مسحوق الجماجم.. علاج سحري للأمراض أنعش سوق الموتى
مسحوق الجماجم.. علاج سحري للأمراض أنعش سوق الموتى


حكايات| مسحوق الجماجم.. علاج سحري للأمراض أنعش سوق الموتى

هناء حمدي

الجمعة، 08 أبريل 2022 - 11:30 ص

هل توافق على شرب مسحوق مكون من عظم جمجمة شخص ما للشفاء من مرض مميت؟.. قد تكون جمجمة صديق لك أو شخص ذو قرابة أو صاحب معرفة بك أو حتى جمجمة شخص لا تعرفه ولكن في النهاية أنت على علم أن هذا المسحوق من عظام الجمجمة هو الحل السحري لعلاج مرض غامض مجرد التفكير أو حتى قراءة السؤال ستجد تعبيرات وجهك تغيرت وأغلقت حاجبيك معا تعبيرا عن الاندهاش والتعجب المخلوط ببعض الرفض لبشاعة الأمر فمن يقبل أن يشرب مثل هذا المسحوق.

 

ولكن إذا ازداد الأمر صعوبة عليك فسيكون أمامك دقائق إما الاختيار بين المرض أو المسحوق فأيهما ستختار؟.. قبل أن تختار أو تفكر في الإجابة يجب أن تعلم أن هذا السؤال ليس تخيلي فهو حقيقة علاجية اعتمد عليها ملوك أوروبا والطبقة الارستقراطية للعلاج من الأمراض المختلفة في القرن الـ 16 حتى انعشت سوق تجارة جثث الموتى وتحولت إلى وصفة علاج أساسية حتى نهاية القرن الـ 18 مع بداية عصر التنوير وفي الدخول لعالم «قطرات الملك» المرعبة إليك الشروط لنجاح مهمة إعدادها.

 

ففي عام 1685 سيطر المرض على الملك  تشارلز الثاني وأصبح طريحا لفراش الموت بعدما أصيب بجلطة دماغية، فيما أكد الأطباء أن لا أمل في العلاج، وبعد محاولات عديدة لإنقاذه والعمل على تحسن حالته كانت النتيجة واحدة وهي الفشل، ولكن الملك كان له رأي آخر فكان مقتنعا أن هناك علاج واحد معين هو القادر على فك طلاسم مرضه وإعادته من جديد للحياة، بحسب موقع أطلس.

ولعل هذا ما دفع الملك لإصدار أوامره بإحضار كل من الطبيب أوليفر كرومويل والكيميائي جوناثان جودارد لعلاجه بطريقتهم الخاصة وباستخدام قطرات جودارد المميزة.. تلك القطرات الساحرة التي تعيد الشخص لحياته السابقة وكأنه ولد من جديد وأمام طلب الملك والعطايا والمنح المخصصة له وافق الكيميائي «جودارد» على الكشف عن الصيغة السرية لقطراته الخاصة الساحرة والمعجزة العلاجية لكافة الأمراض والتي أطلق عليها فيما بعد «قطرات الملك».

 

اقرأ أيضًا| مدينة السراديب.. ماذا تخفي شوارع باريس تحت الأرض؟

 

وكانت الصيغة السرية لهذا الخليط السائل معقدة؛ حيث تضم العديد من المكونات والتقطيرات المتعددة ولكن تتوقف فعاليتها على مكون واحد فقط وهو مسحوق يتضمن 5 أرطال من الجماجم البشرية المكسرة ولكن ليست أي جمجمة فبحسب الصيغة الطبيعة يجب أن تكون جمجمة شاب مات حديثا ميتة عنيفة ويكون بكامل صحته قبل موته فجمحمة الشخص المسن قد تحتوي على بعض الأمراض ذاتها التي من المفترض أن تعالجها قطرات الملك.

 

ولهذا كانت أفضل وسيلة للحصول على جمجمة تضم تلك المواصفات هي العثور على جثث الشباب المعدومين أو من قتلوا في الحرب ليكون الإعدام والحرب طريقتين مثاليتين للحصول على هذه المنتجات التي لاقت سوقا تجاريا ضخما ومزدهرا فهو وقت تحول فيه شرب الجماجم البشرية إلى دواء سحري ولكن إذا كنت تعتقد أنه قام بالمعجزة الطبيعة في علاج الملك فأنت ممن سيختار المسحوق لعلاج الأمراض وإنما للأسف فالواقع جاء عكس اختياراتك وتوقعاتك.

 

وتدهورت الحالة الطبية للملك تشارلز الثاني، ومع نهاية حياته كان الأطباء يسكبون له 40 قطرة من هذا الإكسير الذي ظن أنه الحل الوحيد لعلاجه حتى توفي في 6 فبراير من عام 1685 وتأكد الجميع أن الجرعة من قطرات الملك لم يكن لها التأثير المطلوب بل ربما تكون قد أسرعت من وفاته.

 

ورغم أن القطرات فشلت في إنقاذ الملك هذا لم يمنع العديد من الإنجليز الآخرين من صنع وشرب هذا الخليط حتى أن البعض ادعى أنه يحسن من الحالة المزاجية ويحول الشخص إلى طفل يركض ويمرح ويلعب لتنتشر معها قطرات الملك في كافة أنحاء أوروبا.

 

 

ورغم أن فكرة «طب الجثث» ظهرت مبكرا وفي بدايات القرن الـ 16 على يد ثيوفراستوس فون هوهنهايم المعروف بـ«باراسيلسوس» ذلك العالم الكيميائي والفيلسوف متعدد الثقافات الذي رأى بفلسفته الخاصة أن العناصر المماثلة من خارج الجسم يمكن أن تعيد الصحة بداخله بمعنى أنه في حالة ما إذا كان مرض شخص ما متمحور حول رأسه فإن أفضل علاج له هو استهلاك جزء من رأس الفرد السليم.

 

ولذلك دعا إلى شرب الدم واستخدام الجماجم المسحوقة ومع أجزاء أخرى من الجثث، وخاصة جثث الرجال في عنفوان حياتهم الذين ماتوا بطريقة مفاجئة وعنيفة لأن روحهم الحيوية كانت قوية لعلاج مزيد من الأمراض إلا أن الانتشار الحقيقي كان مع استخدام الملك لها فنشرت الكتب الطبية في أنحاء أوروبا جميع أنواع الوصفات الأخرى لمختلف العلاجات المتعلقة بالجمجمة منها وصفة الكيميائي الألماني "أوزوالد كرول" الذي استخدم 3 جماجم بشرية تم قتلهم بوسائل عنيفة كوصفة لعلاج الصرع.

 

وفي كتاب «فن التقطير» كتب الطبيب الإنجليزي جون فرينش وصفحة أخرى لـ«جوهر أدمغة الإنسان» كحل لعلاج الصرع أيضا والتي تبدأ بالحصول على جمجمة شاب مات ميتة عنيفة مع الأغشية والشرايين والأوردة والأعصاب وخلطها معا لعلاج الصرع لتصبح معها فكرة الأشخاص الذين يأكلون أجزاء من جسم الإنسان لشفاء أنفسهم أمر مفهوم ومقبول على نطاق واسع لدرجة أنها أصبحت وصفات علاجية تكتب بخط اليد.

 

 

فجمجمة الرجل مفيدة لأمراض الرأس والصرع أما الطحلب في جمجمة رجل ميت معرض للهواء فهي مفيدة لوقف النزيف وعلى الرغم من أن هذه العلاجات لم تثبت نجاحها ولو لمرة واحدة إلا أن إنكار الجميع لذلك جعلت المصابين يشعرون بتحسن زائف وافتتحت أسواق لتجارة الرفات البشرية لتتحول إلى تجارة ضخمة مركزها منطقة الجلاد صاحب مسؤولية خطف الأرواح ومالك القطع البشرية المطلوبة أو البحث في ساحات المعارك ليكون معها مشهد الجماجم المغطاة بالطحالب المنهوبة من ساحات القتال أمر مألوف في متاجر الأدوية في لندن.

 

ومع كون فكرة تناول الجماجم البشرية المقتولة حديثا مثيرة للاشمئزاز اليوم إلا أنها كانت شائعة بشكل صادم بين الأرستقراطيين البريطانيين وغيرهم من الأوروبيين من القرن الـ 16 وصولا إلى عصر التنوير في القرن الـ 18.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة