الشيخ الشاب عاصم السعيد
الشيخ الشاب عاصم السعيد


عبد الهادي عباس يكتب: القارئ الشاب الذي تنبأ له شعيشع بالانتشار واعتمده نعينع

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 17 أبريل 2022 - 02:06 م

- قال إن مصطفى إسماعيل كان "ينفّض" فرختين شمورت على الريق!

عبد الهادي عباس 

في السرادق وزراء ولواءات ومستشارون، كلهم آذان واعية، وأبصار شاخصة، ورؤوس يُطوِّحها الطربُ والتخشُّع يمنة ويسرة، أصغرهم عمره ضعف عمر ذلك القابع على كرسيِّه كما السلطان على عرشه، وإن سمَّاه بعض الناس بكرسي "المحزنة"، لأن القارئ لا يجلس عليه في غير أيام الأحزان والأتراح.. يملك القارئ الشاب ألقًا ساحرًا وعينين تشعَّان نورًا قادمًا من هناك، من أعماق الروح، ومع هذا يُجيل لحاظه من طرفٍ خفىٍّ ليعلم وقع قراءته في السامعين.

عِمَّته الزاهية، وجبته وقفطانه المهندمان تشعرك بأنك فى حضرة مجسَّم صغير للأزهر الشريف بعبقه الوديد وتراثه العتيد، فتسكن عيناك عنده، ولا تحيد؛ أما "لاسته" المطوقة لعنقه رغم الحر المستطير، فكأنها أسلاك شائكة مضروبة حول كنز ثمين!

الشيخ عاصم، عمره فوق الثلاثين بقليل، بحساب الميلاد، وخبرته القرآنية تجاوز الخمسين بحساب العبقرية والنبوغ، لأن القدر وهبه أستاذا أضاف خبرات عمره المديد إلى عمره الوليد، فكان عمه هو أستاذه الشيخ فرج المقرئ للقرآن الكريم والقراءات العشر، والمحفظ المشهور بمحافظة الشرقية، الذي اعتنى به وحفَّظه القرآن وعلَّمه القراءات العشر بالسند الموصول، ثم أسهمت نداوة صوته وطلاوته في شهرته رغم صغر سنه.

يقول الشيخ الشاب عاصم السعيد لـ "بوابة أخبار اليوم": نشأت في أسرة كما قال القرآن: "ذرية بعضها من بعض"، حيث ظلت أسرتي لسنواتٍ طويلة هي التي تعلم الناس القرآن، فأصبحت الهواية مهنة والمهنة هواية، وأصبح القرآن غاية لذاته ولذَّاته، وهو هو غاية لطلب الرزق واللقمة الحلال، ولمَ لا وقد وهبني الله ابنًا للعالم الجليل، الأزهري، الدكتور السعيد محمد علي، الذي جعل بيته مفتوحًا لكل أحبابه وأصدقائه من كبار قراء وعلماء ومبتهلي مصر المحروسة، وهنا- في البيت- التقيت بسيدنا الشيخ أحمد محمد عامر، والشيخ عبد العاطي ناصف، والشيخ السيد متولي عبد العال، والدكتور فرج الله الشاذلي، رحمهم الله تعالى ورضي عنهم؛ وكذلك الدكتور عبد الفتاح الطاروطي، والشيخ محمود الخشت، والشيخ أنور الشحات، والشيخ حجاج الهنداوي، وغيرهم، فتعلمت منهم الكثير والكثير ولا زلت أتعلم. 

بيد أن الشيخ الشاب لم يكتف بموهبته، بل دعمها بدراسة وثيقة الصلة بها في وجه من الوجوه، فحصل على الليسانس في كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر.

ألا تحلم يا مولانا بأن تكون وكيل نيابة؟ سألته، فأجاب: بالطبع أحلم، ولكنه يظل الحلم الثاني، بعد حلمي الأول بأن أصبح قارئًا مشهورًا وخادمًا للقرآن الكريم، فأنال الفوز في الداريْن، خاصة أن الله قد حباني صوتًا جميلا منغمًا بشهادة مشايخي وجمهوري؛ ولقد أجازني القارئ الطبيب أحمد نعينع، رغم سني الصغيرة، فأصبحت قارئ سورة الجمعة بأحد أشهر مساجد القاهرة، وهو مسجد الرفاعي، خلفًا للقارئ الكبير الشحات محمد أنور.

سألته: أراك تتزيَّا باللباس الأزهري، هل ستظل متمسكًا به إن تم قبولك في النيابة، أم تلبس البدلة كالشيخ نعينع؟.. فأجاب بداهة: لا أظنني سأخلع الزي الأزهري لأنني أشعر داخله بالعزَّة، ولا أستطيع القراءة من دونه، وليس الدكتور نعينع مخطئًا مع هذا، فعلى القارئ المحافظة على ارتداء زي واحد.. وعن الطقوس الخاصة به قبل القراءة، يقول الشيخ عاصم إنه يبتعد عن المراوح والتكييفات والمثلجات ويتناول فقط المشروبات الدافئة حتى لا تتأثر حنجرته؛ ويُكمل مبتسمًا: إن جسمي النحيل خير شاهد أنني لا آكل كذا كيلو لحمة أو كام وزة على كام بطة كما يروي الناس، غير أنني سمعتُ الدكتور نعينع يقول إن الشيخ مصطفى إسماعيل كان "ينفّض" فرختين شمورت على الريق!

وعن مدى ربحية مهنته، يقول الشيخ عاصم إنه لا "يفاصل" مع الزبائن، فهذا لا يليق بأهل القرآن الذين عليهم الرضا بما يقسمه الله لهم من رزق؛ فطلبت إليه ذكر المبلغ التقريبي للحفلة الواحدة، فقال: بحسب ثراء أهل الميت وفقط، ثم يردف: وكثيرًا ما يقصدني بعضُ الفقراء لأقرأ في حفلاتهم البسيطة دون أجر، فأكون سعيدًا بذلك وألتمس منهم الدعوات الصالحات.

وعن بعض المواقف المضحكة، يذكر الشيخ عاصم أن أحد المشايخ دعاه إلى حفلة، وفي آخر الليلة أعطاه مظروفًا مغلقًا لم يفتحه إلا في سيارة الأجرة فوجد به خمسين جنيهًا فقط، فأعطاها إلى السائق ورجاه أن يسامحه على هذا المبلغ الضئيل لأنه كل ما خرج به من ليلته، ثم قطع حبل الود مع هذا القارئ ولم يصاحبه في حفلات أخرى.

الشيخ الشاب عاصم السعيد لا ينسى أبدًا كلمات الشيخ أبوالعينين شعيشع حين قرأ أمامه لينضم إلى نقابة القراء، حيث قال له: "يا عاصم ربنا سيعطيك كثيرًا، فلا تتعجل"؛ وبالفعل تحققت كلمات هذا الشيخ الأجل، فجاءته البشارة بالتعيين إمامًا وخطيبًا بوزارة الأوقاف بعد الاختبار الأول.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة