أغوز آتاى:النجاح لا يجعلنا سعداء
أغوز آتاى:النجاح لا يجعلنا سعداء


الروائي التركي أغوز آتاى: النجاح لا يجعلنا سعداء ولكن!

أخبار الأدب

الأحد، 03 أبريل 2022 - 03:04 م

ترجمة: دعاء فاضل

ولد الروائى التركى أغوز آتاى فى 12 أكتوبر 1934، لعائلة مثقفة ولأب قاضٍ. تلقى تعليمه الثانوى والجامعى بالعاصمة التركية أنقرة، وتخرج منها مهندسًا مدنيًا عام 1957. انتقل إلى اسطنبول، حيث انشغل بالكتابة، ليلتحق فيما بعد بأكاديمية اسطنبول للهندسة والعمارة هنا حوار معه:-

 

تجنب نقادنا عمومًا الاقتراب من رواية «الذين لا يستطعون الصمود»، وهى روايتك الأولى التى فازت بجائزة تى أر تي للرواية عام 1970. بدا أن أدباءنا، وكذلك الأعضاء فى لجنة تحكيم الجائزةالذين كرّموا روايتك، يوافقون أيضًا على هذا الصمت. كيف تفسر الموقف ككل؟.


أعتقد أن نقادنا، وبالتحديد أولئك الذين لم يكتبوا لفترة طويلة، لديهم تعريف محدد للغاية فى أذهانهم ومعايير تم تحديدها مسبقًا . لهذا السبب يقومون بتقييم الكتاب بناءً على ما إذا كان يفى بهذه المعايير. ربما لم يجدوا نمطًا جديدًا بعد للصفحات المعقدة وغير التقليدية التى كتبتها.


اختلاف روايتك عن السائد من حيث البنية والمضمون وتنوع أساليب السرد يلفت الانتباه على الفور. ألا تجعل التغييرات فى السمة السردية والقفزات والسرعة، من الصعب على القارئ دخول الرواية؟ أليس هذا مثيرًا للتفكير فيما يتعلق بالجسر الذى تريد أن تقيمها بينك وبين القارئ؟


عدد القراء فى بلدنا منخفض جدًا. لا أعتقد أنه حتى الروايات التى من المفترض أن تتواصل مع جمهور كبير لها قراء غير المثقفين. علاوة على ذلك، يجب على المثقفين قراءة ما هو مكتوب ومحاولة فهمه وتفسيره. فى هذا الصدد، أثق فى أن القراء الذين تغلبوا على مشكلة البحث عن شخصبعينه بدأ للتو فى الكتابة وقراءته، مثلي، لن يواجهوا صعوبة بين الصفحات التى تبدو متعبة للوهلة الأولى. لا أفهم لماذا أولئك الذين يحاولون تبسيط ما يريدون كتابته من خلال اعتبار القارئ غير الكفء يجلس ويكتب.


ماذا كنت تريد أن تفعل، ماذا كنت تريد أن تمنح لـ «أولئك الذين لا يستطيعون الصمود»؟


كنت أرغب فى القيام بعمل بسيط للغاية للذين لا يستطيعون الصمود؛ فكرت فى شرح وضعهم وتفكيرهم وإحساسهم للناس. حتى الكتاب الذين يعيشون فى عوالم مغلقة سيثورون على الفور ضد هذه الجملة، «فماذا يفعل الجميع؟ أو إلى ماذا يسعى الجميع؟» لا يسعنى إلا أن أقول هذه الحقيقة البسيطة، على الرغم من أننى أعلم أنك ستغضب.

 

أفتقر إلى مواهب الروائيين العظماء الذين يصنعون الدمى من الناس عن طريق سحب أوتار أبطالى كما يحلو لهم. ليس لدى نظريات عظيمة لتطبيقها على أبطال الرواية، ولا توجد مُثُل عظيمة لملاحقتهم. أو لأننى أكن احترامًا كبيرًا للناس، وخاصة أولئك الذين لا يستطيعون الصمود، فأنا أشفق عليهم.أعتقد أن مثل هذه القضايا الكبرى هى موضوع مقالات وروايات وأعمال كثيرة.


من هو سليم إشيك فى «الذين لا يستطعون الصمود»؟

سليم إشيك هو نتاج العديد من الناس المتوترين. لدى صديق، يدعى أورال، انتحر؛ لكن سليم إيشيك ليس بهذا القدر. ربما لدى العديد من الأصدقاء الذين يصعب كتابة أسمائهم. سليم إيشيك أحد الذين يعيشون بيننا واختاروا ألا يكون قادرًا على البقاء فى بلد يريد الجميع أن يكون «متشبثًا به. مات سليم. كما سيموت الجميع. كتبت فى مكان ما أن النجاح يجعل الناس غير سعداء؛ لكنى أرى أن لا أحد يقترب من جاذبية عدم القدرة على الصمود. لماذا لا يحاولون عدم القدرة على الصمود؟ وفقًا لصديق لى، فى الرواية كنت أدعو الجميع إلى عدم القدرة على الصمود بطريقة ما. ولكن لم أتلق ردًا بعد.


ماذا عن شخصية تورغوت أوزبن فى هذه الرواية؟ 

يختلف وضع تورغوت أوزبن بشكل كبير عن سليم أشيك. على الرغم من كل جهوده، لا يستطيع تورغوت الصمود. فى هذا الصدد، فهو ليس بذكاء سليم. ربما يختار تورغوت تجاهل كل ما حوله ليجعل حياته أفضل، لأنه يريد أن يظهر كأنه قوي، أمير الفاشلين، ويقف بجانبهم جميعًا حتى النهاية. 


نشرت قصتك فى عدد سبتمبر 1972 فى مجلة «جديد»، ما رأيك فى العلاقة بين الرواية والقصة؟ هل لا يزال من الممكن وصفها بأنها أنواع منفصلة اليوم؟

أنا أكتب القصص هذه الأيام. ليس لدى مشكلة سوى الكتابة القصيرة، لأننى كتبت قصة من 60 صفحة، يصعب طباعتها فى المجلات. استخدمت عدة أنواع فى الرواية، كالشعر والمسرحيات والمقالات. فى هذا الصدد، ربما يكون للرواية احتمالات مختلفة عن القصة.

فى روايتى الثانية «الألعاب الخطرة» ثمة أجزاء خاصة من اللعبة. بصرف النظر عن ذلك، إذا كان ثمة اختلافات بين هذين النوعين، فإن النقاد يعرفون بشكل أفضل.


هل يمكنك الشرح للمؤلفين، لماذا تحب كل ما هو واقعى ومتعلق بالواقعيين؟

إذا اعتبرت أن كافكا ودوستويفسكى من بين المؤلفين المفضلين لدي، فلن يكون ذلك مفاجئًا لأولئك الذين يقرؤون رواية «الذين لا يستطيعون الصمود» بالمناسبة، سليم إيشيك ليس وحده، فحول كل منا سليم أشيك.

فريدة كالو: اللوحة إذ تصرخ

هولى ويليامز ترجمة: بسمة ناجى

تطرح اللوحات المنسية للفنانة المكسيكية فريدة كالو رؤى جديدة عن حياتها وعملها. تستكشف هولى ويليامز الأعمال المجهولة التى تضمنها كتاب جديد يضم مجموعة لوحات فريدة الكاملة، وصدر عام 2021.


 يمكن التعرّف فورًا على صورة فريدة كالو، الفنانة الأشهر. يمكن رؤية كالو فى كل مكان، على القمصان والدفاتر والأكواب، بملابسها المكسيكية التقليدية، وحاجبيها المقرونين، وعصابات الرأس المُزهرة والشفاه المصبوغة بالأحمر.


 ربما لأن صورتها تلك كانت موضوعًا رئيسيًا لحوالى ثُلُث أعمالها كبورتريهات ذاتية. ورغم وفاتها فى عام 1954، إلا أن أعمالها لا تزال حديثة للغاية: بورتريهاتها الذاتية تتناول بوضوح قضايا الهوية، وضرورة أن ترسم صورتك وتروى قصتك الخاصة. لقد رسمت نفسها وهى تنظر إلى المُشاهد: بنظرة صريحة، متحدية، وفاتنة.


 تتناسب صورة كالو مع بعض السرديات النسوية المعاصرة عن المرأة المستقلة القوية، إذ تستخدم نفسها كموضوع لفنها، وتستكشف بلا تردد الجوانب المعقدة والفوضوية والمؤلمة لكونها أنثى. تمثل لوحاتها بشكل مكثف العناصر الدرامية لحياة دراميةٌ حقًا: الإجهاض، العقم، الألم الجسدى الناتج عن حادثة مروعة تعرضت لها فى سن الثامنة عشرة.

وعانت بسببه طوال حياتها، وحبٌ كبير (إذ كانت على علاقة عاصفة بالفنان المكسيكى دييجو ريبيرا، بالإضافة إلى العديد من العشاق الآخرين، من الذكور والإناث، بما فى ذلك ليون تروتسكي)، وغيرة مشتعلة لخيانات ريبيرا المتكررة، بما فى ذلك علاقته بأختها.


 لكن، وبعكس الافتراض الشائع، لم يكن فنها متعلقًا بحياتها الشخصية فحسب. نُشِرَت كُتب عديدة عن صدماتها وحياتها العاطفية؛ وكانت حياتها موضوع فيلم أنتجته هوليوود من بطولة سلمى حايك. أصبحت كالو موضوعًا رائجًا جاذبًا للتمويل، يضمن جذب الزائرين ليصطفوا عند أبواب صالات العرض، حتى لو كان ما يرونه فى كثير من الأحيان يتعلق بالمرأة ذاتها أكثر من فنها.


 لكن ماذا عن عملها؟ بالنسبة لبعض مؤرخى الفنون، أصبح التركيز الشديد على شخصها بدلاً من منتجها أمرًا مملًا، ولهذا السبب نُشِرَ كتاب ضخم جديد يضم مجموعة الرسوم الكاملة لفريدة كالو، ويقدم لأول مرة دراسة لكامل أعمالها. يقدم المؤرخ الفنى لويس مارتين لوثانو، بالتعاون مع أندريا كيتنمان ومارينا باسكيث راموس، ملاحظات حول كل عمل من أعمال كالو. يضم الكتاب 152 عملًا، العديد منها أثره مفقود، لا نعرفه إلا من خلال الصور الفوتوغرافية.


 فى مكالمة فيديو، سأل لوثانو عما إذا كانت دراسة أعمال فريدة الكاملة قد تأخرت، رغم وجود العديد من العروض عنها فى جميع أنحاء العالم؟ «كمؤرخ فني، كان اهتمامى الرئيسى بكالو هو منتجها الفني. لو كان هذا هو الشاغل الرئيسى لمعظم المشاريع التى حملت اسمها فى العقود الأخيرة، ربما قلتُ إن هذا الكتاب لا داعى له. لكن الحقيقة بخلاف ذلك»، حسب قوله. 


 ويواصل: «يهتم معظم زوار المعارض بشخصيتها، وملابسها، وعشاقها، وقصتها. لهذا السبب، يتكرر عرض نفس اللوحات، ونفس الأفكار حول تلك اللوحات. يتجاهل منظمو المعارض ومنسقو الكتالوجات مجموعة كاملة من الأعمال الأخرى»، ولا تبتعد الكتب كثيرًا: «كرر نفس الأشياء وسوف تبيع كتابك، لأن أى شيء عن كالو يُباع. من المؤسف أن نقول ذلك، لكنها أصبحت بضاعة رائجة. هذا يفسر سبب عدم تجاوز المعارض والكتب لشخصها، لأنهم ليسوا بحاجة إلى ذلك».


 والنتيجة هى الوقوع فى أخطاء معينة كسوء تسمية اللوحات أو تأريخها أو إعادة إنتاج نفس الصور الفوتوغرافية ذات الجودة الرديئة وغير الملونة. ولكن هذا يعنى أيضًا تكرار تفسيرات أعمالها. «تصبح التفسيرات عرجاء. كل ما يذكرونه عن اللوحات، مرارًا وتكرارًا، هو «هذا لأنها أحبت ريبيرا»، أو «لأنها عجزت عن إنجاب طفل»، «لأنها كانت فى المستشفى». هذا تفسير صحيح فى بعض الحالات، لكنه لا ينفى وجود تفسيرات أبعد من ذلك بكثير».


152 لوحة، لا يمثل عددًا هائلًا من الأعمال لفنانة رائدة. ومع ذلك، من المدهش أن بعضها لم يكتب عنه من قبل ولا جملة واحدة. «من حيث تأريخ الفن، يُعَد هذا خللًا».


إن تقديم دراسة شاملة لأعمالها يعنى جمع الأعمال المفقودة أو المجهولة، بما فى ذلك تلك التى ظهرت فى المزادات خلال العقد الماضى أو نحو ذلك، وغيرها من الأعمال التى نادرًا ما يتم إعارتها للعرض من قبل هواة الاقتناء وبالتالى ظلت خفية. يأمل لوثانو فى توسيع رؤيتنا لفن كالو. «أولًا، من كانت كفنانة؟ كيف كانت ترى فنها؟ ما الذى أرادت تحقيقه كفنانة؟

وماذا تعنى هذه اللوحات فى حد ذاتها؟»

 هذا يعنى إعادة النظر فى الأعمال المبكرة، والتى قد لا يُتَطَرق إليها عادة، لكنها تَكشِف عن مدى تأثُر فريدة بوالدها جييرمو، المصور الفوتوغرافى المحترف والرسام الهاوى الذى رسم الزهور. لوحات كلوحتها للزهور المرسومة عام 1925، والتى لم تُعرض منذ عام 1953، تشبه بشكل ملحوظ أسلوب أبيها.


 واصلت كالو الرسم المذهل والحيوى للطبيعة الصامتة طوال حياتها المهنية، رغم أنها أعمال أقل شهرة لدى الجمهور من بروتريهاتها الذاتية، كما أن الإقبال على اقتنائها أو دراستها أقل بكثير. تعمق فهم أهمية تلك اللوحات فى مسيرة فريدة باكتشاف لوثانو وزملائه وثائق توضح اهتمامها مدى حياتها بالمعنى الرمزى للنباتات. تعلمت هذا من والدها، وناقشت الأمر فى رسائل مع أختها غير الشقيقة مارجريتا، التى أصبحت راهبة.


الحلقات المفقودة

 يقول لوثانو: «تتحدث رسائل كالو ومارجريتا عن المعنى الرمزى للزهور والفواكه وعن جنة عدن، وأن جسدنا يشبه الزهرة التى يجب أن نعتنى بها لأنها انتُزعت من الجنة. أمر مذهل، ويثبت أهمية لوحات الزهور الساكنة بالنسبة لها».


 يقدم الكتاب تفسيرًا جديدًا للوحة تسمى تُونا، من عام 1938، تُصوِر ثلاث ثمار كمثرى فى مراحل مختلفة من النضج -من الأخضر غير الناضج إلى الأحمر النابض بالحياة والناضح بالعصير الدموي- تُمثل فهم كالو الخاص لنضجها كفنانة وإنسانة، ويُعتَقد أنها  تحمل رمزية دينية أيضًا إذ أن الجسد المُدمَّى يستدعى التضحية.


 يكشف الكتاب أيضًا عمق انخراط كالو فكريًا فى مستجدات الفنون، وينقض بذلك الفكرة القائلة إنها تأثرت فقط بلقاء ريبيرا فى عام 1928، أو أن عملها عبارة عن عواء غريزى نابع من الألم الأنثوي. تكشف لوحات كالو عن أبحاثها وتجاربها مع الحركات الفنية، بدءًا من تناول الشباب المكسيكى للحداثة، والحركة الفنية الطليعية، وحتى التكعيبية ثم السريالية لاحقًا.


 «لم تكن رسوم فريدة كالو نابعة من قضاياها الشخصية، لكنها كانت تتأمل الرسامين من حولها، وما هى الاتجاهات والنقاشات». حسب قول لوثانو الذى يشير إلى لوحاتها الأولى، كلوحتى بييا بانتشو وأديليتا عام 1927، والعمل المفقود «لو أن أديلتا»، واستخدامها خطوطًا وزوايا حادة وحداثية، كدليل على أنها «كانت تبحث فى اتجاهات الفن المكسيكى من قبل لقائها بريبيرا».


 يطرح الكتاب أيضًا اهتمامها برواد عصر النهضة، إذ اكتشفت مطبوعات تضم نسخًا من رسومهم فى مكتبة والدها. ففى عملها المبكر (بورتريه لـ سيلبادورا وإيرمينيا: عام 1928 تقريبًا، تصور خادمتين على خلفية من العشب، مستوحاة من تقاليد فن التصوير فى عصر النهضة، كما نرى فى أعمال ليوناردو دافنشي. بيعت هذه اللوحة فى العام الذى رُسمت فيه، وظل مكانها غير معروف حتى حصل عليها متحف الفنون الجميلة فى بوسطن فى عام 2015.


 نظرًا لأنها لم ترسم سوى حوالى 152 لوحة، فعدد المفقود والمجهول منها كان مفاجئًا. لم تكن كالو ناجحة جدًا فى حياتها، ونادرًا ما سوَقت للوحاتها من خلال المعارض والتجار. بِيع العديد من لوحاتها مباشرةً أو وُزعَت على الفنانين والأصدقاء والعائلة، فضلًا عن نجوم السينما وغيرهم من المعجبين اللامعين، الذين غالبًا ما كانوا يعيشون خارج المكسيك، وأدى ذلك إلى صعوبة تعقب الأعمال.


لوحات مذهلة مفقودة

 إن النظر إلى الصور الفوتوغرافية بالأبيض والأسود للوحات المفقودة لم يمثل مصدر إلهام لأى شخص بخلاف الباحثين المتعمقين، رغم وجود بعض اللوحات المذهلة من بينها. إحدى اللوحات المفقودة منذ عام 1938، الفتاة ذات قناع الموتII، تصور فتاة صغيرة ترتدى قناع جمجمة فى منظر طبيعى فارغ؛ تصيبك بقشعريرة، ونعلم من الكتاب أن كالو ناقشت هذه اللوحة وأوضحت أنها مرتبطة بحزنها لعدم قدرتها على الإنجاب.

لوحة كالو لتحطم طائرة مروعة، والتى لم نشاهدها إلا من خلال صورة فوتوغرافية، من المعروف أنها رسمتها فى فترة اضطراب شخصى عاصف فى السنوات التى تلت اكتشاف علاقة أختها بريبيرا فى عام 1935.


 كغيرها من لوحاتها الشهيرة، عاشقة أو بضع طعناتٍ صغيرة، التى تصور امرأة قُتلت على يد زوجها ، استوحت لوحة حادث تحطم طائرة إلى تقرير إخبارى واقعي؛ اكتشف فريق لوثانو كلا التقريرين الإخباريَين الأصليين فى بحثهم. ربما انجذبت كالو إلى هذه الأحداث الصادمة لأنها كانت تعانى من ألم فى حياتها الخاصة، لكن لا ينبغى التغاضى عن دقة رصدها للأخبار العامة وتأثرها بها.


 صرحت كالو بشيوعيتها طوال حياتها، يظهر هذا بشكل واضح فى أعمالها الأخيرة والأقل شهرة. فى تلك الفترة، عانت من ألمٍ كبير، وخضعت للعديد من العمليات الجراحية، بما فى ذلك بتر الساق تحت الركبة. لكن كالو واصلت الرسم حتى عام 1953، بصعوبة ولكن بعزمٍ متجددٍ أيضًا. ووثقت كاتبة سيرتها، راكيل تيبول، قولها: «تشغلنى لوحاتي. تطويرها أكثر من أى شيء آخر، لتصير شيئًا نافعًا. حتى الآن أغلب ما رسمته هو بورتريهات ذاتية، لكن هذا بعيد كل البعد عما يمكن أن تفعله رسوماتى لخدمة الحزب الشيوعي. يجب أن أناضلُ بكل قوتى لتوجيه القليل مما أستطيع تقديمه لمساعدة الثورة. هذا هو الغرض الحقيقى الوحيد للحياة».


 نتج عن ذلك لوحات مثل مؤتمر للشعوب من أجل السلام (التى لم تُعرض منذ عام 1953)، والتى تُجَسِد حمامة أعلى شجرة فاكهة عريضة، وسحابتان على شكل فطر عيش الغراب، تمثلان كوابيس كالو حول الحرب النووية. أصبحت كالو عضوًا نشطًا فى العديد من الجماعات الداعية للسلام، حيث جمعت التوقيعات من فنانين مكسيكيين لدعم مجلس السلام العالمي، والمساعدة فى تشكيل اللجنة الحزبية المكسيكية من أجل السلام، وقدمت هذه اللوحة لريبيرا ليحملها إلى مؤتمر الشعوب من أجل السلام فى فيينا عام 1952.


 تظهر الحمائم فى العديد من لوحاتها المتأخرة للطبيعة الصامتة، وكذلك الأعلام المكسيكية أو مخططات الألوان تستخدم فيها البطيخ لتعكس الأخضر والأبيض والأحمر للعلم، مما يشير إلى رغبة كالو فى إبراز قوميتها وشيوعيتها من خلال عملها. كما تضمنت لوحاتها الأخيرة صورًا مُحبة لستالين، ما يوضح أن توجهاتها السياسية صارت أشد عنفًا، ومع ذلك، ربما كانت أكثر لوحاتها الأخيرة تأثيرًا هى بورتريه ذاتي: فريدة بين اللهب (بورتريه ذاتى لها داخل زهرة عباد الشمس). لوحة مروعة، بألوان سميكة وزاهية؛ رسمتها قبل وفاتها بفترة وجيزة،

وهى محبَطةً لعدم قدرتها على العمل وربما حمَّلتها اعترافًا بدنو نهايتها. تيبول، التى كانت شاهدةً على هذا العمل المُهلِك القاسي، أطلقت عليه «طقوس التضحية بالذات». يقول لوثانو: «إنها لوحة رائعة ومثيرة من حيث الجماليات، حين يعجز جسدك عن أداء مهامه، وعقلك عن تصوير ما تريد رسمه، فإن المصدر الوحيد المتبقى لك هو تفكيك الصورة. هذا مفهوم فنى حداثى للغاية: أن اللوحة لا تنتج من مهارة صانعها فحسب، بل أيضًا مما يعتقد أن اللوحة تمثله».


 لقد تركتنا مع لوحة غير كاملة، بعيدة عن الأسطح الناعمة لبورتريهات كالو الذاتية الأكثر شهرة، لكنه رغم ذلك عملً قوى بشكلٍ مذهل يستحق أن ينال شهرة. تحمل هذه اللوحة رغبة فنانة اشتهرت ببورتريهاتها الذاتية، فى استخدام إبداعها الأخير لتدمير تلك الصورة الشهيرة عن عمد. حتى فى طمس ذاتها، جعلت كالو عملها يصرخ فى وجوهنا.

اقرأ ايضا | شكري عياد «على الحافة»

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة