محمود عطية
محمود عطية


يوميات الاخبار

داء إرضاء الآخرين

د.محمود عطية

الأحد، 24 أبريل 2022 - 09:24 م

 

كلما حدثت فعلة خبيثة من متحجرى الأفئدة المنتسبين للأديان.. أتذكر ما قاله ملك سيام بأنه: «لو شاءت العناية الإلهية أن يسود العالم دين واحد فما كان أيسر من تنفيذ ذلك الغرض...»

كأن انفضاض المرء عن تناول الطعام والشراب يغرى بالقراءة.. هذا ما يحدث لى خلال شهر رمضان منذ طفولتى.. وأتذكر أنه فى ميدان السيدة زينب قديما -موطنى الأصلى- كانت تنتشر عربات يد خشبية لبيع الكتب القديمة فى رمضان ثم تحولت إلى سور دائم على غرار سوق الأزبكية القديم واختفت منذ زمن.. وكنت من زبائن ذلك السور وأنتجت علاقتى بالكتب صداقات مع باعتها.. وفى هذه اليوميات أعرض بعضا مما قرأته وما أقرأه حاليا.
الجمعة:
كارثة الآخرين
أحدث ما يحذر منه علماء النفس وأطباء العلاج النفسى هو داء الاعتياد على «إرضاء الآخرين».. ويحذرون من آثار ذلك على الشخص المصاب بهذا الداء.. ولا أدرى لماذا تذكرت ما كانت تردده جدتى من مقولة (اللى يصعب عليك يفقرك) حين قرأت عن هذا الداء الجديد.. فهل هناك علاقة بين إرضاء الآخرين الذى يحذر منه أطباء ودكاترة النفس وما تردده ستى.. وما الخطر فى ذلك؟!
 من الممكن أن أصحاب الحاجة أو من يطلبون مساعدة منك.. تشعر نحوهم بالضعف أى «يصعب عليك» .. فتحاول أن تلبى حاجاتهم وترضيهم ويتولد لديك شعور بالراحة من رضاهم عنك.. لكن أحيانا تكون مطالبهم مبالغا فيها ومع ذلك تورط نفسك فى تلبية ما يحتاجون وتضعف مشاعرك نحوهم وتجد نفسك فى ورطة كبيرة بسببهم لأنهم «صعبوا»عليك!.. فى البداية ربما تتعجب من أن يصف علماء النفس «إرضاء الآخرين» بأنه داء ومشكلة بل وعاهة نفسية تصيب الإنسان وتعطل حياته.. وتتساءل وما العيب فى أن أرضى الآخرين وألبى احتياجاتهم؟!.
   علماء النفس يحذرون من تحول السعى وراء إرضاء الآخرين إلى سلوك قهرى وعادة تتلبسك بحيث لا تتمكن من رفض أى طلب.. أى أن تجد نفسك لا تستطيع الفكاك منه وتحاول بشتى الطرق إرضاء رغبات من حولك وتنفذ كل ما يطلبون أملا فى نيل رضاهم عنك.. وتصبح محكوما ومضطرا إلى إرضاء وإسعاد  الآخرين.. وتحرص كل الحرص على نيل قبولهم ورضاهم عنك.. وتفقد السيطرة على حياتك من جراء الضغوط والمطالب التى تتسبب فيها محاولاتك إرضاء وتلبية احتياجات الآخرين.. ولو ابتليت بهذا الداء ستجد نفسك دوما لا تقف عند قول «نعم» أمام ما يبادرونك به من مطالب.
فتعلم أن تقول «لا»حين لا تستطيع وحين لا تجد وقتا.. ولا تحاول أن تكون لطيفا أكثر من اللازم.. ولا تلبى كل الطلبات وتنساق وراء مشاعرك وخوفك من النقد ومن اللوم.. وتعلم أن تحقق نفسك من خلال ما تفعله لنفسك واحترامك لذاتك وأن تنال رضاك من داخلك وليس من الآخرين.. أنقذ نفسك من داء الإرضاء المفتوح الذى يدمر حياتك.. وتذكر دوما لن يرضى عنك كل الناس.. كما لن يكرهك كل الناس.. «داء إرضاء الآخرين» لـ»د.هاريت بى برايكر»   
الأحد:
متحجرو العقول
كلما حدثت فعلة خبيثة من متحجرى العقول والأفئدة المنتسبين للأديان.. أتذكر ما حدث فى القرن السابع عشر حين أراد ملك فرنسا لويس الرابع عشر توطيد العلاقات مع بلاد سيام والسماح له بالتبشير بديانته المسيحية وأن يتقبل ملك سيام الدين الجديد.. فرد عليه ملك سيام بأنه: «لو شاءت العناية الإلهية أن يسود العالم دين واحد فما كان أيسر من تنفيذ ذلك الغرض, ولكن حيث إن الله يسمح بوجود أديان مختلفة, فينبغى أن يستنتج أن الله يؤثر أن يسبح بحمده عدد لا يحصى من المخلوقات، كل يمجده طبقا لأصوله الخاصة».. فدهش الفرنسيون عندما سمعوا هذه الكلمات، إذ إن ملك سيام الذى لا يعرف شيئا عن علوم أوربا، قد شرح بالرغم من ذلك فى قوة ووضوح ما تدين به الفلسفة.. ومن أراد مزيدا عن تلك الوقائع عليه الرجوع لكتاب «أزمة الوعى الأوربى» إنتاج المنظمة العربية للترجمة.
الثلاثاء:
كفيفنا المبصر
وأتذكر دائما كتابات مفكرنا العظيم د.طه حسين الذى مازال حاضرا بمعاركه الفكرية حتى ينير لنا طريق الحداثة وقبول الآخر ونبصر ما نراه وما عمى أصحاب القلوب المغلقة عن رؤيته فكتب معاتبا على البعض منا ((..أيسر شىء على بعض الناس فى هذا البلد أن يرمى الرجل بالإلحاد فى دينه، والمروق من إيمانه إن أنكر بدعة معروفة أو جحد خرافة مألوفة كأنما مفاتيح الجنان فى يد فلان يدخل فيها من يشاء ويذود عنها من يشاء. كذلك من الميسور إباحة المحظور والتماس الحيلة فى كل مستغلق من الأمر، كأنما الدين إطار مرن يستطيع أن يحيط بكل شىء حتى المتناقضات. كل هذا يسير لابأس به ولا بدع فيه، وإنما القصد فى الدين الاعتدال فى الإباحة والحظر هما الأمران اللذان قد بلغا من العسر أقصاه ومن الحرج منتهاه، حتى ضاق بهما التأويل، ولم يسعهما النص والدليل، فاللهم هيىء لنا من أمرنا رشدا.. وليس الإيمان ملكا لأحد إن شاء وهبنى إياه وإن شاء استرده..  «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»  
الخميس:    
المردفات من قريش
أول لقاء لى بهذا الكتيب جاء من خلال رواية المبدع صنع الله ابراهيم «أمريكانلى» وهى مخطوطة «المردفات من قريش» وهى عبارة عن كتاب صغير يقع فى 21 صفحة، وقد تم طباعته ضمن مجموعة «نوادر المخطوطات 1/ 57، فى مصر سنة 1951  لأبى الحسن على بن المدائنى المتوفى عام 938 بتحقيق «عبد السلام هارون» .. وفى الكتاب إفصاح عن كثير من غوامض الحياة الاجتماعية، فى الصدر الأول من الإسلام وعن النضج الفكرى لكثير من نساء ذلك الزمان.. ويروى خاصة عن النساء القرشيات، اللاتى أردفن زوجًا بعد زوج، ولم يكتفين بزوج واحد، وهن نساء الطبقة العليا من قريش من نطلق عليهن بلغة العصر الارستقراطيات المثقفات من نساء قريش.. وشمل  الكتاب سيرة ثمانى وعشرين امرأة من القرشيات البارزات على رأسهن السيدة «سكينة ابنة الحسين» حفيدة الرسول الكريم.. وقد تزوجت السيدة سكينة ست مرات وكانت تشترط فى عقود زواجها عدم طاعة الزوج إلا فيما يقره عقلها وألا يتزوج عليها.. وقد قاضت أحدهم لأنه انتهك شرعة الزواج الأحادى الذى فرضته عليه فى عقد الزواج وتزوج عليها. كما أنها لم تخف عشقها لبعض أزواجها.
  وأخرى السيدة «عاتكة» أرملة عبد الله بن أبى بكر خطبها عمر بن الخطاب  وعندما قتل عمر خطبها طلحة بن عبيد الله ثم  تزوجها الزبير بن العوام وعندما قتل  خطبها على بن ابى طالب.. فقالت له أشفق عليك من القتل، لم أتزوج رجلا إلا قتل فتزوجها محمد بن أبى بكر فخرجت  معه إلى  مصر  فقتل وانتهى بها المطاف بالزواج من عمر بن العاص.. وهناك ميمونة «أم حكيم» من ذرية أبى بكر الملك وتزوجت تبعا من عمه الخليفة سليمان بن عبد الله ثم من عميه الآخرين يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن عبد الملك اللذين توليا الخلافة فيما بعد.
الإثنين:
العقل السلفى
تشريح بالغ الأهمية والإفاضة فى كتاب «كيف يفكر العقل السلفى» لمؤلفه د.نور الدين أبو لحية.. يرى الكاتب أن السلفية هى منهج فى التفكير مثل المناهج تعتمدها المدارس الفكرية المختلفة.. ولايمكن أن نفهم الظاهرة السلفية ونحن نجهل المنبع الأساسى الذى يصدر منه كل ذلك الفكر والسلوك والمواقف.. فالعقل السلفى يختلف اختلافا جذريا عن العقل الفلسفى والعقل الكلامى لأن كليهما يحاول أن يبذل جهدا فكريا للوصول إلى الحقائق سواء باعتماده على العقل المجرد، أو مزجه بين العقل المجرد والوحى الإلهى.. والعقل السلفى لايطيق هذا الجهد وليس لديه الآليات التى تسمح له بذلك, ولهذا نراه يعادى المفكرين وأصحاب التفكير، ويتهمهما بالهرطقة والزندقة.
 والعقل السلفى أكثر العقول راحة لأنه لا يحتاج سوى لمعرفة رجال السلف الذين يأخذ عنهم دينه، ثم يسمع ما ذكروا ويحفظه ويظل يردده وبقدر لمقولات السلف بقدر تمكنه من الدين والعلم..! ومعظم المناظرات التى تجرى بينهم وبين خصومهم تنتهى بالخصومات, لأن اكثر المناظرين لهم يتحاورون معهم بالحجج العقلية والنقلية وهم لايعرفون كلا النوعين من الحجج لأن الحجة عندهم هى ما قال سلفهم.
الأربعاء:
نابليون وذبح التنوير
  بونابرت ابن حركة التنوير والثورة الفرنسية الذى قدم نفسه كبطل حضارى تحررى.. ومع ذلك لجأ لقمع المصريين ودار فيهم تقتيلا لرفضهم غزو بلادهم بحملته الشهيرة «الحملة الفرنسية» على مصر 1798.. وقد اتجه بعدها إلى ناحية الشام.. وفى اثناء الحملة على سوريا ذهب إلى أبعد مما فعله فى مصر.. بدأ مذبحة حامية يافا بعد الاستيلاء عليها فى يوم 7 مارس  1799.. ويذكر أن تعداد الحامية «حامية يافا» كان ما بين أربعة إلى خمسة آلاف  رجل انسحب منها بعض المصريين وعادوا إلى مصر, بينما قتل الآخرون رميا بالرصاص.. وفى مذكرات بونابرت الموجودة فى جزيرة سانت هيلانة قال ان عدد المسجونين كانوا 2500 منهم 900 رجل من حامية العريش فقط هؤلاء (800 إلى 900) هم الذين نفذ فيهم حكم الإعدام لأنهم  انتهكوا  القسم بألا يحملوا السلاح ضد الفرنسيين بعد التسليم والسجناء الآخرون تم ترحيلهم إلى مصر مع الغنائم... وجاء تنفيذ حكم الإعدام فى آلاف من السجناء بدون دفاع.. جاء بواسطة شخص متعلم وحضارى مثل نابليون الذى قدم نفسه على أنه مدافع عن الحرية ومبعوث الحضارة. «الثورة الفرنسية والحملة الفرنسية .. «مترجم»

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة