ولا يلزم رده ..

واكدت المحكمة انه ليس من المتصور عقلا أن يقدم الزوج عند زواجه من زوجته أيا كانت منقولات ومجوهرات قد تصل الى مايقرب مليون جنيه ويكون ذلك على سبيل الهدية ،حيث أنه يعد مخالفا للشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع ،و أيدت إدارات الفتوى بالأزهر الشريف حق الزوج فى رد جميع ما قدم للزوجة من صداق فى حال طلبها الخلع.

 

اقرأ أيضاً| قتل صديقه وتخلص من الجثة.. تفاصيل جديدة بقضية «قتيل شبين»

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة