صورة موضوعية
صورة موضوعية


هل تحكم عُقد التاريخ الاحتفاظ بأجنة لمتوفين أم أنها ترتيبات ديموجرافية للمستقبل؟

لغز «الأجنة المجمدة».. 8% من سكان إسرائيل فى الفريزر

هالة العيسوي

الإثنين، 25 أبريل 2022 - 10:53 م

قبل نحو شهر نشرت صحيفة هاآرتس تقريرًا يحذر من قرب نفاد المساحات المخصصة لتخزين الأجنة المجمدة بما يشكل عبئًا على الأجهزة الطبية، نظرًا لتراكم هذه المخزونات على مدى سنوات، وتجدد الكميات المراد الاحتفاظ بها للمستقبل. العبء لا يقتصر على ضرورة توفير أماكن إضافية للتخزين، إنما تعداه إلى عبء اقتصادى لأن الحكومة تقوم بتشجيع عملية الاحتفاظ بالأجنة وتتولى تقديم هذه الخدمة مجانًا للأزواج الراغبين فى الإنجاب بما فى ذلك تكاليف الإجراءات الطبية لعملية التخصيب الاصطناعي، وتكاليف عملية التجميد بمستلزماتها كما تتحمل أيضًا تكاليف خدمة الاحتفاظ بالأجنة المجمدة لمدة خمس سنوات، قد تتضاعف لو طلب الزوجان ذلك. ويعتبر النيتروجين السائل- أى السائل المبرد الضرورى لهذه العملية - والمادة التى تصل إلى أدنى درجة حرارة نعرفها - موردًا مكلفًا. كما هو الحال مع الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل الحاويات وآليات التحكم، وبالطبع هناك أيضًا الأفراد اللازمون للتشغيل والإشراف على العملية برمتها. تقدر وزارة الصحة تكلفة تخزين الأجنة بحوالى 1.5 مليار شيكل (حاليًا حوالى 468 مليون دولار) على مدى عقد من الزمان. وهذا المبلغ الهائل يتم تمويله من قبل دافعى الضرائب فى البلاد.

 

بوستر للتشجيع على التبرع بالأجنة المجمدة تحت شعار «أجنتنا أبناؤنا»

تحذير هاآرتس أثار العديد من التساؤلات، عن السبب الذى يدفع حكومة تل أبيب للاحتفاظ بأجنة مجمدة طيلة هذه المدد، وهل الدافع إنسانى محض لخدمة العلم والبشرية، ولاسيما فى ظل اقتحام إسرائيل مجالات التكنولوجيا والهندسة الوراثية فى الطب والزراعة منذ عقود، وتسجيلها نجاحًا ملحوظًا فيهما، أم أن ثمة دوافع أخرى؟

عملية التجميد
فى الطب، كان من بين المجالات التى عملت عليها علاجات الخصوبة المتنوعة بما فى ذلك التخصيب المجهرى وتجميد البويضات والحيوانات المنوية وأطفال الأنابيب، وقد ذكرت إحصائية أن 5 % من الأطفال المولودين فى إسرائيل نتيجة التلقيح الاصطناعي، وهو أعلى معدل فى العالم.. مع القفزات العلمية المتسارعة انتشر مصطلح «إعادة إنتاج البشر».

تعبيرًا عن عملية « تجميد الأجنة»، وهى خطوة متقدمة على عملية تجميد البويضات، إذ تحدث عبر مواجهة البويضات والحيوانات المنوية معمليًا فينتج منها  ما يسميه العلماء بانتاج «إمكانية حياة» أى إنتاج عدد من الأجنة يتم زرع بعضها فى رحم الأم وتجميد الفائض لاحتمال الحاجة إليه لاحقًا.  تثير هذه العملية العديد من الأسئلة الأخرى القانونية، والأخلاقية، والدينية.

تساؤلات مشروعة
على سبيل المثال: ما هى بالضبط تلك الأجنة المجمدة؟ هل هم كائنات حية مجمدة؟ أم تم إيقاف عملية الانقسام والنمو وتجميدها بشكل مصطنع؟ فى هذه المرحلة، ربما هم فقط مجرد «إمكانات الحياة» كما يصفها العلماء اليهود ؟ إنها ليست مجرد بيض، كما هو الحال فى عملية تجميد البويضات لعمليات الخصوبة المستقبلية. إنها تحمل بالفعل العامل الجينى المشترك من ناتج المواجهة بين الحيوانات المنوية والبويضة؛ إنهم الإخوة والأخوات المحتملون للأجنة التى تنمو فى بطن الأم. ثم ..إذا انتهت علاجات الخصوبة بالنجاح واكتملت عمليات تكوين الأسرة، فما العمل بالأجنة التى تظل مجمدة فى عيادات الخصوبة؟ وما مصير هذه الأجنة حال إهمال الزوجين لها وعدم مطالبتهما بها؟ و أخيرًا .. هل تسمح الشريعة اليهودية بهذه العملية الطبية العلمية فى ظاهرها؟ بعد أن أشارت دراسة هى الأولى من نوعها فى إسرائيل، إلى خيار غير موجود حاليًا فى القانون هو التبرع بالأجنة من أجل الإنجاب. هذا خيار موجود فى كندا والمملكة المتحدة وأماكن معينة فى الولايات المتحدة. على عكس التبرع بالحيوانات المنوية أو البويضات، يكون التبرع هنا من أخ أو أخت محتمل فعليًا يحمل المادة الوراثية للزوجين.

إقرأ أيضاً | استشارى عقم: تجميد البويضات فرصة للآنسات المتأخرات في الزواج

الخيار المفضل
يشار إلى أنه فى بداية العلاج، يجب أن يقرر الزوجان الخيار المفضل لديهم: تجميد الأجنة لمدة خمس سنوات؛ أم إذابتها (مما يعنى تدمير الأجنة الفائضة)؛ أو التبرع بها للبحث. بعد خمس سنوات، يجب على الوحدات الاتصال بالمرضى مرة أخرى والاستفسار عما يريدون فعله بالأجنة المجمدة. فى كثير من الحالات، لا يتم إجراء مثل هذا الاتصال، ويستمر عدد الأجنة المجمدة فى النمو. كان من نتائج الدراسة المشار إليها سالفًا أن عددًا محدودًا من آباء هذه الأجنة وافق على التبرع بالفوائض المهجورة لأغراض البحث العلمى بينما أجاب 62٪ من أفراد عينة الدراسة بأنهم يوافقون على التبرع بالأجنة من أجل الإنجاب ومساعدة المحرومين من تكوين أسر.

تعتيم إعلامي
ما لا يعرفه الرأى العام أنه يوجد فى إسرائيل مئات الآلاف من الأجنة المجمدة فى قوارير النيتروجين السائل. يقدر البعض عدد هذه الأجنة بين700 - 800 ألف، أى ما يعادل حوالى 8٪ من سكان إسرائيل.

وتقدر وزارة الصحة الإسرائيلية أنه يتم تخزين حوالى مليون أجنة مجمدة فى 25 مركزًا لعلاج الخصوبة منتشرة فى جميع أنحاء البلاد. يعتقد بعض الخبراء أن الرقم أعلى من ذلك. على سبيل المقارنة فإن هذا هو العدد نفسه تقريبًا من الأجنة المجمدة المخزنة حاليًا فى الولايات المتحدة - التى يبلغ عدد سكانها 330 مليونًا، أى 35 ضعف عدد سكان إسرائيل.

اللافت انه تم تجميد وتخزين أحدث الإضافات إلى قائمة الجرد خلال الأيام القليلة الماضية، ولكن بعض المخزونات القديمة  مازالت موجودة هناك منذ عام 1987، عندما بدأ تجميد الأجنة فى إسرائيل. أى أنهم كانوا فى حالة حياة محتملة لمدة 35 عامًا،: ليسوا أحياء، لكن ليسوا أمواتًا أيضًا. اليوم ينتمى العديد من ملايين الأجنة إلى أشخاص تجاوزوا سن الأبوة بوقت طويل. يبلغ عمر بعض هؤلاء الأشخاص أكثر من 70 عامًا، ومات آخرون.
أهداف غير منطقية

فى ظل حقيقة أن إسرائيل هى واحدة من أكثر الدول نشاطا فى مجال التلقيح الصناعى ومساعدة الأزواج المصابين بالعقم، وفى ظل نتائج الدراسة التى بينت أن العقل الجمعى الإسرائيلى يسعى للتكاثر بأى وسيلة حتى لو بنطف ليست من أصلابهم، مما قد ينم عن رغبة فى الاحتفاظ بسلاح مهم فى السباق الديموجرافى على الأرض تحرّت «الأخبار» عمّا يمكن أن يكون السبب أو الدافع الحقيقى وراء الاحتفاظ بهذه الأجنة المجمدة، لآباء ماتوا بالفعل.

بصرف النظر عن الأزواج المصابين بالعقم، ظهرت تبريرات غيرمنطقية، فقد تم الاستشهاد بقتل اليهود فى الحرب العالمية الثانية (الهولوكوست) كسبب آخر لقلق اليهود بشأن عدم الإنجاب فى المستقبل، مما شجعهم على اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي!  وفى 7 أبريل  الجارى قال مستشار قانونى سابق لوزارة الصحة الإسرائيلية لصحيفة «هآرتس»: «إن أمة فقدت ستة ملايين عضو لن تدمر الأجنة بسهولة»!

مع ذلك فإن لدى بعض الأشخاص مبررات أخرى لإنتاج جنين متجمد.وتشكل عائلات جنود الجيش عددًا كبيرًا من هذه المجموعة. كانوا يخشون أن يُقتل أبناؤهم فى الجيش، وبالتالى اعتبروا إنتاج الأجنة من خلال التلقيح الاصطناعى ببيض صديقة أو امرأة متبرعة وسيلة مشروعة للحصول على حفيد.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة