جلال عارف
جلال عارف


في الصميم

حرب الدولار.. أم حرب أوكرانيا؟

جلال عارف

الجمعة، 25 مارس 2022 - 06:31 م

حتى الآن كان هناك حرص من الأطراف الأساسيين فى حرب أوكرانيا «أى روسيا والغرب»، على ألا تتحول الحرب المحدودة إلى حرب شاملة يعرف الجميع أنها قد تكون نووية.. تجنب الفريقان الصدام العسكرى المباشر. اكتفى الغرب بتقديم السلاح ومحاصرة روسيا اقتصادياً وسياسياً واعلامياً، وفى المقابل لم تقترب روسيا من دول «الناتو» واكتفت - حتى الآن- بإطلاق صواريخها ذات القدرات الكبيرة داخل أوكرانيا لتذكر دول «الناتو»، بالخطر الذى ينتظرها إذا تحولت الحرب إلى حرب شاملة.

تجنب المعسكران الأسوأ ليظل الصراع العسكرى داخل أوكرانيا. لكن ماذا عن باقى جوانب الصراع؟!.. نظرة واحدة على العالم كله تقول إن «أوكرانيا»، لم تكن إلا باب الدخول للصراع الحقيقى بين القوى الكبري، وإن اختيار أمريكا لسلاح العقوبات الاقتصادية على روسيا للرد على غزو أوكرانيا لم يكن عبثاً، ولم يكن فقط عقاباً لروسيا.. بل كان اختيارا لساحة المعركة التى تراها أمريكا ضرورية للحفاظ على تفوقها الاقتصادى والسياسى من تهديدات لم يعد ممكنا أن تتجاهلها، حتى ولو كان الثمن حرباً تجارية مسرحها العالم كله، وفواتيرها تدفعها كل الشعوب، ومخاطرها لا تستثنى أحداً.

وهذا ما فهمته روسيا، وما فهمته معها الصين التى تعرف أنها الهدف الأساسى لهذه الحرب التجارية التى تريد أن تقطع الطريق على بزوغ نظام دولى جديد يعكس موازين القوى الحقيقية فى عالم أصبحت فيه أمريكا هى المدين الأكبر، وأصبحت فيه الصين هى المشترى الأكبر لسندات الديون الأمريكية.منذ بداية القرن تدرك أمريكا أن الصين هى المنافس الأكبر، لكنها لا تهمل خطر روسيا بمفردها، ولا خطر تحالفها مع الصين ضدها. وتدرك أيضا أن توازن الرعب النووى يجعل الصدام العسكرى مستحيلاً بين القوى الكبري، وتدرك قبل ذلك كله أنها لابد أن تتحرك للحفاظ على موقعها فى عالم يتغير ضد مصالحها.

فى هذا السياق جاءت الحرب فى أوكرانيا لتكون - بالنسبة لأمريكا- فرصة لاستنزاف روسيا قبل التفرغ لمواجهة الصين، ولتكون أيضاً فرصة لتوحيد الصف الغربى الذى كانت سياستها «وخاصة فى عهد ترامب»، قد أبعدتها عن واشنطن، ورغم النجاحات التى حققتها واشنطن فى هذا الطريق، إلا أنها كانت تدرك دائماً أن معركتها ليست فى أوكرانيا بل فى مواجهة من ينافسونها على قيادة العالم.

ومن هنا وجدنا الولايات المتحدة تمضى فى إجراءاتها الاقتصادية لمحاصرة روسيا، ثم تمضى إلى مطالبة العالم كله بأن يتبعها فى ذلك، ثم تقول إنها ستعاقب كل من لا يلتزم بتعليماتها فى مقاطعة روسيا حتى ولو كانت الصين ومضت -بعد ذلك- لتحاول ضم أوروبا فى معركتها الأساسية للحفاظ على موقعها فى قيادة العالم.

فى المقابل كان المعسكر الآخر يدرك أن الحرب لم تعد أوكرانيا «أو لم تكن أوكرانيا من البداية».. رفضت الصين ضغوط أمريكا لتتخلى عن روسيا، بينما جاء رد روسيا بأنها لن تقبل الدولار أو اليورو ثمناً للغاز والبترول الروسى من الدول المعادية لتضع دول أوروبا أساساً فى مأزق، ولتقول إنها تملك ما ترد به على محاولات حصارها.

الحرب لم تعد محدودة وإلا ما كان العالم كله يعانى من آثارها. والحرب لن تنتهى سريعاً بعد أن تأكد للجميع أن أوكرانيا ليست إلا ساحة لهذه الجولة من صراع الكبار. الحرب ستستمر والعنوان سيتغير.. إنه الدولار وليست أوكرانيا.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة