علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب


يوميات الأخبار

مارس.. شهر الشهداء والشهيدات

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 15 مارس 2022 - 06:50 م

ثمة تساؤل: لماذا لا تكون حياة رياض التى وهبها لوطنه وجيشه ، موضوعاً لفيلم سينمائى طويل ،تمتزج فيه ملامحه الإنسانية بشخصيته العسكرية الفذة؟

مازال الحدث الجلل محفوراً فى الذاكرة وعلى جدران القلب بعد كل هذه العقود.

كانت حرب الاستنزاف فى أوجها، ومشاعر الفخر والثقة والكرامة تجتاح الجميع، من أصغر من تفتح وعيهم، وتجاوزوا طفولتهم فجأة من أبناء الجيل الذى انتمى إليه، مروراً بشباب الوطن ممن دعوا لتلبية النداء، وارتدوا الزى العسكرى، وانخرطوا فى صفوف الجندية، وليس انتهاء بجيل الآباء والأجداد، الجميع دون استثناء يتحرقون شوقاً للحظة الخلاص والثأر، الخلاص من مشاعر الهزيمة الظالمة، والثأر من عدو غادر.

فى هذه اللحظات الدقيقة من عمر الوطن ضربنا الخبر.

الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان الجيش المصرى استشهد فى موقع على حافة القناة، وسط جنوده، بينما كان يوجه سير المعارك المحتدمة حيث تحطمت على صخرتها، مشاعر الغرور والخيلاء التى سيطرت على العدو، حين تصور أن ما حدث فى ٥ يونيو ٦٧ يضمن له تحقيق أحلامه!

لكن شعب مصر وجيشها وقيادتها قدروا ما حدث ،على أنه مجرد معركة فى حرب طويلة، وأن الجولة الحاسمة لم تأت بعد.

الحرب لم تنته، لأن ما حدث فيما أسمته إسرائيل حرب الأيام الستة، مجرد جولة لم يحارب فيها الجندى المصرى، ومن لحظتها رفض الاستسلام للهزيمة أو القبول بمنطق العدو، وتبنى شعار القيادة: «أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» وانطلقت الحناجر تعبر عما تكنه الصدور التى تكاد أن تنفجر من الإحساس بالظلم: «حنحارب.. حنحارب».

وعندما أعلن الرئيس عبد الناصر تغييراً جذرياً فى قيادة الجيش، وتم تعيين الفريق رياض رئيساً لأركانه ،أدرك الجميع أن الطريق الصعب للنصر أصبح واضحاً، لأن القيادة الجديدة مخلصة ومحترفة، تعرف ما يريده المصرى، وتستجيب لإرادته بالعمل والفعل، لا بالشعارات الرنانة.

كلما استدار العام، واستقبلنا يوم الشهيد فى ٩ مارس تتداعى للذاكرة أحداث ذلك اليوم، الذى كان لحظة فارقة فى حياة المصريين.
لم يسبق قبلها أن استشهد رئيس أركان أى جيش وسط جنوده، وفى الخط الأول للقتال، فى أى جيش فى العالم.

لكن ذلك حدث فى مصر، لأن أرضها تنبت خير أجناد الأرض، بشهادة خاتم المرسلين.

لا أنسى ما حييت صور الطوفان البشرى الهادر فى جنازة، أو قل عرس الفريق رياض، والرئيس عبد الناصر على رأس من يزفون الشهيد العظيم، وبريق الدموع يلمع فى عينى الزعيم، الذى راهن على رياض عندما بدأ إعادة بناء جيش التحرير.

من أعرفهم من جيران وأقارب ضباطاً ومجندين،كان يختلط فى أحاديثهم القسم على الثأر للفريق الشهيد، باستعجال لحظة محو عار النكسة.

مرت الأيام، وتم كشف النقاب عن بعض ملامح فكر رياض، الذى أصر أن تكون استعادة الأرض المحتلة عبر القتال، رغم عروض الانسحاب الكامل عن سيناء، شرط أن تتخلى مصر عن توجهها القومى والتحررى، فالبطل كان يرى خطراً ماحقاً ينال من تاريخنا ومستقبلنا، إن قبلنا بصفقة من هذا النوع!

وعندما تم إنتاج فيلم تسجيلى قصير عن الفريق رياض، كان واضحاً مدى جلاء رؤيته للكثير من الأمور، ليس فقط على الصعيد العسكرى فحسب، وإنما على الأصعدة كافة: السياسية والفكرية، الوطنية والقومية، يمكن أن ترفعه إلى مرتبة المفكر الاستراتيچى رفيع المستوى.

وثمة تساؤل: لماذا لا تكون حياة رياض التى وهبها لوطنه وجيشه موضوعاً لفيلم سينمائى طويل، تمتزج فيه ملامحه الإنسانية، بشخصيته العسكرية الفذة، ودوره فى إعادة بناء القوات المسلحة، وقيادته تخطيطاً وتنفيذاً لحرب الاستنزاف حتى استشهاده؟

أتمنى ألا يطول الوقت حتى نرى ونسمع إجابة عملية، تكون هدية لروح الفريق رياض، على هامش الاحتفال بذكرى مرور ٥٠ عاماً على نصر أكتوبر العظيم.

يوم المرأة.. بتوقيع أول شهيدة
النساء شقائق الرجال.
وإذا مددنا الخط على استقامته، فإن يوم المرأة المصرية تم تعميده بدماء أول شهيدة صرعتها رصاصات غدر المحتل الانجليزى، فى أول مظاهرة نسائية إبان ثورة ١٩.

يوم آخر من أيام شهر مارس، كان بمثابة لحظة فارقة فى تاريخ مصر.
 ١٦ مارس ١٩١٩ تاريخ روته دماء حميدة خليل، ثم توالى طابور الشهيدات، لكن فضلها أنها من دشنت نضال المرأة المخضب بالدم الطاهر.
بنات البلد اللآتى خرجن فى أول مظاهرة نسائية، وتصدين بصدورهن لرصاص جنود الاحتلال، هن جدات من سقطن من شهيدات على مدى قرن من الزمان.
شهيدات رأيتهن يدفعن حياتهن ثمناً من أجل مصر برصاص الإرهاب الغادر المبرقع بالتأسلم الكاذب، كانت منهن من ترتدى زى ضابطة الشرطة، وأخريات مدنيات مسالمات كل ذنبهن الوقوع فى طريق إرهابيين استهدفوا العزل رجالاً، ونساءً، شيوخاً وأطفالاً فى مدن وقرى الوطن دون تمييز!.
كم تمزق قلبى حين طالعت القسمات الطيبة لوجه العميد نجوى الحجار أول شهيدة فى تاريخ الشرطة المصرية، وبرفقتها النقيب أسماء إبراهيم والعريف أمينة رشدى، مسلمات يقمن بواجبهن فى تأمين كنيسة، فيحصد أرواحهن الطاهرة رصاصات غادرة من فوهات عمياء لبنادق، يصوبها من عميت بصائرهم، لكنهم بفعلتهم الشنعاء كانوا سبباً فى كتابة حفيدات بنات البلد إبان ثورة ١٩، صفحة جديدة فى تاريخ التضحية والفداء، بتوقيع شهيدات مصر فى القرن الحادى والعشرين.

هكذا، فإن يوم المرأة المصرية فى جوهره، احتفاء بالمرأة الشهيدة، التى لا تقل فى عظمتها عن شهداء الوطن من الرجال.

الألعاب الشهيدة فى الأندية الشهيرة!
إذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن الحديث عن الشهادة والشهداء والاستشهاد، يمكن أن يأتى فى سياقه حديث عن الألعاب الشهيدة، وللأسف يحدث ذلك فى بعض الأندية الشهيرة ذات الميزانيات الضخمة، لكن يتم توجيهها للعبة واحدة: كرة القدم!
صفقة للاستحواذ على لاعب واحد، ربما يتم تجميده على دكة الاحتياط، تكفى لإنقاذ العديد من فرق الألعاب الشهيدة، وأبطالها الذين يقبعون فى الظل، لكن هيهات أن يتغير التفكير العقيم، وتبديل حال هذه الألعاب بفرقها وأبطالها الذين أصبحوا شهداء أحياء، يبذلون أقصى ما فى طاقاتهم دون جدوى!.
الألعاب الشهيدة؛ بعضها جماعى، والآخر فردى، إلا أن ما يجمعهم هو تلك النظرة القاصرة المقصرة من إدارات أنديتهم الكبرى، التى تتعامل مع هؤلاء وأولئك بلا تقدير أو اهتمام حقيقى!.

لا ميزانيات، لا مدربون أكفاء، لا ملابس، لا رعاة، لا.. لا..، لا شيء سوى معاملتهم وكأنهم «كمالة عدد» ، أو للمباهاة إن أحرزوا إنجازاً بجهود ذاتية!
يحصدون بطولات وميداليات، لكن لا تقدير لإنجازاتهم، ولا رعاية لمواهبهم، ولا خوف على صحتهم، بل ربما كان العكس صحيحاً!!
مجالس إدارات لا تنظر إليهم نظرة عادلة، اتحادات لا تعنى قياداتها إلا امتيازاتها، من ثم فإن أى مدرب أو إدارى يسير على خطى قيادة ناديه أو اتحاد لعبته لا يمكن لومه، ويظل من يهوى هذه النوعية من الألعاب الشهيدة، شهيداً حياً حتى النهاية!
متى تتم إعادة النظر فى التقييم الظالم لتلك الألعاب، ورد الاعتبار لفرقها وأبطالها؟!

مساء النعناع يا أبو شريف

أخيراً؛ أسدل المساء ستائره على صاحب زاوية «صباح النعناع»!
عبد القادر محمد على، كتابته تشبهه تماماً، كما هو فنه كأحد أعمدة الإخراج الصحفى فى «الأخبار».
عرفته، واقتربت منه على مدى أكثر من أربعة عقود، لكنى أعدت اكتشافه عندما بدأ كتابة زاويته «صباح النعناع» بسخرية تجمع بين اللقطة الذكية، والنظرة العميقة فى آن واحد.

عبده.. عم عبده.. أبو شريف.. أستاذ عبد القادر.. أيا كان ما تناديه به أو تدعوه أو تلقبه، فإنه يقبل ببساطة تنم عن مكنون نفس رائقة بسيطة، لا تشف للوهلة الأولى عن أستاذية لم تكن محل خلاف بين كل من عرفوه عن قرب، من فرط تواضعه.

عاش لمهنته، وجريدته، وبين زملائه وتلاميذه، لا يتصورون أو يتخيلون أن يأتوا لـ «الأخبار» وصالة التحرير بينما هو غائب.
كم من مرض أصابه، وكم من وعكة ألمت به، مرات تطول أزمته الصحية، لكنه فى كل مرة ينتصر بإرادته، ويعود لمقعده الأثير فى صالة التحرير، لا يكف عن الحركة، ولا يخفف من جهده، وكأنه صحفى شاب تحت التمرين يتطلع إلى اللحظة التى يزفون إليه بشرى تعيينه!
هكذا عاش بيننا؛ هاوٍ بكفاءة المحترف، ومحترف بروح الهاوى، إنها سمة العاشق لهذه المهنة التى حين تستولى على حياة من يهب لها عمره، لا تفارقه إلا حين يحين أجله، ويسدل المساء ستائره المطعمة بأوراق النعناع الطازج حتى فى لحظة الفراق.

وداعاً أخى الحبيب الطيب، يا من كان له روح النعناع  ولونه ورائحته، وسيظل عبقه سارياً بيننا، لأنه كان حقيقياً دون تكلف أو ادعاء.
اغرسوا كل صباح عود نعناع أخضر، بين حروف اسمه التى حفرها بقلمه وريشته، على مدى نصف قرن من الزمان، فوق صفحات معشوقته «الأخبار».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة