الحرب الروسية الأوكرانية
الحرب الروسية الأوكرانية


آثار اقتصادية وسياسية وأمنية سلبية

العرب يدفعون فاتورة أخطاء القوى الكبرى فى أوكرانيا

آخر ساعة

السبت، 19 مارس 2022 - 11:07 ص

أحمد جمال

يواجه العالم العربى تأثيرات اقتصادية وسياسية وأمنية ضخمة جراء الحرب الروسية الأوكرانية وامتداداتها على مستوى الصراع بين الولايات المتحدة والغرب من جهة، وروسيا على الجانب الآخر، وإن لم تكن أى من الدول العربية مشاركة بشكل مباشر فى تطورات الصراع الدائر الآن، غير أنه لا يمكن فصل المنطقة العربية عما يجرى من تطورات تحديداً، وأن الحرب الحالية تأخذ أشكالاً عديدة ولا تتوقف على الجوانب العسكرية فحسب.

يمكن تفسير الصراع القائم باعتباره أحد أشكال الحروب الحديثة التى لا تعتمد مباشرة على أساليب استخدام الجيوش فى الحسم، لكنها توظف أدوات اقتصادية وسياسية وجماعات استطاعت أن تخوض المعارك نيابة عن الجيوش فى تحقيق أهداف كل طرف، وهو أمر تترجمه العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا، ويظهر واضحاً من خلال محاولة كل طرف استخدام تحالفاته الدولية لخلق ميزان قوى لصالحه، ونهاية باللجوء إلى المرتزقة والتنظيمات الإرهابية للقتال على الأرض بدلاً من إنهاك الجيوش القومية.

فى كل هذه الأدوات والأساليب يبقى العالم العربى متأثراً بدرجات متفاوتة لأن سلاح العقوبات الاقتصادية ضد روسيا سيكون له انعكاساته المباشرة على اقتصادات الدول العربية تحديداً الدول غير النفطية، وبالطبع سيتعرض حجم التبادل التجارى بين الدول العربية وروسيا والذى يتراوح فى الفترة ما بين عامى 2019 وحتى 2021 ما بين 18 و21 مليار دولار، كما أن الاستثمارات الروسية فى العديد من الدول العربية قد تكون معرضة لخطر التوقف وفقًا لطبيعة سير المعركة بين موسكو والغرب.

وكذلك على المستوى السياسى فإن الدول العربية من المتوقع أن تتعرض لمزيد من الضغوطات من جانب القوى الدولية العظمى لاستقطابها لأى من المحورين، وهى ضغوطات جرت بالفعل خلال الفترة الماضية لكن ذلك لا يمنع من إمكانية تكرارها بأدوات وأشكال مختلفة خلال الفترة المقبلة على حسب طبيعة الصراع، وقد يكون العالم العربى أمام شكل جديد من التحالفات مع القوى الغربية فى حال خرجت روسيا من النظام العالمي، إلى جانب أن تأثير العقوبات الاقتصادية على روسيا قد يطال مراكز مالية فى بورصات العديد من الدول الغربية وبكين، وبالتبعية سيقود ذلك إلى زعزعة الاستقرار وتبديل خريطة التحالفات والعلاقات الدولية.

بالنظر إلى المستوى الأمنى فإنه قد يأخذ هو الآخر فى التدهور وسط اتهامات متبادلة بين روسيا والولايات المتحدة بتجنيد المرتزقة والعناصر الإرهابية من بلدان سوريا والعراق وقد نجد أنفسنا أمام تكرار لبؤر المجاهدين العرب فى أفغانستان، وإذا كانت الفترة الحالية قد تشهد الزج بآلاف العناصر الإرهابية المنتشرة فى بلدان عربية عديدة فإن المشكلة الأكبر تكمن فى مصير هؤلاء بعد انتهاء الحرب الروسية، وبالتبعية قد يشكلون ألغاما تهدد استقرار المنطقة فى حال عودتهم مرة أخرى.

يمكن القول بأن العالم العربى وفقًا لتلك المعطيات يدفع فاتورة أخطاء الدول الكبرى التى لم تتمكن من وقف الانزلاق إلى حالة الحرب، وأضحت الآن تخوض معارك عديدة بأشكال مختلفة ستكون لديها انعكاساتها المباشرة على حياة المواطنين العاديين فى العالم العربي، وبالتبعية فإنها تهدد استقرار الدول العربية التى تعانى ما يشبه الهيمنة الروسية أو الأمريكية على صنع القرار داخلها.

لعل ذلك ما دفع جامعة الدول العربية خلال اجتماع مجلسها على مستوى وزراء الخارجية، للتطرق إلى تداعيات الحرب الأوكرانية على المنطقة العربية، وجاء ذلك بعد أيام من الجلسة التى دعت إليها مصر فى نهاية فبراير الماضى مع انطلاق الحرب والتى دعت إلى اتأييد الجهود الرامية إلى حل الأزمة الأوكرانية من خلال الحوار والدبلوماسية، وأهمية احترام مبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، واتخاذ إجراءات التهدئة وضبط النفس واستمرار التنسيق بين الدول العربية للحفاظ على أمنها وسلامتها، وإجراء المشاورات والاتصالات اللازمة مع الأطراف المعنيةب.

وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إن المبدأ الحاكم لمواقفنا وتحركنا الدبلوماسى حيال الحرب فى أوكرانيا سيظل دائما المصلحة الوطنية، والمصلحة العربية عموماب، وأضاف: اصراعات القوى العالمية الكبرى سوف تضع ضغوطا علينا جميعا، وسوف تحمل بعض شعوبنا قدرا من المعاناة، وعلينا أن نكون مستعدين للدفاع عن مصالحنا واتخاذ المواقف التى تخدم أهدافناب.

وتابع أبوالغيط: انتمنى ونتطلع لمخرج دبلوماسى للحرب الجارية فى أوكرانيا، يوقف نزيف الصراع ويحقن دماء الأبرياء من كل الأطراف، ويحفظ الحقوق ويلبى الشواغل التى يمكن معالجتها بالحوار، وبمنطق الحلول الوسطب.

واستطرد بقوله: ابعض ما تطرحه الأزمة الأوكرانية علينا عاجل وداهم، ويقتضى التفكير والعمل فى الأجل المنظور، فالتبعات الاقتصادية للأزمة ليست بخافية علينا جميعا، وسوف تعانى منطقتنا منها للأسف، وعلينا التفكير والعمل على إيجاد الوسائل والاستراتيجيات التى تجعل هذه المعاناة فى حدها الأدنىب.

وأشار وزير الخارجية المصرى الأسبق، السفير محمد العرابي، إلى أن الحرب فى أوكرانيا تعد نقطة تحول خطيرة ولا أحد يستطيع التنبؤ بمداها وستكون لها عواقب على كل دول العالم وليس فقط المنطقة التى تشهد الحرب المباشرة، وهو ما سيكون له تأثيره بالفعل على المنطقة العربية من مناحى اقتصادية أو على مستوى التحالفات التقليدية المعروفة، ومن المتوقع أن تنشأ تحالفات جديدة بأشكال مختلفة عما سبق، وأن تأثير ذلك سيكون كبيراً وملحوظاً على المدى القريب.

وأضاف أن الكثير من الدول العربية ستكون أكثر اعتماداً على ذاتها خلال الفترة المقبلة، وأن الحرب الحالية برهنت على أن العلاقات الدولية لا تمنحك فى كل الأوقات القدرة للاعتماد على الآخرين سواء كان ذلك فى الاقتصاد أو العلاقات العسكرية أو السياسية، ولعل ما يعزز ذلك أن العالم أمام منعطف يحدد شكل العلاقات الدولى وستكون كل الأطراف خاسرة، وقد تكون التداعيات الاقتصادية أكبر مما تعرض له العالم جراء فيروس كورونا.

وأوضح أن هناك العديد من الضغوط التى تعرضت لها الدول العربية، لكن ثبت من خلال المواقف العربية المعلنة خلال الفترة الماضية أن هناك إدراكا عربيا بأهمية التحرك وفقاً للمصلحة الوطنية أولاً والتى تكون فوق كل اعتبارات أخرى، وأن الجميع ينتظر العواقب الناتجة عن هذه المأساة الإنسانية بصرف النظر عن الطرف المتسبب فى تلك الأزمة، مشيراً إلى أن العرب راجعوا مواقف سابقة كانوا يقفون فيها إلى جوار الطرف الذى يعتبرونه ضحية فى الحرب، وهو أمر ثبت عدم صحته، إلى جانب أن ما يحدث الآن هو حصيلة أخطاء الدول الكبرى.

وذهبت الدكتورة سمر عادل الباحثة فى الاقتصاد الدولي، للتأكيد على أن الحرب لديها تأثيراتها السلبية على الدول العربية بما فيها الدول النفطية والتى قد تحقق مكاسب حالية على مستوى ارتفاعات أسعار النفط غير أنها ستواجه صدمات أخرى على مستوى توفير الغذاء تحديداً وأن بعض الدول الخليجية لديها استثمارات زراعية فى أوكرانيا، لكنها فى نهاية الأمر ستتمكن من التعامل مع الفجوات الغذائية من خلال مكاسب النفط بخلاف الدول العربية غير النفطية تحديداً التى تعتمد على استيراد القمح بمعدلات مرتفعة من روسيا وأوكرانيا.

وأكدت فى الوقت ذاته أن الدول العربية المصدرة للغاز قد تشهد تحسناً أيضًا فى ميزان المدفوعات ومن بينها مصر، وسط توقعات بزيادة الطلب الأوروبى على الغاز من بؤر جغرافية أخرى مع إعلان الاتحاد الأوروبى عن اهتمامه بتنويع مصادر إمداداتها من منتجات الطاقة.

وتوقعت أن تكون حركة التجارة نفسها حول العالم قد تأخذ أشكالاً مختلفة مما هى عليه الآن، وبالتالى فإنه سيزيد الطلب على الدول الأفريقية باعتبارها دول مطيرة ولديها أراضٍ زراعية غير مستغلة وقد يزيد التنافس على الثروات الأفريقية كسلة غذاء تستطيع تعويض العالم عن الأزمات التى أفرزتها الحرب الحالية، وهو أمر يجب أن يكون محل تفكير من الحكومة المصرية عبر زيادة الاستثمارات فى دول حوض النيل التى تشكل عمقاً استراتيجياً للتقليل من حدة أزمات الغذاء المتوقعة.

وشددت على ضرورة أن يكون هناك تكامل اقتصادى عربى حقيقى يخفف من حدة الصدمات على مستوى توفير الغذاء باعتبار أن الدول العربية هى الأكثر استيراداً للسلع الغذائية وغيرها من مدخلات الإنتاج الرئيسية. 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة