خضوع الست أمينة لسي السيد نموذج لسينما المرأة الخاضعة للرجل
خضوع الست أمينة لسي السيد نموذج لسينما المرأة الخاضعة للرجل


المرأة في السينما.. بين الخضوع أمام سي السيد والسيطرة على «إمبراطورية ميم»

شريف عبد الفهيم

الأربعاء، 16 مارس 2022 - 01:17 م

لم يكن وجود المرأة في السينما المصرية رفاهية او كمالة عدد، بل كان وجودها عاملاً أساسياً في نشاة السينما وتطورها في مصر.

وأخذت السينما فترة ليست بالقصيرة بين شد وجذب لمحاولة إثبات الذات والوقوف على أرض صلبة فخرجت عدة تجارب كانت من الضعف بحيث اختفت سريعاً وكبدت أصحابها خسائر كبيرة مما أدى إلى انسحاب العديد من المنتجين حتى جاء عام 1927 ليتم إنتاج وعرض أول فيلمين شهيرين هما "قبلة في الصحراء" و"ليلى" ‏وقامت‏ ‏ببطولته "عزيزة أمير"، ‏ ‏أول‏ ‏سيدة‏ ‏مصرية‏ ‏تحترف العمل‏ ‏بالسينما‏.

وكان للنساء في بدايات العمل السينمائي في مصر باع طويل وأدوار فاقت أدوار الرجال في هذا المجال؛ رغم التحفظ الذي كانت تشهده مصر في ذلك الوقت، إلا أن شجاعة البعض من السيدات وخوضهن تجربة الإنتاج خطت بالسينما المصرية خطوات واسعة وفرت سنوات طويلة على العاملين في المجال برغم أن معظمهن فشلن وربما أفلسن في نهاية المطاف.

وصورة المرأة شغلت حيزاً كبيراً من اهتمام السينما العالمية عامة والسينما المصرية على وجه الخصوص منذ وقت مبكر، فقدمت السينما منذ بدايتها استحضاراً لنموذج المرأة وتجسيدا لعالمها الخاص وكينونتها بصورة مختلفة تماما عن صورة الرجل الذي يعد مثالاً للقوى البدنية والعقلية وهو المحرك الرئيس للأحداث، وطرحت علي الوجه الأخر المرأة بشكل سلبي وثانوي. وعلي هذا الأساس، تم طرح المرأة في السينما من جانبين، الجانب الأول: صورتها التي احتلتها الأفلام السينمائية والجانب الآخر المرأة كموضوع سينمائي، وصورتها تعد انعكاساً لدورها الثانوي في المجتمع التي عبرت عنها الرائدات المصريات كعزيزة أمير وفاطمة رشدي وبهيجة حافظ باقتحامهن تجارب الإنتاج والاخراج والتمثيل، وعلى الرغم من إبداع المصريات في مجال العمل السينمائي، ولكن الموضوع السينمائي للمرأة أبتعد عن المرأة المبدعة وصاغ علاقتها الشائكة مع الرجل ولم يسلط الضوء علي قضاياها ومشاكلها.

   

استمرت السينما حتي ستينيات القرن العشرين في تقديم نموذج العلاقة التقليدية بين الرجل والمرأة من خلال عرض صورة المرأة الخاصة بالسلطة الأبوية في كل صورها (الزوج، الأب، الاخ، الابن، الصديق، المدير، الحماة) باستثناء بعض الاعمال التي حاولت أن تخرج من هذا الاطار، وتدعو النساء لمواجهه هذه السلطة مثل: الباب المفتوح، مراتي مدير عام، لا عزاء للسيدات، وغيرها من الافلام . ورغم كل ذلك لم تستطيع السينما المصرية أن ترسم أدوارا نسائية بناءة، ولكن جسدتها بصورة فاتنة ومثيرة، واستغلت جسد المرأة لتحقيق أرباح مادية، ونحو سرد ممتع للنص السينمائي. فلذلك يمكننا القول أن أدوار المرأة الحقيقية متناسية عمدا، ومتركزة علي الاثارة والجنس، وابتعدت كل البعد عن صورة المرأة القوية الحرة القادرة علي التحدي المجتمعي ومواجهة الأزمات، وانضمامها للقوة العاملة والحركة الوطنية أيضا (المكانة الحقيقية للمرأة المصرية).

   

أما سبعينيات القرن العشرين، فشهدت اهتمام النسوية بالسينما للكشف عن الأسباب وراء تشويه صورة المرأة في الأفلام، واتفقت رغم اختلاف توجهاتها علي أن أهم هذه الاسباب هو سيادة السلطة الذكورية  في تقديم واقع مناقض للصورة الحقيقية للمرأة، وأكدوا علي انحياز أعمال المخرجين الذكور لتقديم الأنثي المفعمة بالإثارة والجاذبية، ولذلك نادت بتقديم سينما بديلة تهتم بتناول أدوار المرأة الواقعية، وعرض مشاعرها ومشاكلها بدون تحيز، وذلك لإيمانهم أن السينما هي النموذج الأمثل الذي يتيح معطى شاملا عن المرأة بشكل وهمي بما تصنعه السينما من عناصر التشويق والجاذبية التي تستطيع أن تبرز معان زائفة للواقع المعاش، وبالتالي تتغاضي عن معاناة المرأة وشكواها والإشارة إلى أن كل آمال المرأة تتوقف عند استمتاعها بنيل حياة أسرية ناجحة متوقفة علي الابناء والزوج بعيداً عن طموحاتها الشخصية، وترجع أيضا أهميتها في تشكيل خطورة هذه الصورة لما تشكله من انطباع ذهني للمشاهدين نظرا لتكرار بثها وبناء خبرات تخترق عقائد الافراد وعواطفهم . وهي تعد سلاحا ذا حدين لأنها أيضا أداة فعالة اذا استخدمت في أرساء الوعي الصحيح للمرأة ومحاربة السلوكيات التي يسعي المجتمع لتغييرها، فلابد أن تتناول الأفلام السينمائية قضايا المرأة بشكل تنموي لان هذا يساهم في تشكيل رأي عام لتغيير مناهج الفكر والانماط السلوكية للفرد والمجتمع.

ومصطلح "سينما المرأة" خضع للعديد من الآراء المتناقضة، ولم يتم الاتفاق حوله بشكل قاطع. على سبيل المثال المخرجة اللبنانية ديما الجندي ترى أنه لا وجود لسينما المرأة. بل هناك سينما وفن وحرية التعبير والتأليف. تشمل المرأة والرجل على حدّ السواء.

وعلى مستوى الرأي المؤيد لأهمية مفهوم “سينما المرأة”، قال المخرج التونسي فريد بوغدير إن المرأة حاضرة في السينما التونسية والعربية. بجميع أنواع الصور، قوية وضعيفة وعاشقة منتقمة وطموحة. كذلك اختيار المرأة كموضوع في الأفلام هو أداة لمعالجة قضايا المجتمع.

وبغض النظر عن القبول، والرفض، يظل الحضور القوي للمرأة في السينما، أمراً يستوجب طرحه كقضية وموضوع. كذلك جزء من الصناعة نفسها.

في السياق نفسه كشف حراك “مي توو” أو “أنا أيضًا” الذي بدأ في هوليوود عن المسكوت عنه في صناعة السينما. من انتهاكات تتعرض لها النساء، وحوادث عنف، وتحرش.

وحول هذا تقول المخرجة هالة جلال: “إن كان الناس يقفون في صف المتحرش ضد النساء في الشارع. فما بالنا بالعاملات في صناعة السينما، وتحديدًا الممثلات. اللاتي يراهن كثيرون نساء يعرضن أنفسهن. ورغم أن المخرجة تلقى نوعًا من التقدير في مجتمعنا باعتبارها صانعة العمل وإنسان له تفكيره. فإن ذلك لا يحول دون تعرضها للعنف الجنسي، وبشكل شخصي لقد تعرضت من قبل للتحرش اللفظي في موقع التصوير”.

وبين هذا وذاك ظلت صورة المرأة الحالمة، المطيعة لإرادة الرجل هي المسيطرة على المشهد لوقت طويل. بينما يجري وصم المرأة المتمردة على السلطة الأبوية، أو المطالبة بحقوقها.

وتباينت المرأة في الحالة السينمائية منذ نشأتها وحتى وقتنا الحالي بين عدة أنماط تشكلت على مدار عقود مختلفة بدأت بالفتاة القوية المتحكمة في العديد من أمور الرجال في ليلى بنت الصحراء لعزيزة امير، لتنتقل إلى المرأة التي يدور حولها فلك الرواية في «العزيمة» لفاطمة رشدي و«فاطمة» لأم كلثوم، لتنتقل صورة المرأة بعد ذلك إلى العالم السينمائي المسيطر عليه الرجل فتظهر صورة الست أمينة زوجة سي السيد خلال عقد الخمسينيات، إلى أن جاءت الستينيات وما صاحبها من حركات التحرر الوطني. وصعود للقيم الاشتراكية، التي كان من المنتظر أن تكون المرأة جزءاً منها.

فظهرت أفلام لعبت فيها المرأة دورًا فاعلًا مثل فيلم "مراتي مدير عام"، والتي لعبت فيه شادية دور رئيسة زوجها في العمل. إلى جانب مجموعة من الرجال الرجعيين في الأساس.

ولكن عبر معالجة كوميدية طريفة تعرض الفيلم لحقوق النساء، مؤكدًا العلاقة التشاركية بين الرجل والمرأة، في العمل والكفاح.

ومنذ تلك الفترة أصبحت السينما المصرية تصب جل اهتمامها على قضايا المرأة فظهرت أفلام تناقش الحياة النسوية والجوانب الخفية في حياة المرأة المصرية وتحملها العبء الكبير بدلاً من الرجال، مثل «إمبراطورية ميم» و«أريد حلاً» اللذين قدمتهما سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وصولاً إلى «يوم للستات» و«حظر تجول» و«678» وغيرها من الأفلام التي كان لمناقشة قضايا المرأة فيها النصيب الأكبر.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة