خالد حمزة
خالد حمزة


يوميات الأخبار

قهوة وبيجامة وسيجارة

الأخبار

الأربعاء، 23 مارس 2022 - 06:06 م

بقلم: خالد حمزة

لم تفارق السيجارة الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودى. فكان لا يكتب إلا وفي يده سيجارة. وهو صاحب البيت الشهير (زنزانتى لو أضيق أنا من ورا السجان .. فى العتمة باتشعلق حتى على الدخان).

لا تصدق من يقول لك : أن الكتابة هى الفاعل . والكاتب هو المفعول به . فالكاتب هو الأثنان معا : الفاعل بكتاباته . والمفعول به بما يعانيه من عذاب لذيذ من أول لأخر سطر .. من ابداعه .

فقد سألت مرة الروائى الراحل نجيب محفوظ  فى حوار صحفى عن الكتابة وكيف تأتيه ؟ ، وعرفت منه أنه كان يستمع لمقطوعة موسيقية ثم لأم كلثوم . قبل أن يذهب   لمكتبه ليبدأ الكتابة وهو يدخن ويشرب القهوة فنجانا تلو الآخر. الى أن نصحه الأطباء بالاقلال منها ، فكان لايزيد عن 3 فناجين يوميا  ولم يكن يكتب إلا أثناء النهار ، وكانت جلساته مع حرافيشه من الأدباء والصحفيين وغيرهم على  امتداد أكثر من 30 عاما . إضافة لجلسته الأثيرة فى مقهى على بابا بميدان التحرير قبل أن يغلق .. تأتيه بمخزون لاينضب من الأفكار لقصصه .

نفس الشىء .. كان يفعله الراحل الكاتب الصحفى الكبير مصطفى أمين الذى كان يدخن و يشرب القهوة بشراهة مثل الأديب توفيق الحكيم . وكان  يدخن ما يقرب من 120 سيجارة يوميا . ولا يشعل الكبريت الا مرة أو مرتين . إلى أن دخل السجن . حيث التحكم فى عدد السجائر التى تدخل له يوميا . فلم يكن يسمح له إلا بـعشرة فقط . فشعر بإذلال عجيب . مماجعله يمتنع عن التدخين وكتب فى ذلك كلمات رائعة فى عموده فكرة بعنوان : ذل السيجارة .
وكان الشاعروالكاتب الراحل كامل الشناوى صاحب لا تكذبى والمئات من المقالات الشيقة لا يعرف النوم ولا ينام الامع شروق الشمس . كان مدخنا وأكولا  شرها . عاش وكأنه فى سباق مع الموت حتى آخر ثانية من عمره القصير  وكان يشعل سيجارة من سيجارة طوال الليل  ولا يترك السيجارة إلا لشرب القهوة الذى كان يشربها سادة  لأنه كان مصابا بالسكر ويسرف فى الطعام قبل أن يبدأ فى الكتابة وعندما سألوا الصحفى الكبير أنيس منصور متى يكتب ؟ ، قال إنه لا يكتب إلا عند الفجر حافى القدمين مرتديا البيجاما  وهى نفس العادة التى كان عليها العقاد  وكان ينام ساعات تعد على أصابع اليد الواحدة كل يوم وكان الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل لايكتب مقاله الأسبوعى الا بعد العاشرة مساء وبعض كتابنا الكبار كانوا ينتهون من بعض رواياتهم فى عدة ساعات  بعد أن يغلقوا على أنفسهم الباب ولا يخرجون إلا عند انتهائهم منها ولا يراجعونها الا نادرا ويوسف إدريس صاحب الحرام وجمهورية فرحات والنداهة والمقالات الجريئة . كان من المغرمين بالقهوة . أحد طقوسه اليومية عند الكتابة  و كان  يستيقظ متأخرا ويدخن السجائر بشراهة مع القهوة ولازمته تلك العادة حتى وفاته  رغم نصائح الأطباء بالاقلاع عنها .

الابنودى وعكاشة
ولم تفارق السيجارة الشاعر الراحل  عبدالرحمن الأبنودى صاحب السيرة الهلالية والعديد من القصائد الرومانسية والوطنية المغناة  فكان لايكتب إلا وفى يده سيجارة وهوصاحب البيت الشهير ( زنزانتى لو أضيق أنا من ورا السجان .. فى العتمة باتشعلق حتى على الدخان ) .
 ولكنه بعد فوات الأوان  وبعد صراع طويل مع سرطان الرئة  قال قبل موته : أنا الآن أعيش بلا رئة مثل السمك  بسبب عادة سيئة اكتسبتها  وهى التدخين !
   وعلى نفس المنوال  كان السيناريست أسامة أنورعكاشة  صاحب أشهر الأعمال الدرامية لا يبدأ الكتابة إلا عندما يشرب كوبا كبيرا من الشاى ثم النسكافيه ثم العصير فالقهوة  ونحو 90 سيجارة  وكان لكل رواية أو مسلسل يكتبه قلما خاصا

قلم الغيطانى .. وأناقة نزار
وكان الروائى والمراسل الحربى البارز جمال الغيطانى صاحب الزينى بركات والتجليات وغيرهما كثير . يفضل الكتابة على الورق ولا يحب الكتابة على الكمبيوتر لأنه كان يرى أن الكتابة فن كالرسم وكان يكتب ليلا  وقبل الكتابة يقرأ قليلا  وهو يستمع للموسيقى  مستعينا  بقلم حبر كلاسيكى  مثله فى ذلك مثل كل من الكاتب المسرحى السورى محمد الماغوط صاحب المسرحية الشهيرة كاسك يا وطن والشاعر الفلسطينى محمود درويش وكان الوحى يأتى لأمير الشعراء أحمد شوقى فى أى وقت أو مكان  وفى مرة كتب على فوطة مطعم  وفى مرة أخرى كتب على كف يده أجمل قصائده ويحكى عن الشاعرالعراقى الكبيرمحمد مهدى الجواهرى  أنه كان يغنى المقامات العراقية القديمة قبل كتابة الشعر ويكتب بالحبر الأحمر فقط وكانت مساحة الورقة التى يكتب عليها لا تتعدى مساحة كف يده وإذا لم يجد ذلك الحجم أو الحبر  يتغير مزاجه  وتضيع الأفكار منه ولم يكن الشاعر العظيم السورى نزار قبانى يكتب  إلا عندما يكون فى كامل أناقته  وكأنه مستعد للقاء حبيبته وكان يكتب على الورق الملون  ويعيد الكتابة على الورقة الواحدة لمرات ومرات  منفصلا تماما عن كل ما هو محيط به  حتى ينهى قصيدته وقالت الكاتبة السورية غادة السمان ذات مرة  أنها تكتب أينما كانت وفى أى وقت فى الطائرة  فجرا على ارتفاع ثلاثين ألف قدم أو فى ملجأ

أما الروائية الجزائرية أحلام مستغانمى ‭
  فتكتب فى غرفة نومها على السرير وفى ظل إضاءة قوية  وتكتب بأقلام تلوين وأثناء الكتابة لا تدخن ولا تشرب شيئا إلا كوب حليب ساخن مع نسكافيه .

عادات وطقوس غريبة
والامر لايقتصر على أدبائنا المصريين والعرب فقط  فقد كان صاحب نوبل الشاعر العظيم طاغوريتحدث للبحر قبل كتابة الشعروكان الروائى الكولومبى جابريل جارسيا ماركيز صاحب رواية مائة عام من العزلة والحب فى زمن الكوليرا . لا يكتب الا عندما يشعر بأن الحزن يتملكه بقوة مرتديا ملابس الميكانيكى  حتى يشعر بمعاناة أبطاله والفرنسى أميل زولا كان لايكتب الا على نور شمعة واحدة  وكان فيكتور هوجو صاحب البؤساء واحدب نوتردام لا يكتب الا على طاولة واحدة قديمة ومتواضعة  وكان يكتب عارياً لكى لا يضطر للخروج من منزله  وكان يأمر خادمه بإخفاء ملابسه !  
والروائى البرازيلى كويلو لا يكتب الا بعد أن يصافح الناس فى الشوارع الفقيرة والأزقة  فى حين  كان جيمس جويس الكاتب والشاعر الايرلندى صاحب (عوليس وصورة الفنان)  يكتب واقفا !  

وكانت الغامضة صاحبة القصص البوليسية الخالدة أجاثا كريستى  تغطس فى بانيو الحمام لساعات  حتى تأتيها لحظة كتابة رواية أو حل العقدة واختارت أن تأتى لأسوان وتقيم فى فندق كتاركت الشهير لتكتب فى طقوس خاصة جدا : جريمة على النيل بينما كان الأيرلندى صامويل بيكيت صاحب المسرحية الشهيرة  فى انتظار جودو  لا يكتب الا وهو جائع   

وكان الفيلسوف الالمانى نيشته صاحب هكذا تكلم زرادشت يرى أن أعظم أفكاره تهبط عليه وهو ماشيا والأديب الأمريكى الشهيروالغريب الاطواروالذى مات منتحرا ارنست هيمنجواى  صاحب العجوز والبحر ولمن تدق الأجراس كان يقوم بتجهيز أقلام الرصاص من الليل  ليبدأ الكتابة واقفا على قدميه  منتعلاً حذاء أكبر من مقاسه والذى قال فى وصيته  إنه اختار أن يذهب للموت قبل أن يأتيه  أعاد كتابة آخر صفحة فى روايته الخالدة وداعاً للسلاح 39 مرة  قبل أن يرضى عنهانفس الشىء كان يفعله الكاتب الامريكى دان براون مؤلف قصص الخيال والاثارة والذى أخرج أكثر الكتب مبيعا فى العقد الأخير من القرن الماضى مثل : شيفرة دافنشى وملائكة وشياطين  فقد كان يلقى بمئات الصفحات مما كتبه فى سلة المهملات  قبل أن يرضى عن نسخته الأخيرة من قصصه  وبينما كان النرويجى هنريك إبسن صاحب بيت الدمية والاشباح  يضع أمامه صورة لعدوه الأ‌ديب سترندبرج  ليغيظه وهو يتفرج على إبداعه قبل نشره على القراء  كان الروائى الفرنسى بلزاك لا يبدأ فى الكتابة  إلا بعد أن يشرب من 20 إلى 30 كوبا من القهوة

وكان الفيلسوف الفرنسى فولتيرلا يكتب إلا‌ إذا كانت أمامه أقلا‌م الرصاص  يحطمها بعد أن ينتهى ويلفها فى الورقة التى كتب عليها  ثم يضعها تحت مخدته وينام  وأصرالكاتب والفيلسوف الفرنسى الأشهر جان بول سارتر على اصطحاب صديقته الكاتبة سيمون إلى  محطات المترو فى باريس لكى يشرح لها أفكارا لكتب ألفها فى خياله . فإذا لمس لاحظ انبهارها بها . شرع بتأليفها.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة