«آخرساعة» تجيب عن أسئلة الشيطان
«آخرساعة» تجيب عن أسئلة الشيطان


إبليس: المسلمون لا يصومون رمضان فى موعده الصحيح!

«آخرساعة» تجيب عن أسئلة الشيطان (1)

آخر ساعة

السبت، 09 أبريل 2022 - 11:16 ص

بقلم‭: ‬حسن‭ ‬حافظ

اإذا‭ ‬دخل‭ ‬رمضان‭ ‬فُتحت‭ ‬أبواب‭ ‬الجنة،‭ ‬وغُلِّقت‭ ‬أبواب‭ ‬جهنم، وسُلسلت الشياطين، هو حديث ثابت عن النبى (صلى الله عليه وسلم)، ولكن رغم تراجع دور الشياطين فى هذا الشهر الكريم، وحرص الناس على فعل الخير وتجنب أمور الشر، فإن الواقع يؤكد استمرار الجريمة والنميمة والكثير من السلوكيات التى لا تتماشى مع جلال شهر الصوم، ربما لأن الشيطان يجرى مجرى الدم فى عروق بنى البشر، وربما لأن الأمر قد يكون مرتبطًا بشياطين الإنس، فإذا كان إبليس مقيدًا فى رمضان فإن النفس البشرية بطبعها أمّارة بالسوء، وهناك أسئلة كثيرة يطرحها االأبالسةب فى رمضان، قررنا ألا نمر عليها مرور الكرام، بل نفندها ونرد عليها بالأدلة.

 

هل نصوم رمضان فى موعده الحقيقى؟ أم أن الأمر مبنى على خطأ تاريخى استمر لأكثر من 1400 سنة؟ ما علاقة عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب بالتقويم، وهل وقعا فى الخطأ الذى أدى لمشكلة فى التقويم؟ هل فى آيات القرآن ما يسمح بمثل هذا التأويل أم أن الأمر مجرد رأى بلا دليل؟

 

هذه الأسئلة تقفز مع حلول شهر رمضان المعظم كل عام، وتتكرر أحاديث البعض عن أن التقويم الهجرى فيه مشكلة، وأن الأمر الإلهى بزعمهم نص على صيام رمضان فى الشهر التاسع من كل عام، أى فى فصل الخريف وليس بالشكل المتبع بتقدمه كل عام 11 يوما ودورانه فى العام كله، ويستغلون مسميات الشهور الهجرية القديمة فى محاولة لإثبات أن شهرى رمضان وشوال يرتبطان بفصل الخريف، وأن شهر النسيء كان يُستخدم من أجل ضبط شهر رمضان لكى يأتى فى فصل الخريف، لكن الصحابة قرروا إلغاءه! فبأدلة ظرفية وتحكيم لقراءات ظنية من غير المتخصصين، تلقى الشبهة من أصحابها بكل بساطة ثم يمضون بعد انتهاء المهمة، فهل فعلا يصوم المسلمون بطريقة خاطئة؟ وما هو موضوع شهر النسيء؟ وما رد العلماء على مثل هذه الأحاديث التى لا تمتلك أى دليل إلا مجموعة من الأوهام المنسقة بشكل ساذج؟

 

هذه الأوهام تتردد بين الحين والآخر، وللأسف يرددها بعض العرب الذين يزعمون أنهم بذلك قد اندرجوا فى ركاب المجددين أو التنويريين، ولا يعرفون أنهم حُطاب ليل، يجمعون الغث والسمين، ولا يمتلكون المنهج العلمي، ولا اطلاع لهم على أساليب اللغة العربية فى قديمها وحديثها، بل هى محاولات بائسة تلقى جزافا ولا غرض لها إلا تشكيك المسلمين فى عقيدتهم، فعندما تناقش أصحاب هذا الرأى عند أدلتهم، لا يحدثونك إلا بلحن من القول، ويتخبطون فى تفسيرات لغوية ساذجة لا تصمد أمام النقد، خصوصا أنهم لا يعترفون بالروايات ثابتة الصحة، ولا بفعل النبى صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة، بل هم يحكِّمون العقل بلا قيد ولا شرط، فينتهى الأمر إلى محض أوهام وافتراضات ما أنزل الله بها من سلطان، ظاهرها صالح المسلمين بالزعم بتصحيح موعد صيام شهر رمضان الخاطئ، وباطنها سلخ المسلمين عن دينهم.

 

بداية نذكر الآيات التى ورد فيها الأمر بالصوم، ثم نعرض الآراء التى تقول بالصيام الخاطئ، ثم نرد عليها بالأدلة، يقول سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ  وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ  وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ  فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ  يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (البقرة: 183-185). وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى صحيح مسلم: اصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؛ فإن غُمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثينب، وفى صحيح البخارى قول النبى عليه السلام، وقد ذكر صيام شهر رمضان: الا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُمّ عليكم فاقدروا لهب.

 

يستغل البعض تفسيره المعوج للآيات القرآنية، بحجة أن التواتر من عصر الرسول عليه الصلاة السلام فى الفعل لا تلزمه، لكى يبنى نظرية خيالية عن أن العرب عرفوا السنة الشمسية وأنهم لم يعرفوا السنة القمرية، وأنهم يزعمون أن النسيء المذكور فى القرآن كان موازيا للسنة الكبيسة فى السنة الميلادية كما هو متبع حاليا، ويزعمون أن لا حكمة من تغيُّر أيام شهر الصيام بين أيام الصيف شديدة الحرارة والطويلة، وأيام الشتاء القصيرة والباردة، وأن الإصلاح المنشود سيقود إلى توحيد ساعات الصوم بـ 12 ساعة حول العالم، وإنه إذا تم الاعتماد على تعديل التقويم وتوحيده سيأتى رمضان فى خريف نصف الكرة الشمالى، وفى ربيع نصف الكرة الجنوبى، وسيصبح عدد ساعات الصيام فى كل العالم تقريبا 12 ساعة يوميا، وأن هدفهم من ذلك هو تحقيق عالمية الإسلام! وكأنهم يعرفون صالح الإسلام والمسلمين بأفضل من الله ورسوله عليه السلام! فالثابت أن رسول الله صام وحج بناء على رؤية الهلال، ولا خلاف فى ذلك، فهل نأخذ الدين عن النبى أم عمن يدعى فى العلم فلسفة؟

 

أصحاب هذه الآراء الشاذة وقعوا فى أخطاء مضحكة مبكية، فهم يقولون إن رمضان لغة مشتق من شدة الحر، أى الرمضاء، وهم يستدلون بذلك أن شهر رمضان كان يأتى فى فصل الصيف، وعليه يبنون نظريتهم فى أن السنة العربية كانت فى الأصل سنة شمسية وليست قمرية، ويقولون انظروا إلى شهور ربيع أول وثانى وجمادى الأولى والثانية، التى تدل على فصلى الربيع والشتاء، وهنا يسقط أصحاب هذه النظرية فى مأزق لا يخرجون منه، وهو كيف تأتى شهور الربيع (ربيع الأول والثانى) وبعدها مباشرة شهور الشتاء (جمادى الأولى والثانية)، بل وشهر صفر الذى كان يعرف فى الجاهلية باسم ناجر، من شدة الحر، يعبر بذلك عن الصيف أيضا، فيكون لدنيا بذلك شهر صفر ممثلا للصيف، ثم يأتى بعده شهران للربيع، ثم شهران للشتاء، ويأتى رمضان فى الصيف أيضا بزعمهم، فأى سنة هذه التى تأتى فيها الفصول مقسمة على شهور متباعدة؟ وهنا غاب عن بال أصحاب هذه النظرية أن تسمية الشهور العربية وقعت قبل الإسلام وأنها سُميت بحسب ما اتفق الناس على تسميتها من وقت تسميتها ولم يتم ذلك فى وقت واحد بل على فترات مختلفة حتى تم التوافق على مسميات الشهور فى السنة القمرية.

 

من أهم الذين تصدوا إلى هذه القضية واستخدموا أدوات منهجية حديثة، العالم الكبير محمود باشا الفلكى، أحد أكبر الفلكيين فى تاريخ مصر، إذ ألف كتابه (نتائج الأفهام فى تقويم العرب قبل الإسلام وفى تحقيق مولد النبى وعمره عليه الصلاة والسلام)، وفيه تفنيد قوى لفكرة تعلق تسمية الشهور العربية بالسنة الشمسية إذ يقول: افهل تكون المناسبات الغريبة التى نجدها بين أسماء الشهور العربية قديمة.. وبين الفصول دليلا على أن هذه الأشهر وضعت لسنة قمرية شمسية؟ كلا، فإن تضافر نصوص العلماء من المؤرخين وغيرهم، وعدم ورود أخبار محققة تؤكد ما يخالف هذه النصوص، وما هو معلوم من أن مقتضى طبيعة العرب التنقل من مكان إلى مكان، وجهلهم بأكثر شئون الزراعة، وبالجملة فكل عاداتهم وما يتعلق بهم يحملنا على الظن بأنهم إنما كانوا يستعملون السنة القمرية المحضة.

 

ويؤكد الفلكي، الذى يعتمد على أبحاث مستشرقين وآراء علماء المسلمين معا، أن القول بأن توافق رمضان أو غيره من الشهور مع الفصول الأربعة، لا ينبى عليه الحكم بأن السنة العربية كانت سنة شمسية ابل غاية ما يُستفاد من هذه المناسبات أن العرب أطلقت على الأشهر أسماء تناسب الحوادث الجوية أو غيرها التى وقعت فى سنة التسمية فقط، ولم يرسلوا أنظارهم إلى ما وراء ذلك لجهلهم بأنه بعد مضى سبع عشرة سنة تنتقل شهور الصيف فى الشتاء، وبالعكسب، ثم يعود ويحلل ظاهرة النسيء التى لجأ إليها العرب، لتأخير حرمة أحد الأشهر الحرام إلى شهر غير محرم، وهو يفند الآراء التى تقول إن العرب قبل الإسلام استخدموا السنة الشمسية لأنهم أرادوا أن يثبتوا موعد الحج فى الأوقات الخصبة، فتعلموا الكبس من اليهود، فكانوا يسمون الشهر التالى للشهر النسيء بنفس اسمه، فالمحرم يسمى الشهر التالى له بالمحرم، مؤكدا أن العرب لم يعرفوا إلا السنة القمرية وتعاملوا بها. وقد قدما درسا علميا مكثفا فى إثبات مولد النبى صلى الله عليه وسلم، وأنه وُلد فى سنة قمرية، ولم يعتمد فى إثباته على الروايات التاريخية بل استخدم أدوات بحثية حديثة كعالم فلك، ليثبت أن رسول الله وُلد وفقا للسنة القمرية.

 

وقد انتصر لرأى الفلكى فى تفسير النسيء العالم العراقى الكبير، جواد على، فى موسوعته (المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام)، إذ قال إن النسيء يعنى امجرد تبديل شهر بشهر، وتأخير حرمة شهر إلى الشهر الذى يليه. وليس هذا بزيادة، أى زيادة أيام أو شهر على شهور السنة، وهى الأيام التى تتخلف فيها السنة القمرية عن السنة الشمسية، لتتساوى بها، فتثبت الأشهر فى مواضعها من الفصول، وهو ما يعبر عنه بالكبس فليس هذا النسيء كبساً إذًاب، وإن كان ناقش مختلف الآراء الأخرى معترفا بصعوبة القضية لقلة المادة التى وصلتنا من فترة عرب الجاهلية وما قبلها.

 

يريد البعض العودة إلى النسيء بحجة أن الإلغاء تم بقرار من الخليفة عمر بن الخطاب، واستشارة على بن أبى طالب، عندما تم وضع التاريخ الهجرى بداية من سنة الهجرة النبوية، واعتمادا على الأشهر القمرية، لأنها المناسبة للاحتفالات والطقوس الإسلامية، فالسنة الهجرية وُضعت لكى يعرف كل مسلم مواعيد عباداته الدينية وهى مرتبطة بالأهلة لقوله تعالى ﴿َويسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِى مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ (البقرة: 189)، ولقوله تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ (التوبة: 36)، فضلا عن إلغاء النبى للنسيء فى حجة الوداع، وعلى هذا استقر اجتهاد عمر وعلى وهو مبنى على آيات الذكر الحكيم فى تحريم النسيء لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِى الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (التوبة: 37)، فالنص القرآنى واضح، ومن يريد العودة للنسيء لا يريد إلا الضلال وزيادة فى الكفر، هكذا حكم الرب ولا معقب لحكمه.. الغريب أن البعض يقول إن الصحابة لم يكونوا على درجة من الفهم للنص القرآني، وهم أخطأوا فى الفهم، ولم يفهموا الأوامر الإلهية.

 

 وعندما تسأل عن الدليل المادى أو التاريخى، لا تجد إلا تأويلات ما أنزل الله بها من سلطان، ولىّ للحقائق لكى تتناسب مع الأفكار والتوهمات التى فى رأس صاحبها فقط، فبالمنطق التاريخى عاش الصحابة وسط القبائل العربية قبل الإسلام وتعاملوا بالسنة القمرية وهى المناسبة لقوم رحالة يتطلعون للسماء ويستدلون بالأهلة والنجوم، ولا يعرفون الزراعة إلا فى القليل النادر، ثم جاء الإسلام والآيات القرآنية واضحة فى ربط التقويم بحركة الأهلة، وهو ما استقر عليه الصحابة بلا أى مخالفة لا من بين الصحابة أنفسهم ولا من بين القبائل العربية، ثم جاءت أجيال من المسلمين وفيهم كبار الفلكيين فى العصور الوسطى فى العالم كله، ولم ينكر أحد منهم التقويم الهجري، الذى استُخدم لتحديد العبادات المرتبطة بالأهلة كما نص القرآن الكريم، وفى المجتمعات الزراعية مثل مصر وإيران وسوريا كان يستخدم التقويم الشمسى المحلي، مثل التقويم القبطى فى مصر، والفارسى فى إيران، والسريانى فى سوريا، فالحديث عن عدم صحة صيام المسلمين، هو من باب المراهقة العقلية المصاب بها تيار من الذين لم يصلوا لمرحلة النضج الفكرى بعد، وتوقفوا عند مرحلة الإثارة ولفت النظر.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة