جلال عارف
جلال عارف


في الصميم

صراع الكبار.. إلى أين بعد «أوكرانيا»؟!

جلال عارف

الجمعة، 11 مارس 2022 - 08:35 م

عندما تسكت المدافع فى أوكرانيا، ويبدأ البحث الحقيقى عن الحل السياسى.. سوف نرى بكل وضوح أن عناصر الحل كانت موجودة على الدوام، لكن أطراف الصراع «الحقيقيين» كانوا يتجاهلونها، لكى نصل إلى لحظة الصدام الذى كانت أوكرانيا ساحته.. وضحيته الأساسية!

عناصر الحل السياسى لأزمة أوكرانيا كانت على الدوام موجودة. حياد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى «الناتو»، مع ضمانات أمنية لكل الأطراف ومصالحة وطنية داخل أوكرانيا تحفظ وحدتها وتحافظ على حقوق كل مواطنيها. تعقدت الأمور عندما أصبحت أوكرانيا جزءا من صراع أكبر. ثم عندما أصبحت مساحة لهذه الجولة من الصدام بين أكبر القوى النووية فى عالم يعيش فترة صعبة وهو ينتقل من نظام عالمى فقد صلاحيته إلى نظام جديد لم تحدد ملامحه حتى الآن.
بالتأكيد.. لابد أن تكون الجهود السياسية الآن مركزة على منع التصعيد وايقاف الحرب فى أوكرانيا. تجنب الأخطاء من جانب القوى الرئيسية فى الصراع مطلوب بشدة بعد أن ارتفعت مخاطر اتساع الحرب ومع استنفار القوى النووية فى الجانبين. عندما يبدأ التفاوض الجاد بين الأطراف الأساسية فى الصراع لن يكون التوافق حول وضع أوكرانيا عقبة على الاطلاق. العقبة الحقيقية ستكون فى إدراك هذه القوى «أمريكا والغرب»، إلى أننا أمام نتائج ثلاثين عاما من فشل محاولة الهيمنة المنفردة على العالم من جانب أمريكا.

ومن غياب أسس عادلة لتنظيم العلاقات الدولية.
المشكلة أن الأطراف الرئيسية ستجد أن الحرب فى أوكرانيا قد زادت الاوضاع تعقيدا. الأطراف التى تعاملت مع روسيا باستهانة بالغة بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، وحاولت إذلالها، وعملت على حصارها، سوف تدرك أن الخطأ كان فادحا. وأن الحرب كانت إحدى عواقبه، وأن طريق الحل بعد ذلك لن يكون بالمزيد من محاولات الحصار وفرض العقوبات، وإنما بالبحث عن خلق الثقة المتبادلة وتقديم الضمانات الأمنية لكل الأطراف.
وروسيا سوف تجد نفسها - بعد حرب أوكرانيا- فى مواجهة أوروبا أكثر تشددا.. ألمانيا التى كانت الأكثر تفهما وانفتاحا على التعاون مع موسكو أوقفت خط الغاز الثانى من روسيا، وغيرت من سياستها الثابتة منذ الحرب العالمية الثانية لترصد ١٠٠ مليار للدفاع وميزانية سنوية ٢٪ وترسل السلاح لأوكرانيا«!!» والسويد وفنلندا تطرح فيهما فكرة الانضمام إلى «الناتو»، بعد طول حياد«!!»
وسلاح العقوبات وحصار المقاطعة لن يكون سهلا تحمل تكلفتهما الباهظة!

عندما تسكت المدافع فى أوكرانيا، سيكون على الأطراف الأساسية فى الصراع أن تعيد حساباتها، وأن تفتح الملفات الرئيسية التى لم يعد ممكنا تجاهلها، وأن تبدأ التفاوض الحقيقى من أجل نظام أمن يضمن مصالح كل الأطراف ويبعد شبح الحرب عن أوروبا والعالم. وسيكون السؤال هو: هل يستوعبون الدرس، ويدركون أن موازين القوى فى العالم تتغير، وأن توازن الرعب النووى لا يمكن تجاهله، وأنه لا بديل عن تعايش سلمى حتى مع اختلاف الرؤى وتضارب المصالح.. أو انتظار جولة أخرى وضحايا جدد فى صراع الكبار الذى يدفع العالم كله ثمنه الفادح!

كل شىء وارد فى صراع الكبار.. لا شىء حتى الآن يطمئن إلى أنهم سوف يستوعبون الدرس.. لكن يبدو لافتا انه رغم احتدام الحرب فى أوكرانيا فإن الطرفين الرئيسين «روسيا وأمريكا» كانا حريصين على عدم التورط فى القتال المباشر رغم التحريض المستمر. وأن قنوات الاتصال الدبلوماسى والمخابراتى لم تغلق أبدا. وأن المدافع حين تسكت سيعرف الكل أنه خاسر!!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة