أحمد صفوت
أحمد صفوت


أحمد صفوت يكتب: مقال بدون عنوان 

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 10 مارس 2022 - 08:34 م

لم يحدث من قبل أن تلعثمت وارتبكت  واحترت .. وانتهى بي الأمر بأن أكتب مقالا بدون عنوان .. وأنا من شهد له عديدون بنعمة الله عليه فى إجادة إختيار العناوين الجذابة والمعبرة لأى موضوع صحفى سواء تحقيق أو خبر أو حوار صحفى او حتى تقرير .. فكيف يكون الأمر عندما يتوقف العقل .. ويجف حبر القلم عن أن يسيل بعنوان لهذا المقال الذى لأسيما أننى ترددت كثيراً فى كتابته لأنه مقال له طابع خاص جداً بالنسبة لي .. ونظراً لأننى من مدرسة فريدة فى كتابة المقال .. فالأمر غالباً ما يبدأ بأن يرزقنى ربى بعنوان رنان يهمس إلى أذنى فيبهرنى فأكتب عليه مقال وليس العكس كما هو المعتاد .. إلا أحياناً قليلة جداً عندما تشغلنى قضية ما تستلزم مني  الكتابة بها . وحتى لا أطيل عليكم .. فهذا أول مقال أكتبه لأنه عن شخص هو كان مرجعى الأساسى فى كل كلمة أكتبها .. وكنت دائماً أول ما أسأله عنه هو رأيه فى العنوان .. شخص رزقه الله بقدر عال من العلم والثقافة .. شخص رحل عن عاملنا يوم " 10 مارس 2018 "  

 شخص رحيله كسرنى وهزنى بشكل لا يمكن أن يتخيله أحد .. وحتى أنا نفسى لم أكن أتخيل ليوم واحد أن رحيله سيكون بمثابة ما حدث معى .. قد يكون لأنه دائما كان يمثل لي مصدر القوة التى لا يمكن أن تنهار .. حتى لآخر لحظة فى حياته لم يمرض ولم يبلغنا أنه بلغ من العمر عتيه .. أقسم أن القلم يرتعش وأنا أكتب هذه الكلمات وغير قادر على كتابة اسمه .. إنه والدى أبى الذى فارق الحياة منذ وهو بكامل قوته وحنيته وحكمته ووعيه بكل شئ .. لم أكن أتخيل للحظة أننى عندما تركته فى التاسعة مساءاً لمدة ساعتين لتناول الطعام .. أننى سأعود وأجده بين يدى الرحمن .. لم أتخيل حتى الآن أن والدى فى ذمة الله  .. لا زال أبى يظهر رقم هاتفه المميز على شاشة هاتفى المحمول عندما أكتب بداية اى رقم يشبه رقمه .. لا زلت أضع صورك حولي  فى كل مكان فى مكتبى .. أتحدث يومياً معك وأدعو لك أنت ووالدتى التى تركتنا قبل سبعة عشر شهراً من وفاته .. كنت أتوقع أن وفاة والدتى ستكون أصعب شئ فى الكون .. ولكن فترة مرضها مهدت إلينا كثيراً على عكس ما حدث معك يا حبيبى .. نعم حبيبى وصديقى وأعز الناس إلى قلبى .

لم أنس يا أبتى عندما كنت تقول لي أنك أنت إبنى وأنا والدك لم أنس يا والدى خلافاتنا المستمرة ومجادلاتنا الدائمة بحكم أننى الابن الأكبر ورغم هذا لم يمر دقائق على خلافتنا وينتهى الأمر بالضحك والمزاح والمصالحة المستمرة .. كُنت نِعم من يحتوينى فى فترات غضبى وعنادى لأنك كنت تتفهم أنه غضب الحبيب لحبيبه .. لم أكن أتخيل أننى أشبهك بكل هذه الصورة .. أبى أنا نسخة طبق الأصل منك .. حتى فى ردود فعلي .. ونفسى الذى يخرج مني .. وأنا سعيد وأنا مريض وأنا قوى وأنا ضعيف .. أبى صدق من قال " اللى خلف ما ممتش " أذكر يا أبتى فى آخر يومً لك فى الحياة عندما كنت أمزح معك بأننا مختلفين دائماً ولكننا أصدقاء .. فرفضت أنت مصطلح مختلفين وأكدت لي أننا أصدقاء مدى الحياة .

 لم يتخيل أحد يا أبى قدر محبتك لأمى وأنك بالفعل لم تهنأ للحظة واحدة بعدها .. بل وفاجأتنا بذهابك لها فى هدوء تام .. لم أنس يوم عزائك وأنا أبحث عنك لنستقبل الشخصيات العامة التى حضرت لك كما كنت تفعل معى فى عزاء والدتى .. كنت أبحث عنك والدموع تملاء عينى كانت أول مناسبة تتركنى فيها يا حبيبى .. أقسم لك يا أبتى أن دموعى تملأ عينى وتكاد تتساقط على الأوراق وأنا أكتب  مقالاً عنك بلا عنوان .. لأنى لم أجد عنوانا يعبر عما أريد قوله .. ولتعتبرها يا أبى بمثابة رسالة لك وليس مقالة .. وأخيراً وليس آخراً حتى لا أطيل الثناء على شخص هو جزء لا يتجزأ منى .. وحتى لا أقحمكم بمشاعرى الحزينة .. إلى من كان والديه على قيد الحياة إقتربوا منهم أحضنوهم قبلوهم لا تناقشوهم مهما طلبوا منكم بخلاف إن كانت طلباتهم تحض على معصية الله والعياذ بالله .. فيما عدا ذلك فلا تصدرون سوى إجابة واحدة وهى " نعم " سمعاً وطاعة .. قبلوا قدميهم .. فلم أجد فى حياتى أجمل من طعم قدمى والدى .. والله لو عادت بي الأيام ما تركت قدميهما  قط إلا للضرورة القصوى .. قبلوا أيديهم .. تنعموا فى أحضانهم .. وأستمتعوا برائحتهم .. كونوا فقط مصدر سعادة لهم .. لا تقُصّوا عليهم سوى الأخبار السارة .. إكذبوا عليهم فى أى قول تسبب لهم أى ضيق أو تحزنهم .. اتقوا الله فى ما رزقنا .. وأختم ما هو بلا عنوان بأعظم آيات رب العباد: 


" وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا " ( الإسراء 23 )

"وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" ( الأحقاف 15 )

"وإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" ( لقمان 15 )

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة