سمير الجمل
سمير الجمل


يوميات الاخبار

حوار بين «الهيافة» و «الثقافة»

الأخبار

الأحد، 10 أبريل 2022 - 08:49 م

سمير الجمل

 

وكلها انتاجات لها أهدافها لترويج قيم بعينها دخيلة علينا وهناك ميلشيات سرعان ما تشهر أسلحتها بحجة أنها حرية الإبداع

صوّر لى خيالى أن «الهيافة» إذا تقابلت مع «الثقافة» فى الوقت الحالى فإنها ستفوز عليها بلمس الأكتاف وستنظر إليها على أنها «مُعقدة ومكلكعة».. ومهما حاولت الثقافة أن تكلمها أو تناقشها فإنها لن تسمع وإذا سمعت لن تعقل لأن الهيافة فى حياتها واسلوبها أبعد ما تكون عن الثقافة والمسافة بينهما تشبه ما بين السماء والأرض.. لا الهيافة تعرف كيف ترتفع وتسمو.. ولا الثقافة تتواضع وتتنازل وتتبسط.. ولهذا ارتبطت الكتب وما يتعلق بها من قراءة عند الغالبية بالجمود.. والمثقف حامل الأوراق بنظارته الطبية السميكة وكلامه غير المفهوم وسلوكه الغريب كأنه من كوكب تانى..


والهيافة جعلت من «الروشنة» دستورا.. وصاحبها المفتح الملحلح الذى يلعب بالبيضة والحجر.. والغاية عنده تبرر كل الوسائل.. وسقط الحاجز بين الصح والخطأ.. والضرورى وغير الضرورى.. والحق والباطل.. والخير والشر.. واختلطت المفاهيم..


والله سبحانه وتعالى عندما خلق الإنسان كرمه.. فإذا ارتقى بسلوكه.. اقترب من الملائكة وهم أهل الطاعة.. وإذا انزلق ودار فى فلك غرائزه.. انحدر إلى مرتبة الحيوانات غير العاقلة..


وقد ساهمت وسائل الإعلام خاصة السينما والمسلسلات فى رسم صورة بغيضة للمثقف الذى يعيش فى دنياه بعيدا عن واقعه.. كما رسمت صورة الواد الفهلوى الحلنجى على أنه الشاطر الذى يعرف كيف يتحول إلى رجل أعمال ثم نائب فى مجلس الشعب يلعب مع الكبار.. ولا تسأل هنا عن مصادر الثراء.. إن كانت تجارة ممنوعات أو آثار أو سلاح.. أو أغذية فاسدة أو قطع غيار مضروبة.. ولا يهمه لو مات المجتمع كله.. وعاش هو.. وهو ذلك يمارس جهله ولا يعرف أنها دائرة.. الكل حولها متأثر بها ويؤثر فيها.. مهما تحصن أو ابتعد.. والشركات الكبرى لعبت على وتر الهيافة وغيرت سلوك الناس فى الإعلانات.. وابتعد أفراد الأسرة عن المائدة أو الطبلية التى كانت تجمعهم.. يتبادلون الحديث ومعرفة أحوال بعضهم البعض ويتشاورون فى أمورهم.. والبداية مع الأطفال.. استخدم يمينك فى الأكل ابدأ بسم الله وانتهى بحمده وشكره على نعمته حتى لا يأكل معك الشيطان.. فما عندك أفضل مما عند غيرك وإن كان هناك من هو أحسن منك.. فأنت أحسن من غيرك..


ولا يغرنك هذا الذى جمع ماله وعدده.. فما تدرى كيف جمعه ولا فيما ينفقه.. والله سبحانه وتعالى قّدر الأرزاق ووزعها على عباده بالعدل.. والأرزاق ليست فقط هى المال.. لكنها الصحة والستر والعيال.. وراحة البال والبركة.. والعقل الذى هو الباب الذهبى.. بين الخطيئة والفضيلة.. وبين السليم والأعوج.. وبين الموهوب والموهوم «كُلًّا نُّمِدُّ هَؤُلَآءِ وَهَؤُلَآءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا» (الإسراء − 20)
أنا الثقافة


الناس لا تعرف أن رغيف العيش ثقافة.. والشارع ثقافة.. وملابسنا ثقافة.. كما أن عرى الآخرين ثقافة.. واحتشام الغالبية منا ثقافة.. وقس على ذلك سائر أنشطة الحياة..
ودخول وسائل التواصل الاجتماعى على الخط وانتشارها ساهم فى رفع شأن التفاهة لأنها لا تسأل ماذا تقدم.. لأن الأهم عندها كم من الناس سمعك أو شاهدك بصرف النظر عما تقول أو تفعل حتى أصبحت سكة التريند لعبة تمارسها شركة الإنتاج السينمائى عندما تسرب المقطع المثير للجدل وهى تعرف مقدما انها اختارت طريق استفزاز وقد تكون ضربة البداية من عندها وبيدها.. ثم إذا اشتعل الموقف وزاد الجدل وانتبه الملايين إلى ذلك المشهد من الفيلم.. بدأ التريند يتحقق والناس يدفعها الفضول تبحث عن العمل.. وأن كلام أغلبهم تكلم وهو لم يشاهد سوى المقطع اياه فى فيلم تافه لا يستحق.. وسبقه إلى ذلك فيلم «ريش» الكئيب وكلها انتاجات لها أهدافها لترويج قيم بعينها دخيلة علينا وهناك ميلشيات سرعان ما تشهر أسلحتها بحجة انها حرية الابداع.. وقد تساوت فى ذلك راقصة الدرجة العاشرة التى تصور نفسها فى الحمام وما كان يقدمه يوسف شاهين أو خالد يوسف.
ولا يختلف الحال عن تلك الراقصة المستوردة التى أصبحت حديث الفضائيات والمواقع لان الرقابة على المصنفات ضبطتها ترقص بدون شورت أسفل بدلة الرقص التى هى فى الأصل مجرد ٣ قطع.. لان الشغل عايز كده.


وبنفس منطق دعارة الجسد.. عرفنا دعارة المثقف الذى يتطاول على كتاب الله سبحانه وتعالى.. وسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم.. وهو يعرف أن هناك مؤسسات وجهات خارجية سوف تمنحه وسام البطولة والشجاعة وحرية الرأى.. إلى آخر مصطلحاتهم التى يتاجرون بها فى أسواقنا.. وتسأل عنها فلا تجدها إلا فى مواقف بعينها.. والحرب الروسية الأوكرانية ليست ببعيدة.. استقبلوا اللاجئين بالأكل والشرب والمسكن والإقامة والتعليم.. وتركوا اللاجئ الافريقى والسورى يموت غرقا.. أسرعوا إلى مجلس الأمن.. وكانوا يستخدمون الفيتو ضد كل قرار يمس إسرائيل.. حتى ظهرت روسيا تلوح لهم بنفس ورقة الفيتو.. تكلموا عن السلام وباعوا الأسلحة على قارعة الطريق.. أو قدموها مجانا إما للتجربة أو لأنها أصبحت موضة قديمة.. إذا أعجبهم الرئيس الاوكرانى وهو صنيعتهم ساندوه.. وإذا جاء رئيس آخر على غير هواهم سوف يحاربونه..
وهم فى كل هذا يتعاملون معنا على أننا أصحاب عقول فارغة.. وأسواق تهرول وراء منتجاتهم.. هم ينتجون ونحن نستهلك..
وفى كتابه المهم جدا يقول الدكتور أسامة أبو طالب بحس المثقف المصرى المخلص لدينه وبلده وأهله (الثقافة الفريضة الغائبة).. يقول: هناك فرق كبير بين التحضر والتخلف إذا أردت أن تعرفه اسأل نفسك عدة أسئلة:
● هل تنهاك صلاتك عن الفحشاء والمنكر وأن الله وحده هو الذى يحاسب البشر؟
● هل تشارك الخالق فى اختصاصه وتحدد من سيدخل الجنة ومن سيكون مصيره جهنم؟!
● هل تقف آخر الليل أمام المرآة وترى وجهك الحقيقى فتفرح أو ترضى أو تخجل أو تتمادى فيما فعلت وتفعل لأنك على صواب وغيرك على خطأ؟
● هل تعرف ما هى حقوقك وواجباتك.. وتحاسب نفسك قبل أن تحاسب غيرك؟
● هل تعرف عن بلدك ما يجعلك تعتز به وتخاف عليه أم أنك لا تعيش إلا فى دائرتك الضيقة؟
● هل تدرك معنى أن حريتك تنتهى عندما تضر غيرك فى حريته؟
● هل تفهم معنى أن تتصرف كشخص كما تريد فى بيتك.. لكنك عندما تنشر سلوكك المريض على الناس فى وسائل الاتصال دخلت فى دائرة من يشيع الفاحشة.. وينطبق عليك جريمة الفعل الفاضح؟
● هل قرأت أن الفن الهابط المدمر أخطر من المخدرات وأن الدين لا يعارض الفن السليم النقى الذى يرتقى بالذوق ويكشف لك موقعك فى تلك الدنيا الواسعة من حولك؟
والكتاب صرخة مصرى عمل فى الفن داخل مصر وخارجها.. ولكنه لا يخجل وهو الرئيس الأسبق للبيت المسرحى أن يقول: مسرحية مدرسة المشاغبين دمرت نظام التعليم وجعلت من المدرس مسخرة بلا هيبة أو قيمة ومسرحية «العيال كبرت» مسحت الأرض بكرامة الأب وجعلت من الصياعة أسلوب حياة.. وعلى ذلك انفرطت حبات المسبحة.. فى الغناء والأدب والمسرح والسينما والتليفزيون والصحافة.. فهى من بعضها البعض إذا قامت.. نهضت الحياة كلها معها.. وإذا نامت وغفلت دخلنا فى عصر بيكا وشاكوش وموتة.. وقد تقلدوا السيوف الذهبية.. وشهادات الدكتوراه الفخدية وليس الفخرية.. حتى قلنا مثلما قال زعيم المشاغبين: بلا دكترة بلا نيلة.. وويل لنا إذا سادت العوالم على العلماء.. وانتشار الإرهاب والتطرف فى الدين والتجارة الوجه الآخر من الغفلة والجهالة والشذوذ الذى يصورونه على انه حرية شخصية والله من فوق سماواته السبع قد حرمه فى الديانات الثلاث السماوية..
والقرآن الكريم يصف لنا كيف أن هؤلاء أصحاب الأفعال البغيضة عندما أرادوا وصف أصحاب الفطرة السليمة:
«وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّآ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ» (الأعراف − 82).
وكأن الآية انقلبت وهو ما يعنى منهج التبجح والوقاحة عند الفاحش بوجهه المكشوف وحسه البليد وليته يكتفى بما يفعل بل يصف غيره بالمتطهر وهو شرف وشهادة حق من أهل الباطل..
فهل يدهشنا بعد ذلك أن نرى نجوم السطحية والهيافة هم الأعلى كعبا ومالا وشهرة.. بينما توارى أهل الصنعة والمهارة والمهنة والإجادة.. لان طاقتهم تنفد فى أعمالهم التى يبدعونها بينما الأجوف مثل الطبل هو الأعلى صوتا.. الفارغ من العقل والقيمة الذى يشغل وقته كله فى التخطيط والتدبير وهو غالبا ما ينتمى إلى عصابة أو شلة تحميه ويتخذها درعا.. فإذا هاجمته انطلقوا عليك من جحورهم.. يصيحون لان المصلحة واحدة.. لكنهم ما ارتفعوا أو بدوا كذلك فى أعين الغالبية هم إلى سقوط لان ما ينفع الناس يمكث فى الأرض وأما الزبد.. فيذهب جفاء..
وقد قال الشاعر:
نروح ونغدو لحاجاتنا
وحاجة من عاش لا تنقضى
تموت مع المرء حاجاته
وتبقى له حاجة ما بقى
ولو دامت لفرعون وقارون وهامان والاسكندر ونابليون وهتلر.. ما وصلت إليك..
وماذا بقى لأصحاب المال والجاه والشهرة.. إلا ما زرعوا من النبات الطيب ولو بكلمة.. تكون لهم.. لا عليهم وهل يكب الناس فى النار على مناخيرهم إلا حصائد ألسنتهم.. لو يعلمون ويفهمون ويفقهون..
والمولى سبحانه وتعالى يأتى بالقصة فى القرآن الكريم لكى نتدبر ونعقل ونعى.. ثم نختار بين طريق يأخذنا إلى أعلى وآخر إلى أسفل السافلين.. نسأل الله أن نكون مع الأعلى وإن كنا فى الدنيا غير ذلك.
ورب لذة أوجبت حسرة وزلة أعقبت ذلة ومعصية سلبت نعمة وضحكة جرت بكاء!!

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة