د. محمد حسن البنا
د. محمد حسن البنا


يوميات الأخبار

اتقــوا الله

محمد حسن البنا

الأربعاء، 16 مارس 2022 - 06:24 م

 

الكبار وحدهم هم الذين تكون أمنياتهم بناء. الكبار وحدهم هم من يتقبلون دفع ضريبة حمل الإصلاح للناس. الكبار وحدهم هم الذين لا يعرف عامة المجتمع أقدارهم. اللهم اجعلنا منهم

 

 لو أن هناك رادعاً من ضمير، أو رادعاً من الناس لتوقفت المعارك الدائرة فى أنحاء الكرة الأرضية. ولتوقف الدم الزكى عن الإهدار. ولتوقف التخريب والتدمير وتهجير المواطنين من أرضهم. لكنه الشيطان المسيطر على هذه الحفنة الشريرة التى لا ترغب سلاماً فى العالم. وقد أغواهم الشيطان، ويؤزهم أزاً ليفسدوا فى الأرض. ليس هذا ما يحدث بين روسيا وأوكرانيا فقط بل حدث ويحدث فى فلسطين المحتلة والعراق وسوريا وليبيا والسودان وأفغانستان وكشمير والهند وباكستان وفى أفريقيا. بلدان عديدة تعيش حروبا مدمرة، وشعوب يتم تهجيرها قسريا من أوطانها.

مازالت رغبات الاستعمار والسيطرة على الشعوب تسيطر على أذهان بعض القادة بالدول الكبرى. ومازالت الرغبة لدى الدول الكبرى للسيطرة على خيرات وموارد طبيعية اختصها الله سبحانه لبعض الدول قائمة فى مخططاتهم. لكن ما نشاهده من مخططات تدميرية للجنس البشرى بأسلحة الدمار الشامل هى ما لا يمكن السكوت عنها. وما نسمعه ونقرأه عن الأسلحة البيولوجية تقشعر منه الأبدان، ويحتاج إلى ثورة سلمية تعيد التوازن بين القوة الجامحة لهذه الدول. وعليه يجب إحياء مبادئ السلم والأمن الدوليين فى نفوس قادة البلدان الكبرى.

لقد هالنى ما سمعته عن 25 موقعا بأوكرانيا تضم مراكز لإنتاج أسلحة بيولوجية مدمرة للجنس البشرى، من ضمن 200 موقع منتشرة حول العالم. هذا الفكر الجامح فى إنتاج أسلحة دمار شامل سواء نووياً أو بيولوجياً، يجب أن يتوقف. وأن يتم وضع ضوابط له ومراقبة دولية من دول وهيئات وجهات محايدة. ولا مانع من عودة منظمة دول عدم الانحياز لكبح جماح الدول الكبرى المتمردة على النظام العالمى والأمم المتحدة. أين الحكماء والساسة دعاة السلام والأمن لشعوب العالم؟!.

لقد قيل الكثير عن الفيروسات التى تنتجها المعامل البيولوجية للقضاء على البشر، وما فيروس كوفيد 19 ببعيد، ومن قبله كان الطاعون. أما يكفينا ما ينتقل إلى الإنسان من الحيوانات؟. هذا تقرير حديث يؤكد أن الذكاء الاصطناعى قد يكون قادرا على اكتشاف الفيروس القادم من حيوان إلى إنسان قبل أن يصبح وباء. ويعتقد الكثير من العلماء أن فيروس كورونا، مصدره الخفافيش. وأشارت الدراسة إلى أن الذكاء الصناعى الذى طوره العلماء، كان من الممكن أن يساعد فى التعرف على «كوفيد-19» قبل أن يبدأ فى القتل بووهان الصين فى نهاية عام 2019.

كورونا تختفى!
 ليس صحيحاً تماماً. يمكن أن نقول إنها بدأت تقل حدة، لكن متحوراتها قد تقلب الدنيا مرة أخرى. راح ضحيتها أكثر من 465 مليون شخص فى العالم. رغم ما قيل عن قسوتها على البشرية إلا أن عددا غير قليل من الدول بدأت تخفيف الإجراءات الاحترازية. نحن منهم بحمد الله. وقد أصبحنا مصنعين ومنتجين للقاحات. مؤخرا قرأت تقريرا يرصد 5 أحداث مهمة، حيث تم إيقاف التطعيم فى اليابان وحذرت الحكومة من الآثار الجانبية للقاحات. وفى فرنسا لم يتم تمرير قانون التطعيم الإجبارى فى البرلمان. وفى أمريكا: محكمة أمريكية تعلق أوامر التطعيم الإجبارى لبايدن، واضطر مجلس الشيوخ الأمريكى لإلغاء خطة بايدن. وأعلن البرلمان الاتحادى الألمانى أن أى شخص ثبتت إصابته بالفعل مرة واحدة لا يحتاج إلى اللقاح. وفى البرازيل تم إلغاء شرط بطاقة التطعيم لدى المسافرين الواردين.

الكبار وحدهم!
 توقفت كثيرا عند تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى لسورة يس. يقول: وجدت فيها أمرًا ربما لا نلتفت إليه كثيرًا. ترتبط سورة يس بالموت. غالبًا ما تجد أهل المتوفى يعكفون على قراءتها يوم الوفاة لعل الله ينفع بها الميت، والأوفياء منهم يواظبون عليها عدة أيام بعد وفاة عزيز عليهم. لكنى التفت إلى أمر مهم فى سورة يس قال الله عن القرآن الكريم فيها: لينذر من كان حيّاً، ولم يقل لينفع من كان ميتًا. لست أناقش هنا موضوع انتفاع الميت بقراءة الحى للقرآن، ولكنى التفت إلى أننا أغفلنا الحكمة الأعظم من القرآن. ثم جعلت أتساءل كم من الأحياء الذين قرأوا سورة يس انتفع بها، كم منهم تعلم منها ولو معنى واحدا، كم منهم أثرت فى حياته وغيرت منها شيئًا. هؤلاء الألوف الذين يقرأونها كل يوم، ماذا صنعوا بها يا ترى. ثم سألت نفسى ماذا صنعت أنت بها؟. ووقفت قليلاً أتدبر السورة، حقيقة لفت انتباهى فيها آيات كثيرة، لكنّ أبرز ما لفت انتباهى هى: قصة القرية التى جاءها المرسلون. لعل أكثرنا يعرفها، لكن الذى استوقفنى فيها شيء أدهشنى فى القصة.

أن رجلاً من القرية اقتنع بما يدعو إليه المرسلون، وقام ملهوفًا على قومه من أقصى المدينة. جاء يحاور قومه ويدعوهم إلى ما اعتقد أنه سبيل الفوز والسعادة. جاء يحمل الخير لهم. جاء فزعاً إلى نضج أفكارهم. جاء بخطاب يمس العاطفة فيستميلها، ويخاطب العقل فيقنعه. وكانت مكافأته من قومه أن قتلوه. ليست قتلة عادية، بل بطريقة حقيرة رديئة، لا يزاولها إلا حيوان بريٌ لم يعرف شكلاً إلى التهذيب والتربية. تروى التفاسير أن قومه قاموا إليه فركلوه ورفسوه، حتى خرج قَصُّهُ «عظمة القص تصل ما بين الأضلاع من ظهره». ثم يدهشك ما سيحدث بعد ذلك. يخبرنا القرآن أن هذا الرجل قيل له ادخل الجنة. لو كنت مكانه لفكرت على الفور، يا ربى والقتلة ألن تنتقم لى منهم، ألن تعذبهم يا رب سلط عليهم حميراً ترفسهم حتى يموتوا؟. لكن الذى أدهشنى هو أمنية الرجل.

قال يا ليت قومى يعلمون - بما غفر لى ربى وجعلنى من المكرمين. حقيقة توقفت كثيرًا أمام هذه النفسية العظيمة. نفس رحبة واسعة جدًا حتى أنها لم تحمل ضغينة على القتلة. بل على العكس كانت أول أمنية له فور أن بشر بالجنة. لو أن هذا المجتمع القاسى الذى قابل الجميل بالقتل، لو أنهم يعلمون المنقلب، لو أنهم يطلعون على الخير الذى أعده الله للصالحين «يا ليت قومى يعلمون». أدهشنى حرصه على الخير لقومه مع ما واجه منهم. أدهشنى تمسكه بالرغبة فى إصلاحهم مع ما تبين من عنادهم. أدهشنى همته فى دعوتهم للخير مع توقف مطالبته بالعمل. أدهشنى حبه الخير للآخرين حتى من آذوه. أدهشنى أن تكون أول أمنية له لو أنهم يعلمون.

وبعد أيامٍ وقفت من سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على موقف مشابه «رحلة الطائف». يأتيه ملك الجبال: «لو شئت أطبقت عليهم الأخشبين» فيجيب: (اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون). يقول الدكتور النابلسى: وصلت إلى خلاصة. الكبار وحدهم هم الذين يتحملون سفاهة الناس من أجل هدف أسمى «هو إصلاحهم». الكبار وحدهم هم الذين لا يعادون أحداً انتقاماً لأشخاصهم. الكبار وحدهم هم الذين تكون أمنياتهم بناء. الكبار وحدهم هم من يتقبلون دفع ضريبة حمل الإصلاح للناس. الكبار وحدهم هم الذين لا يعرف عامة المجتمع أقدارهم. اللهم اجعلنا منهم.

من الهند نتعلم
 الطريق الأول لنهضة الأمم التعليم، وإن لم نسلكه نفشل. هذه قصة مهندس عبقرى أنقذ مليار شخص فى الهند، كانت الهند تعانى من الفقر والأمراض والجهل، وكان حلم كل الشباب فيها هو الهجرة إلى خارجها. لكن الدكتور باليغا، كان يعمل رئيسا لمؤسسة تطوير الإليكترونيات الحكومية فى الهند.
 قال: لماذا نجعل أولادنا يهاجرون للشركات الأجنبية؟ ولماذا لا نجعل الشركات الأجنبية هى التى تهاجر إلينا؟. خطط لإنشاء مدينة إليكترونية لصناعة تقنيات المعلومات على مدى 10 سنوات لتعليم وتأهيل مليون طالب لتكنولوجيا المعلومات. الحكومة الهندية وثقت به وأعطته صلاحيات كاملة وخصصوا له منطقة كبيرة فى جنوب مدينة بنغالور الفقيرة لتنفيذ مجمع المدينة. قام بإنشاء 7 معاهد تكنولوجية متطورة، ألحق بها 50 ألف طالب متفوق فى أول سنة.

أعطى لكل طالب لابتوب وخط نت مجانا.. بعث 2400 طالب متفوق منهم يتعلمون فى أمريكا وانجلترا وألمانيا.. الذين رجعوا منهم علموا الباقين.. والذين استقروا فى الخارج استمروا فى زيارة مجمع المدينة كل عام لمدة شهر لنقل خبراتهم.. ولكى يشجع الشركات الأجنبية للاستثمار فى الهند منحهم الأرض مجانا وأعفاهم من الضرائب إذا تم تشغيل ألف هندى فى كل شركة.. زار بنفسه كل الشركات العالمية الكبرى وعرض عليها كل هذه التسهيلات.. نجح المشروع وانتقلت له أكبر 103 شركات تكنولوجية عالمية مثل (فيربو، هيوليت باكرد، موتورولا، إنفوسيس، سيمنز، آى تى، ساتيم)، بعد أن تعلموا، قاموا بإنشاء 1500 شركة هندية خالصة لعمل البرامج والكوول سنتر.. قررت الحكومة الهندية إنشاء ثلاث مدن إليكترونية فى مدن هندية أخرى.. الآن مدينة بنغالور وحدها تصدر برامج وخدمات تكنولوجية بـ 33 مليار دولار مع أن عدد السكان فى مدينة بنغالور تضاعف 4 مرات فى آخر 20 سنة من 3 ملايين إلى 11 مليون نسمة إلا أن متوسط دخل الفرد زاد 11 مرة وأصبحت بنغالور مدينة عصرية حديثة جدا. لم يقف طموح الهند عند هذا الحد، فهى الآن تدرب نحو 4 ملايين طالب فى 1832 مؤسسة تعليمية متخصصة فى التكنولوجيا الحديثة من تقنيات البلازما والنانو والخلايا الجذعية وأشباه الموصلات وكل المجالات الحديثة فى العالم لتلحق بركب التطور.

إبداع شعرى
 أنا من متذوقى الشعر، أعشقه وإن كنت لا أقدر عليه، لكن من أصدقائى من يقدرون عليه. هذه أبيات من قصيدة لصديقى الدكتور على عباس:
خنافس الأرض تجرى فى أعنتها
وسابح الخيل مربوط على الوتد
وأكرم الأسد  محبوس ومضطهد
واحقر الدود يسعى غير مضطهد
فكم شجاع أضاع الناس هيبته
وكم جبان مهاب هيبة الأسد
وكم فصيح أمات الجهل حجته
وكم غبى له الأسماع فى رغد
وكم كريم صار فى غير موضعه
وكم وضيع أصبح فى أرفع المجد

 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة