فؤاد المهندس
فؤاد المهندس


فؤاد المهندس .. الفوازير أنقذته من التسول

أخبار النجوم

الأحد، 10 أبريل 2022 - 01:10 م

مايسة أحمد

علاقة خاصة جدا بين شهر رمضان المبارك والفنان الكبيرالراحل فؤاد المهندس، الذي يعد علامة بارزة فيه، فقد استطاع أن يقدم الفوازير لمدة 10 مواسم رمضانية كاملة، ولاقت نجاحاً كبيراً، وما زال كثيرون يردّدون بداية أغنية “عمو فؤاد أدانا معاد”، إذ قدم في كلّ مرة مضموناً مختلفاً منها “عمو فؤاد رايح يصطاد” و”عمو فؤاد بيلف بلاد” و”عمو فؤاد راجع يا ولاد” و”عمو فؤاد رايح الإستاد”، وكان آخر موسم قدمه في بداية التسعينيات مع “عمو فؤاد والقناة الفضائية مصر أم الدنيا”.

 

رغم النجاح الكبير الذي حققته هذه الحلقات، إلا أن كواليس بدايتها كانت مفاجأة غير متوقعة ولا يعرفها الكثيرون، لأن المهندس لم يكن راض عنها أو متحمس لها من الأساس، فالقصة بدأت عقب توقيع معاهدة السلام وغضب بعض الدول العربية من توقيع الرئيس محمد أنور السادات للصلح مع إسرائيل، وأيد الفنان الراحل الرئيس في موقفه وسخر من بعض زعماء الدول التي عارضته، فخطأه القاتل كان الحماس، فهو كوميدي بطبعه وبالتالي فحماسه من أجل الدفاع عن مصر كان بطريقة هجومية وكوميدية على رؤساء تلك الدول، بل وعلى المصريين الذين يعارضون من خارج وطنهم، لذا كان الرد سريعا من جانبهم وهو حظر توزيع وتسويق أي فيلم يشارك فيه فؤاد المهندس، مما تسبب له في حصار فني شديد تمكن من كسره فيما بعد بعمل لم يرض عنه، لكنه كان سببا في إنقاذه من الإفلاس والتسول.

 

ويقول وسيم عفيفي الباحث في التراث إن رؤساء هذه الدول أتخذوا قرارا بمنع عرض أي أفلام أو أعمال للفنان الراحل الذي وجد نفسه محاصرا فنيا، فهو عارض اتفاقية “كامب ديفيد” في بعض بنودها، وصرح بذلك علانية، لكنه لم يكن كغيره من الفنانين الذين أعلنوا معارضتهم للرئيس السادات خارج مصر فكان رأيه أن السادات هو رئيس مصر وحتى إن كانت هناك معارضة له فيجب أن تتم داخل مصر وليس خارجها، وأصبح بعد ذلك السادات هو الرمز الذي يجب الدفاع عنه إزاء حملات النقد ضده.

العوض

وقف السادات مع المهندس وكرمه، وأضطر المهندس لقبول فوازير “عمو فؤاد رايح يصطاد”، والتي أذيعت في شهر رمضان في الثمانينيات، رغم رفضه للمشاركة في مثل هذه الأعمال، حيث رأى الفوازير عملاً يتسول به الرزق على حساب كرامته، وللمفارقة فقد نجحت الفوازير وعوضت الفنان الراحل ماديا كثيرا عما فقده.

 

فقدمها التلفزيون المصري خلال الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وكانت موجهة إلى الأطفال، لكنها كانت تحظى بمتابعة الكبار أيضًا، فقد اعتادت الأسر المصرية على إنتظار الحلقات الجديدة من الفوازير التي تعرض طوال شهر رمضان الكريم، وبالتحديد في الساعة الرابعة عصرًا، وشارك في بطولتها ليلى طاهر وفاروق فلوكس وعلا رامي وعلاء زينهم وعزة لبيب ومجدي فكري وأحمد سامي عبد الله، وإخراج محمد رجائي وتأليف فداء وشامخ الشندويلي.

 

نجح فؤاد المهندس في تمثيل دور جد دمه خفيف يجمع الأولاد حوله لإستكشاف البلاد والشخصيات التاريخية وخلق شخصية مشابهة لشخصيته الحقيقية من فوازيره لا تقل أهمية عن فوازير نيللي وشريهان وسمير غانم في ذاك الوقت، ولم يقتصر جمهوره على الأطفال أو صغار السن فقط، لكن كان أغلب المجتمع المصري يحاول حلّ “الفزورة” التي تشغل حيزا من مناقشات مائدة الإفطار، وعلى الرغم من مرور عشرات السنين، إلا أن عقول الكبار قبل الصغار ما زالت تتذكرها بالتفصيل..

 

وفى كل عام كانت هذه الفوازير تقدم مضمونًا مختلفًا، ونجح المهندس بخفة دمه في دخول قلوب الأطفال والتحوّل إلى جزء من ذاكرة كثيرين ممن كانوا أطفالًا في تلك الفترة وما زالوا يحفظون حتى مقدمة تلك الفوازير.. لكن الكثيرون لا يعرفون كواليس الفوازير وأجر بطلها.

 

وكشف المخرج محمد رجائي - الذي تولى إخراج الفوازير لسنوات طويلة - عن بعض الأمور على رأسها أن فؤاد المهندس صمم على استكمال الفوازير رغم حالته الصحية، مشيرًا إلى أنه تم الإتفاق على ألا يكون في السيناريو حركة كثيرة للمهندس لأنه لم يستطع التحرك والتنقل كثيرا من مكان لآخر، أجر فوازير “عمو فؤاد” ظل غير معلوم لفترة طويلة، لكن محمد نجل الفنان الراحل، كشف عن تقاضي والده 60 ألف جنيه كأجر عن جميع الحلقات، وليس عن الحلقة الواحدة كما كان مُشاع سابقًا، فوالده طوال مسيرته الفنية لم يطلب أجرًا مرتفعًا. 

العلامة

من العلامات البارزة والتي أرتبطنا بها جدا في الشهر الكريم، الأغنية الشهيرة لصباح “رمضان قال إحمدوه”، والشهيرة بـ”الراجل ده حايجنني”، والتي شارك فيها المهندس، حيث عرض الشاعر حسين السيد على “الشحرورة” كلمات الأغنية، والتي أعجبت بها للغاية، وقررت أن تغنيها رغم إعتراض العديد من أصدقائها على الكلمات، وطلبت من الموسيقار محمد الموجي تلحينها، وخرجت للنور عام 1962 على يد المخرج محمد سالم، وأمتد نجاح الأغنية ليتم عرضها ضمن فيلم “القاهرة في الليل” الذي قام ببطولته أيضا المهندس وصباح وأخرجه محمد سالم، وفي عام 1967 أصبح عنوان الأغنية عنوانا لفيلم من بطولة المهندس وشويكار، والذي قام بإخراجه عيسى كرامة.

 

ويبدو أن الفنانة القديرة شويكار - زوجة المهندس وقتها - شعرت بالغيرة من صباح، فقدمت معه دويتو لشهر رمضان بعنوان “الصيام مش كده”، كلمات حسين السيد وألحان حلمي بكر، والذي قال عنها في أحد اللقاءات التليفزيونية: “أغنية (الصيام مش كده) من أفضل الأغاني التي قمت بتلحينها عن رمضان، وكانت هناك مخاوف من عدم نجاحها في بداية الأمر، لأنه سبقتها أغنية ناجحة شبيهة لها، لكن تم تسجيل هذه الأغنية بتكليف من الإذاعة والتليفزيون، وقمنا بتصويرها مع بداية ظهور التليفزيون الملون”. 


“الصيام مش كده”، جسد الثنائي من خلاله حال بعض الأزواج مع الصيام، فكان بمثابة حديث بين رجل صائم وزوجته في نهار رمضان، وقدم المهندس للجمهور في النهاية رسالة “أن الصيام ليس إسرافا في تناول الطعام، لكن هناك روحانيات يجب أن نستمتع بها”.

بدأت قصة إنتاج المونولوج عندما اتفقت تماضر توفيق رئيس التليفزيون المصري في أواخر السبعينات، مع المهندس، على تقديم أغنية تعرض على شاشة التليفزيون في شهر رمضان، لأن التليفزيون كان المحطة الوحيدة والرسمية التي تتولى مثل هذه الاحتفالات، والأغنية كانت من كلمات الشاعر حسين السيد وألحان حلمي بكر، وأخرج الفيديو كليب الخاص به رشاد عبد الغني، وتعتبر من أوائل الأغنيات التي قدمت منفردة على هيئة فيديو كليب في ذلك الوقت.

 

المهندس كان محبا للأكل وكان يجلس في انتظار الفطار في شهر رمضان، فهو من عائلة ذواقة، ولا يعرف يجامل في الأكل، لكنه أيضا يقول رأيه بموضوعية دون تجريح، وقبل بداية الشهر الكريم كان يقوم بإعداد قائمة بالأطعمة التي سيتناولها طوال رمضان بالترتيب، فالطعام عنده كان مهم جدًا، وكان يحب السفرة المليئة بالخيرات، ورغم ذلك كان يأكل كميات بسيطة، ومن الأطباق الأساسية الطرشي، فإذا لم يكن موجودا تكون هناك مشكلة.

أول كاميرا خفية

قليلون من يعرفون أن المهندس أول من قدم الكاميرا الخفية في العالم العربي، وكان ذلك عام 1983، وطبعا لابد أن نذكر كيف بدأت القصة.. المنتج طارق نور كان يحلم بتقديم الكاميرا الخفية لأكثر من 6 سنوات، حتى تقابل مع إسماعيل يسري وتعاقد معه على البرنامج، لكن الأخير اقترح أن من يقوم بالبطولة هو فؤاد المهندس، ولأنه صديق شخصي لوالد إسماعيل وبينهما روابط أسرية، فذهب إسماعيل للمهندس وأقترح عليه فكرة البرنامج، وما كان من المهندس إلا أنه ثار وغضب وطرد إسماعيل، الذي عاد في اليوم التالي وأعاد نفس الطلب على الفنان الراحل، حتى وافق، وبعد عرضها حققت صدى كبير جدًا، فكانت راقية وتحترم ضيوف الحلقات والجمهور. 

البطاقة الشخصية

الأسم بالكامل فؤاد زكي المهندس، من مواليد 6 سبتمبر 1924 في محافظة القاهرة حي العباسية، وترتيبه الطفل الثالث في العائلة بعد أختين هما صفية ودرية والشقيق الرابع هو سامي. 
 

والده هو زكي المهندس العالم اللغوي، لذلك كان في منزلهم حرص بالغ على اللغة العربية التي أتقنها من خلال أبيه، فكان أبوه هو صاحب الفضل الأول في تنمية مواهبه الفنية، وقد ورث عنه خفة الدم وحضور البديهة وسرعة الخاطر الذي ميزه في مشواره الفني.

وعندما ألتحق بكلية التجارة أنضم لفريق التمثيل بالجامعة، وشاهده الفنان نجيب الريحاني وأعجب به في مسرحية “الدنيا على كف عفريت”، فأنضم لفرقته المسرحية، لعله يحظى بأحد الأدوار، إلا أنه لم يساعده كثيرًا، وبعد وفاة الريحاني أنضم لفرقة “ساعة لقلبك”، وكانت هذه بدايته مع التمثيل..


وعلى الرغم من أنه قدم ما يقرب من 70 فيلمًا سينمائيًا، إلا أنه أحب المسرح لدرجة أنه كان يقدم مسرحية “إنها حقًا عائلة محترمة” مع أمينة رزق وشويكار وهو مصاب بجلطة في القلب، وأكد له الأطباء أنه شفي منها من خلال عمله على المسرح، والمهندس كان له طقوس خاصة في المسرح، فكان يقرأ القرآن قبل فتح الستارة لمدة 10 دقائق، وخلال هذه المدة لم يكن يستطيع أحد الإقتراب منه، حتى ولو كان أبنه.

 

ولأنه يحب الأطفال فقد كان يبحث عن أي عمل يلتقي فيه بهم، وكانت بدايته مع الأعمال الموجهة للأطفال في مسرحية “أنا فين وأنت فين” بأغنية “رايح أجيب الديب من ديله”، بعدها توالت الأغنيات في الأعمال الفنية، حيث قدم العديد من الأغنيات للأطفال، وقدم المسرحية الكوميدية “هالة حبيبتي” التي أوضحت سوء المعاملة التي يلقاها الأطفال في بعض الملاجئ، وقد حالفه التوفيق بعد ذلك بعد مشوار فني طويل مع الأطفال بتقديم “فوازير عمو فؤاد” التي كان يتابعها كل الأطفال في مصر والعالم العربي.

المطرب الصغير

وعن علاقته بالغناء، فقد كان المهندس يحب الغناء منذ الصغر، وكان رئيسًا لفرقة الأناشيد في المرحلة الإبتدائية، وفي أعماله كان الغناء دائمًا موظفًا داخل العمل الفني، لأنه لم يكن مطربًا بالمعنى الحرفي، وكان يرى أن الفن له رسالة سامية وهي خدمة المجتمع.


ومن أشهر أعمال المهندس في المسرح كانت “سيدتي الجميلة، السكرتير الفني، أنا وهو وهي، حواء الساعة 12، سك على بناتك”، وأشهر أفلامه “أرض النفاق، أخطر رجل في العالم، شنبو في المصيدة، العتبة جزاز”، كما قدم للتلفزيون عدة مسلسلات منها “عيون” و”أرض النفاق”.

وكان له برنامج إذاعي إجتماعي يومي وهو “كلمتين وبس”، أُذيع منذ عام 1968 وسلط الضوء على سلبيات المجتمع المصري على لسان “سيد أفندي”، كما أنه دخل تجربة الإنتاج السينمائي عندما أنتج الفيلم الكوميدي “فيفا زلاطا”، إلا أنه لم يلقَ نجاحاً وقتها.

توفي العملاق فؤاد المهندس في سبتمبر عام 2006 إثر أزمة قلبية وهو في منزله بحي الزمالك بالقاهرة.
- رحم الله الفنان الكبير الذي أمتعنا بأعماله الفنية المتنوعة، والتي ساهمت بالتأكيد في تشكيل وجداننا ومازالت محفورة بذاكراتنا وقلوبنا معلقة بها.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة