جمال حسين
جمال حسين


يوميات الاخبار

حرب بالوكالة.. وأوراق التوت!!

جمال حسين

السبت، 19 مارس 2022 - 08:10 م

 

اتهم الغرب بوتين، بأنه ديكتاتورٌ مهووسٌ بالتسلُّح؛ فقال: «أعطنى شرفك، أعطِك ساعةً فاخرةً تعرف بها وقت اغتصابك!! فالغرب يهدى الأشياء الثمينة للخونة؛ لتدمير الأوطان».

لا يُوجد عاقلٌ واحدٌ على ظهر الأرض يُحب الحرب ويُوافق على هذه المشاهد المأساويَّة بأوكرانيا، تلك المشاهد التى تستصرخ ضمير العالم، وتُحاول أن تُوقظ الإنسانيَّة من سُباتها العميق.. دروس التاريخ والجغرافيا علَّمتنا أن الحروب لا تجلب سوى الدمار والخراب والآلام وسفك الدماء.. تقتل الإنسان وتهدم البنيان.. تُشرِّد البشرَ وتهدم الحجرَ، وتأتى على الأخضرِ واليابس..

معها يعم الفسادُ والكسادُ، وتنتشر المجاعات.. بسببها تنتشر الأمراضُ والأوبئة، ويشح الغذاءُ والدواءُ ويعم الغلاء.. إنها مسلماتٌ لا ريب فيها، بصرف النظر عن مكان الحرب وهُوية المتحاربين.. لقد اشتعلت الحرب الروسية الأوكرانيَّة بفعل فاعلٍ، وبدلًا من أن يُسارع قادة العالم لإخمادها؛ تسابقوا لصب المزيد من الزيت عليها لتزداد اشتعالًا.. كلٌّ يأمل فى تحقيق حاجةٍ فى نفس يعقوب ولو على جثث الأطفال والنساء الأبرياء.. حربٌ مستعرةٌ يُمكن أن تتجاوز حدود الدولتين، والعالم يقف على أطراف أصابعه؛ خشية أن تتحوَّل إلى حربٍ عالميةٍ ثالثة، والكارثة تكمن فى أن يقوم أحد الموتورين بالضغط على الزِّر النووى، الذى قد يتسبَّب فى فناء البشريَّة.. غاب الضميرُ العالمىُّ، ورفض الانصياع لصوت الحِكمة والعقل، والاستجابة للصرخات والمُظاهرات التى تُطالب بوقف الحرب، ولسان حالها يقول لزعماء العالم: أليس بينكم رجلٌ رشيد؟!


حربٌ قسَّمت العالم إلى فريقين؛ فريقٌ انحاز إلى روسيا؛ لأنها الدولة الوحيدة التى وقف زعيمها بوتين حجر عثرةٍ أمام المُخططات التوسُّعية لأمريكا وحلف الناتو، وقال لهم: هناك خط أحمر لن أسمح لكم بتجاوزه.. هذا الفريق لم يتعاطف مع أمريكا وحلفائها، ويرى أنهم سبب مأساة فلسطين وتشريد شعبها، وسبب تدمير العراق بدعاوى كاذبةٍ بأنه يمتلك أسلحة دمار شامل، ورغم ثبوت كذبهم وافتضاح أمرهم؛ استكبروا أن يعتذروا عمَّا فعلوه!!


حربٌ بالوكالة
لا يختلف اثنان على أن الحرب المجنونة التى تدور رحاها حاليًا فى أوكرانيا، وتدفع فاتورتها جميع دول العالم؛ هى حربٌ بالوكالة خاضتها أوكرانيا بتوريطٍ من أمريكا ودول الاتحاد الأوروبى، الذين دفعوها إلى الحرب دفعًا؛ لترويض الدب الروسى، ووقف تطلعات بوتين، الساعى لإعادة إحياء الإمبراطورية السوفيتية التى تفكَّكت قبل ثلاثين عامًا بفعل فاعلٍ ومخطَّطٍ أمريكىٍّ مُحكمٍ، نفَّذه جهاز استخباراتها «سى اى إيه»، بالاستعانة بصديقٍ من أهلهم؛ هو الرئيس السوفيتى وقتها ميخائيل جورباتشوف، الذى تم تجنيده ليُساعدهم فى تفكيك الإمبراطوريَّة السوفيتيَّة، وكان لهم ما أرادوا دون إسالة نقطة دماءٍ.. وجاء بوتين بعد سنواتٍ طويلةٍ وكان شغله الشاغل تقوية الجيش، وعندما سُئِل عن اتهام الغرب له بأنه ديكتاتورٌ مهووسٌ بالتسلُّح، قال: أعطنى شرفك.. أعطِك ساعةً فاخرةً تعرف بها وقت اغتصابك !!


وحكى للروس قصةً من التراث الروسى عن عائلة تملك مزرعةً واسعةً فيها من كل الخيرات، وحاولت عصابةٌ إغراء الابن بساعةٍ فاخرة للاستيلاء على سلاحه، وعندما روى لوالده ما حدث معه؛ فقال أبوه له: إنك إذا أعطيتهم سلاحك سوف يسرقون كل شىءٍ، ويغتصبون بنات العائلة، وحينها سوف تكتفى بالنظر إلى ساعتك الفاخرة.. وقال بوتين للروس: لا تبيعوا وطنكم لتشتروا ساعةً تعرفون بها مواقيت اغتصابكم ونهب بلادكم، فالغرب يستخدمون الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريَّة مثل ساعة فاخرة يُقدِّمونها للخونة؛ ليُحطِّموا ما فى أيدى الشعوب من سلاح الوطنيَّة، وتماسك الصف، ورفض بيع بلدانهم.


ازدواجية العيون الزرقاء


الحرب الروسية الأوكرانية فضحت ازدواجية المعايير، التى يتعامل بها قادة الدول العظمى، الذين يدَّعون دومًا بأنهم المُدافعون عن القيم والمبادئ والمواثيق الدوليَّة والأمميَّة.. ففى الوقت الذى وقفوا فيه عاجزين أمام إعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، فوجئنا بهم يُقيمون الدنيا لنصرة أوكرانيا بالمال والسلاح وفرض عقوبات على روسيا والرئيس الروسى نفسه!!.. الحرب الروسية الأوكرانية كشفت الوجه القبيح من ازدواجية المعايير
والعنصريَّة المُقيتة فى عمليات إجلاء اللاجئين.. ففى الوقت الذى رحَّبت فيه كل دول أوروبا باللاجئين الأوكرانيين، واستقبلتهم بالأحضان، تعاملت مع أصحاب الجنسيات الأخرى، ومعظمهم من الطلاب الدارسين فى الجامعات الأوكرانيَّة الفارين من جحيم الحرب بعنصريةٍ مُقيتةٍ؛ لأن عيونهم ليست زرقاء، وخصلات الشَّعر لديهم ليست شقراء، وبشرتهم


ليست بيضاء!!


الرئيس الأمريكى جو بايدن كاد يذرف الدموع وهو يتحدَّث عن انتهاك القانون الدولى باجتياح الروس لأراضى أوكرانيا، ولم تسعفه الذاكرة أن يستعيد ماذا فعلت بلاده يومًا بدولةٍ مُستقلةٍ ذات سيادة اسمها العراق.. وهذا تصريحٌ عنصرىٌّ لرئيس وزراء بلغاريا، الذى قال: «هؤلاء الأوكرانيون ليسوا من اللاجئين الذين اعتادت عليهم أوروبا»، وهذه مذيعة محطة «nbc» الأمريكيَّة تقول بعنصريةٍ: هؤلاء ليسوا لاجئين سوريين، هؤلاء أوكرانيون بِيض من أصحاب العيون الزرقاء، يشبهوننا.. وهذا مرشحٌ رئاسى فرنسى، يقول: نعم للأوكرانيين لا للعرب، وهذا أحد ضيوف قناة «بى بى سى» يصرخ ويقول إنه حزينٌ لرؤية أوروبيين بِيضٍ بعيونٍ زرقاء يُقتلون.. مراسلة «اى تى فى» الإنجليزية قالت فى تعليقها: «إن أوكرانيا ليست دولة نامية من دول العالم الثالث»، وأكملت بصوتٍ مخنوقٍ وهى تُحاول منع نفسها من البكاء «إنها أوروبا»، كما انتشرت تدوينات ومقاطع مُصوَّرة لعربٍ وأفارقة وهنود وغيرهم يقولون إنهم مُنعوا من العبور وقيل لهم إن الأولوية للأوكرانيين، وهناك شهادات عن تعرُّض السود للتمييز العنصرى على الحدود


فالأوكرانى تمَّت معاملته بكرامةٍ، ومنحه الأولوية فى الترحيل دون تعطيلٍ.. أوروبا تعتبر نفسها الأم الحنون للأوكرانيين، وهى التى لم يرق قلبها لاستقبال الفارين من جحيم القصف فى سوريا، أو نار الحرب فى ليبيا، أو حتى للمهاجرين الذين تبتلعهم الأسماك على طول المتوسط، أثناء رحلات محفوفة بالمخاطر.. البريطانيون الذين يُشعلون الحملات الشعواء ضد بوتين، حقَّقوا حلم الدولة اليهوديَّة بجرة قلم، وبوعد بلفور ممن لا يملك لمن لا يستحق!!


سجالٌ وشتائم


فى الوقت الذى تزداد الحرب الروسية الأوكرانية اشتعالًا، وتدخل العملية العسكريَّة أسبوعها الرابع، وسط اصطفافٍ دولىٍّ كبير، واستنفارٍ غير مسبوقٍ من الغرب الداعم بقوةٍ لكييف بالسلاح والمال وتجميد 643 مليار دولار من أموال روسيا، أطلقوا عليه «الخيار النووى المالى»، تزداد حرب الشتائم والسجال بين الكرملين والبيت الأبيض.. بايدن وصف بوتين بأنه مجرم حرب، ديكتاتورٌ قاتل، سفاح مُتعطِّش للدماء، يشن حربًا غير أخلاقيةٍ ضد شعب أوكرانيا؛
ليرد بوتين والكرملين الروسى بردٍّ أشعل غضب الأمريكيين، حيث قالوا «إن عدوانية بايدن سببها التخريف وكبر السن والإرهاق والتعب والنسيان»، وكان بوتين أكثر سخريةً عندما قال إنه يتمنى الصحة لبايدن!!
وهاجم أعضاء الكرملين أمريكا؛ قائلين: لا يحق لشخص يرأس دولة شنَّت حروبًا على عشرات البلدان، أن يُطلق علينا الأوصاف والاتهامات..
استنساخ جوبلز
هل تذكرون إعلام جوبلز، وزير دعاية هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية، الذى رفع شعار «اكذب حتى يُصدِّقك الناس».. هذا الرجل استخدم الإعلام كسلاحٍ لتزييف الوعى العام، وتهيئة الشعب الألمانى لأكبر عملية غسيل مخ فى التاريخ أجبرته على التسليم، بأن أكاذيب هتلر هى الحقيقة المُطلقة.. هذا بالضبط ما يحدث الآن ..
لقد انطلقت، خلال الأيام الماضية، تصريحات تحمل شائعات وتزوير حقائق، تتنافس الآلة الإعلاميَّة للطرفين على بثها.. الجميع يقومون بتسويق معلومات وبيانات مُفبركة ومغلوطة، لدرجة أن قادة أوكرانيا يُصوِّرون للعالم أنهم قضوا على الجيش الروسى، فى الوقت الذى يدك فيه الروس بلادهم ويُحوِّلون الملايين من أبناء شعبهم إلى لاجئين سياسيين، لقد ابتلع الرئيس الأوكرانى زيلينسكى الطعم، وظنَّ أن جيوش أمريكا وأوروبا ستخوض معه الحرب لتأديب روسيا، لكنه خسر الرهان، وكلهم تخلَّوا عنه وباعوه وقالوا له اذهب أنت وقاتل بجيشك إنا ها هنا قاعدون.. وهنا وجد نفسه عاريًا أمام الدب الروسى الذى انقضَّ عليه وفعل به الأفاعيل، ويصرخ الآن طالبًا الحوار مع الجانب الروسى، ولكن بعد فوات الأوان وتدمير بلاده!!
دروسٌ مستفادة
الحرب الروسية الأوكرانية أكَّدت أن البقاء للأقوى، وأن تقوية الجيوش واجبٌ وطنىٌّ، وأن تحقيق الاكتفاء الذاتى من السلع الغذائية ضرورةٌ حتميةٌ، وأن ما يجرى على الساحة صراع مصالح وصدامٌ بين الأقوياء، كلٌّ منهم يُريد أن يزيد مساحة مكاسبه، بتكبيد الطرف الآخر أكبر خسائر ممكنة، فهل تتعظ الدول العربية وتستفيد من الأحداث الدولية التى تفرض ضرورة تكوين قوة عربية مشتركة وتحقيق تكاملٍ اقتصادىٍّ حقيقىٍّ..
الدرس الأهم أن الغرب وآلته الإعلامية الجبَّارة، يتعامل معنا دائمًا بسياسة «الكيل بمكيالين»..
بالتأكيد نحن نتعاطف إنسانيًا مع كل ضحايا الحروب، لكننا نأسف للحضارة الغربية ولقادة العالم الذين اسقطت حرب اوكرانيا عن كل منهم «ورقة التوت» بعد أن تعرَّوا من قبل فى فلسطين وبغداد وسوريا وليبيا واليمن وفيتنام وكابول!!

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة