العندليب الأسمر الحاضر دائماً ومرقده الأخير بعد رحلة المجد والعذاب
العندليب الأسمر الحاضر دائماً ومرقده الأخير بعد رحلة المجد والعذاب


كنوز | اللحظات الأخيرة في حياة «العندليب» الساكن في الوجدان

عاطف النمر

الأربعاء، 30 مارس 2022 - 06:19 م

45 عاما مضت على انتقال حبيب الملايين عبد الحليم حافظ إلى السماء، أجيال سمعت عنه من آبائهم وأمهاتهم وأجهزة الإعلام، أجيال شابة تسمع الآن أغانيه وهى مبهورة بصوته الحالم وأفلامه الرومانسية فى زمن بلا رومانسية.

ولأن هذه الأجيال لم تولد فى عصره، ولم تحضر جنازته الأسطورية، وربما لا تعرف الكثير عن الساعات الأخيرة فى حياته، فنحن نذكر ونقدم الساعات الأخيرة فى حياة «العندليب».. الأسطورة الخالدة التى لا تنسى ولا تموت غير بالجسد. 


فجأة تكالب المرض على عبد الحليم، وزادت وتيرة النزيف اليومى، وانفتح سيل الرسائل والتقارير والأشعات بين أطبائه فى القاهرة والأطباء فى لندن، واتفق جميع الأطباء على ضرورة زراعة كبد جديدة لحليم بدلا من كبده التى استهلكت تماما، وأرسل الجراح العالمى فانر خطابا إلى الدكتور ياسين عبد الغفار المعالج لعبد الحليم يخبره بأنه وفريق الأطباء فى لندن يقترحون زرع كبد جديدة لعبد الحليم بعد إصابته بنوبات متكررة من الفشل الكبدى، لكن العندليب رفض وطلب اللجوء إلى الحقن من جديد، وبعد وصول الخطاب بأيام قليلة، ساءت حالة عبد الحليم وتدهورت صحته ونفسيته بشكل كبير.

وتدخل أبوه الروحى محمد عبد الوهاب لإقناعه بالضرورة التى حددها الأطباء فى مصر ولندن، وقال له عبد الحليم: «الموت أفضل لى من إجراء هذه الجراحة التى سأحمل بعدها كبد إنسان آخر»، وعندما سافر إلى لندن فى رحلته الأخيرة للعلاج، طلب الموسيقار من زوجته السيدة نهلة القدسى السفر إلى لندن لإقناع عبد الحليم بإجراء الجراحة، لكن حليم أصر على الرفض، وسافر إلى لندن للعلاج بالحقن فى مستشفى «كينجز كوليدج».

استيقظ حليم صباح 30 مارس 1977، أخذ حماماً وطلب من مساعده أن يصفف له شعره، دخلت عليه نهلة القدسى قائلة: «انت النهاردة زى القمر يا حليم»، قال لها: «لأنى نمت 16 ساعة تقريبا»، دخل طاقم التمريض لتعليق المحاليل له وانصرفت نهلة القدسى تاركة له الصحف التى أحضرتها من السفارة المصرية، قرأ «حليم» عناوين الصحف سريعا ثم اتصل بمنزله فى القاهرة طالبا تجهيز البيت لاستقباله عند العودة بعد العملية التى سيجريها نفس اليوم.

فى الثانية عشرة دخل الطبيب اﻻنجليزى «ويليام روجرز» الذى أعاد عليه ضرورة تأجيل العملية لحين زرع كبد جديدة، فقال حليم: «مش ها أعمل غير العملية اللى بتتعمل لى كل مرة ولو هاموت»، وكان حليم يعتقد أن زرع الكبد سيحرمه من الغناء، تركه الأطباء ونظر العندليب إلى السفرجى قائلا: «احتمال دى تكون آخر مرة أشوفك فيها».


جاء موعد العملية، ونقل حليم على الترولى إلى غرفة العمليات، وبعد 40 دقيقة خرج منها إلى غرفته وهو يتأوه من شدة الألم، وسلم عندما أفاق من التخدير لرفيق رحلته مجدى العمروسى الوصية التى كتبها وهو يقول له: «نفذها يا مجدى.. وفنى أمانة فى رقبتك»، تركه الجميع بالغرفة ليستريح، وبعد نصف الساعة دق جرس الإنذار، فوجده الأطباء يقول بصوت واهن:  فيه دم فى «بقى»، قالوا إنها تصفية من العملية، بعد نصف الساعة دخلت الممرضة للإطمئنان عليه فوجدت الدم يملأ الغرفة.

وتم استدعاء الأطباء الذين حقنوه لتعويض النزيف، وأحضر واحد منهم قربة رفيعة تنتفخ داخل المعدة لسد الأماكن التى يأتى منها النزيف، ظل مجدى العمروسى يقول له «ابلع يا حليم .. ابلع يا حليم»، وابتلع «حليم» نصفها، وقبل أن يكمل ابتلاعها أسلم الروح فى اللحظة التى دخلت فيها شقيقته «علية شبانة» التى ظلت تنتحب قائلة «يا حبيبى يا حليم.. فى الجنة إن شاء الله». 


كانت جنازة عبد الحليم حافظ من أكبر الجنازات التى شهدتها مصر بعد جنازتى عبد الناصر وأم كلثوم، واشترك فى تأمينها وتنظيمها نحو 4000 من رجال الأمن.

وأشرف نائب وزير الداخلية النبوى إسماعيل بنفسه على الاستعدادات وترتيبات الجنازة التى لم يحضرها الرئيس السادات لوجوده فى جولة أوروبية، وتقدمها رئيس الوزراء ممدوح سالم ووزير الثقافة والإعلام عبد المنعم الصاوى، ومحافظ القاهرة محمود عبد الحافظ، ورفعت الجماهير المنتحبة بالبكاء صور حليم مجللة بأشرطة سوداء وهم يرددون بصوت هادر: «لا إله إلا الله.. عبد الحليم حبيب الله» و«الوداع يا حليم يا حبيب الملايين».

وكانت السيارة التى تحمل جثمانه الملفوف بعلم مصر تتحرك بخطوات بطيئة... وفى بداية شارع طلعت حرب نجحت الجماهير فى اختراق نطاق الحراسة المفروضة حول سلالم المشاة، فانهارت وسقطت ثلاث فتيات تحت الأقدام تم إنقاذهن، وعند وصول الجثمان إلى مقبرته بشارع الرحمة خلف مسجد الدندراوى بحى البساتين، أصيب عشرات الشباب والبنات بالإغماء طوال مسيرة الجنازة، كان يوما حزينا يترجم كم الحب الذى يكنه الملايين من عشاق فنه.

ومن 45 عاما وحتى الآن مازال بيت العندليب بالزمالك مفتوحا أمام محبيه من كل الأجيال، فقد أوصى عبد الحليم شقيقته علية قائلا لها: «يا علية يا غالية علىّ، خلى بالك على بيتى، افتحيه للناس أجمعين، لكل اللى بيحبونى، ولو فات الزمان يا علية، اوعى تغيبى عن زيارتى، فاهمة يا علية»، فأجابته بالدموع قائلة: «فاهمة يا حليم يا أغلى الغاليين»، ومازال بيت حليم مفتوحا للجميع، ولن يغلق، لأنك يا حليم ساكن الوجدان، وإن كنا يوم ننساك إيه نفتكر تانى؟! 

اقرأ أيضاً|قصة إنسانية في الإذاعة.. سر عشق سمير صبري لعبدالحليم حافظ  

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة