آمال عثمان
آمال عثمان


أوراق شخصية

«زيطة» صانع الإعلانات! (2)

آمال عثمان

الجمعة، 01 أبريل 2022 - 08:03 م

تحدثتُ الأسبوع الماضى عن حملات التنطع باسم الإنسانية، تلك التى تطل علينا قبل أن يهل شهر رمضان المبارك، وطوفان إعلانات الاستجداء والاستعطاف المقيتة، وفيضان المتاجرة بأمراض وعاهات وآلام البشر، ومنظومة التسول التى تتاجر بحاجات المواطنين وعوذهم، وأشرتُ إلى شخصية «زيطة» التى تحدث عنها المبدع «وحيد حامد» لينبهنا مبكرا جدا إلى خطورة تأصيل ثقافة التسول فى المجتمع، وجسامة وفداحة عورة السقوط فى هذا المستنقع السحيق!!

ولمن لا يتذكر «المعلم زيطة» القادم من زمن بعيد غير زماننا، أقول إنه إحدى شخصيات رواية «زقاق المدق» التى أبدعها كاتبنا الكبير نجيب محفوظ، وجسدها ببراعة الفنان المبدع «توفيق الدقن» حينما تحولت الرواية إلى فيلم سينمائي، مازلنا نشاهده حتى الآن على الشاشة الصغيرة، تلك الشخصية التى تصيبنا بحالة من الفزع والاشمئزاز والتقزز حينما نشاهدها تقتلع العيون، وتبتر السيقان والأذرع بكل غلظة وقسوة وفظاظة، ليصبح الإنسان عاجزا ومشوها وصالحا لمهنة التسول، لكن «المعلم زيطة صانع العاهات» فى زمننا هذا، ومع تطور الحياة التى نعيشها، نجح فى تطوير وتحديث أدواته، وتوسّعت وتمددت مملكته العتيدة، وتبدلت سُبلها وأساليبها، وتحولت إلى جمعيات خيرية، ومستشفيات ومؤسسات أهلية لتجهيز العرائس، وتوصيل المرافق، وفك كرب الغارمات فى السجون، وصارت وكالات الإعلانات التى باعت ضمائرها، جزءا أصيلا من منظومة التسول المقيتة التى تطارد المشاهدين فى الوطن العربى من الصريم إلى الهزيع، وعبر كل الوسائل المسموعة والمقروءة والمرئية، بالله عليكم ما تلك الصورة القبيحة التى نُصدّرها عن المصريين؟!! وهل ذلك هو شكل مصر التى نتمناها ونسعى إليه فى الجمهورية الثانية؟! وما حجم الأموال التى تُنفق على هذه الحملات المسعورة كل عام من أموال المتبرعين؟!..

إن الفارق كبير بين التراحم والتعاطف، وبين تحويل العمل الخيرى إلى تجارة، وبين التكافل الاجتماعي، والمنافسة الإعلانية المؤلمة والصادمة التى تفرض أمرا واقعا على الناس بكثرة التكرار والإلحاح!! يا سادة إذا كانت تلك الشخصيات التى نرى صور آلامها على الشاشة، ونسمع صوت أنّاتها وآهاتها عبر الأثير حقيقية، فهى جريمة فى حق الإنسانية بكل المقاييس، أما إذا كانت شخصيات تؤدى تلك الأدوار ببراعة، فإنها جريمة غش وتدليس وخداع، يعاقب عليها القانون، وتدينها الإنسانية!!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة