القاتل «مريض نفسيًا»
القاتل «مريض نفسيًا»


في الإسماعيليةl جريمة عائلية جدًا.. والقاتل «مريض نفسيًا»

أخبار الحوادث

الثلاثاء، 03 مايو 2022 - 02:41 م

حبيبة جمال

مأساة تتكرر كثيرًا دون أن ننتبه لعواقبها، بطلها مريض نفسيًا يعيش بيننا، وخوفًا من «الوصمة الاجتماعية» نرفض الإفصاح عن مرضه وبالتالي علاجه؛ وتكون المحصلة في النهاية أنني اخفيت قاتلًا في بيتي، وهذا ما حدث في محافظة الاسماعيلية، جريمة بشعة فيها قتل وذبح ودماء سالت في الصباح الباكر وصراخ وعويل، مأساة بطلها مريض نفسيًا.

 

مع بداية إشراق الشمس، وإذاعة القرآن بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، الذي يأتي من الراديو فى صالة منزل الحاج عوض، ذلك الفلاح البسيط، بدأت الحركة تدب في المنزل، استيقظ عوض من نومه استعدادًا للذهاب لمباشرة عمله في الأرض الزراعية، سيناريو معتاد، لكن اختلفت تفاصيله في هذا اليوم، لتنتهي بجريمة بشعة استيقظ عليها الأهالي.

 

«صراخ وعويل» في الصباح، حول القرية الهادئة لصخب، الكل استيقظ مفزوعًا من نومه يتساءل من أين يأتي هذا الصوت، لتأتي الإجابة سريعا «من منزل الحاج عوض»، أسرعوا لهناك لمعرفة السبب، وكانت الصدمة التي أدهشتهم وعقدت ألسنتهم، الحاج عوض غارقًا في بركة من الدماء، ويجلس ابنه بجواره ممسكًا بسكين ينظر إلى من حوله وقطرات الدماء تسيل من نصل السكين وكأن نظراته لمن حوله بمثابة سؤال يوجهه لهم «هو في ايه وليه بابا مات وليه أنا ماسك السكينة دي اللي فيها دم»؟!، ليرتسم الحزن على وجوههم، فيتأكدون أن أحاسيسهم كانت صادقة عندما توقعوا أن هذا الرجل الطيب ستكون نهايته على يد ابنه هذا، فهم يعرفون أن الجاني مريض بمرض عقلي وصار مصدر تهديد لكل من حوله لا لأسرته فقط.

حكاية عوض

البداية كانت بتلقي اللواء منصور لاشين مساعد وزير الداخلية مدير أمن الإسماعيلية، إخطارًا من العميد فهمى عبد الصمد مأمور مركز شرطة القنطرة شرق يفيد بورود بلاغ من أهالى قرية الأحرار دائرة المركز مفاده قيام شاب بقتل والده بالسلاح الأبيض.

 

على الفور انتقلت الأجهزة الأمنية إلى مكان البلاغ وتبين مصرع المجنى عليه «عوض.ع»، 54 عامًا، مزارع على يد نجله بعدة طعنات وذبحه من رقبته، وتمكنت مباحث مركز القنطرة شرق برئاسة الرائد مصطفى سلامة، رئيس مباحث القنطرة شرق ومعاونيه من القبض على المتهم وضبط السلاح الأبيض المستخدم فى الجريمة، وتولت النيابة التحقيق، وحبسه 15 يومًا مع طلب تحريات المباحث حول الجريمة، لكن ما الذي حدث ولماذا قتله بهذه الطريقة البشعة؟، ولماذا توقع الأهالي أنه سيقتل والده في يوم من الأيام؟، وقبل أن نعرف الإجابة على هذه التساؤلات، علينا ان نجيب اولا عن هذا السؤال؛ من هو الحاج عوض؟!

 

داخل قرية الأحرار، بمنطقة القنطرة شرق، التابعة لمحافظة الإسماعيلية، كان يسكن عوض، مع زوجته وأولاده في بيت ريفي بسيط، رجل في منتصف الخمسينيات من العمر، فلاح مرتبط بأرضه وعمله، يعشق بيته وأهله وجيرانه والريف بلونه الأخضر الذي يمثل الحياة والنماء، كان من أمهر الفلاحين في قريته، منذ أن رأت عيناه الدنيا وعرف معنى الحياة وهو لا يعرف سوى العمل في الأرض الزراعية، معروف بين أهالي قريته بالكرم والطيبة، دائما معهم حين يزرعون وحين يحصدون، لا يجد الناس أفضل منه في تفريق الحد بين الجار والجار، عاش حياته هادئًا متسامحًا مع الجميع، ليس له أي عداوات مع أحد، عندما تنظر إليه تجد السماحة والطيبة تملأ وجهه البشوش، هذا الرجل الذي ظل يعاني بسبب ابنه، فكانت هناك مشاكل دائمة بينهما بسبب مرضه النفسي، ومع ذلك لم يغضب عليه يومًا، وكان يحاول تهدئته عندما يغضب ويثور، فمرض ابنه كانت هي المشكلة الوحيدة التي تؤرقه، لكن لم يتوقع هذا الأب المسكين الذي عاش حياته كلها من أجل أبنائه أن السطور الأخيرة فيها سيكتبها ابنه بالدماء عندما يقتله، سيناريو لم يخطر ببال الأب ولو للحظة، أو لنقل بأدق رفض عقله أن يتوقع هذا.

 

يوم الجريمة

استيقظ الحاج عوض من نومه كعادته كل يوم، يستعد للذهاب إلى أرضه الزراعية، فقرر أن يأخذ نجله معه، عندما دخل عليه الغرفة لم يجده، فسمع صوتا يأتي من المطبخ يملأ المكان ضجيجًا بلا داعِ، فتأكد أنه ابنه، عندما ذهب يعاتبه على عدم صيامه أو حتى محاولة الصيام، نشبت بينهما مشاجرة، وبدت على الابن علامات الغضب، رويدا رويدا بدأت تزداد وتعلو حتى فاق غضبه كل الحدود، وبدأ الابن يسب والده بأبشع الألفاظ وكلما علا الصوت اختلطت الكلمات ببعضها وصارت غير مفهومة بالمرة، وليت الأمور توقفت عند هذا الحد خاصة وأن الأب انصرف من أمام ابنه الذي لم يتمالك أعصابه بعدما توسعت حدقة عينه وبدا وكأن الأمور صارت منفلتة تمامًا؛ انقض على والده ممسكا في يده السكين التي التقطها من فوق المنضدة، ومع أول طعنة طعنها لوالده، أطلق الأب صرخة مكتومة لكنها أفزعت ابنته، التي خرجت مسرعة نحوه، حالة من الشلل أصابت الجميع في هذه اللحظة، في الوقت الذي كان فيه الابن يطعن والده عدة طعنات في جسده ثم ذبحه من رقبته، وعندما حاولت الابنة إنقاذ والدها نالت هي الأخرى طعنة في جسدها، مشهد مأساوي سيظل محفورا داخل ذاكرتها، شقيقها يقتل والده بهذه الطريقة البشعة، وهي مكتوفة الأيدي لم تستطع إنقاذه، لم يعد هناك وقت للصدمة، ظلت الفتاة تصرخ في حالة هستيرية مستنجدة بجيرانها لعل يأتي أحد وينقذ والدها من يد شقيقها المريض، لكن جسد الأب لم يتحمل كل هذه الطعنات فلقي مصرعه قتيلًا في الحال قبل أن ينقذه أحد.

كواليس الضبط

بعدما سمع الجيران صوت الصراخ، ودخلوا وشاهدوا الأب غارقا في دمائه أبلغوا الشرطة، وتم القبض على الابن، وأكدت التحريات الأولية أنه مريض نفسيا ودائم الشجار مع والده.

رسم الحزن خيوطه على القرية الهادئة، وودع الجميع الحاج عوض لمثواه الأخير، في مشهد جنائزي مهيب حضره الكبير والصغير، حين يذكر الناس اسم الحاج عوض، لا يجدون أنه أغضبهم يوما أو أساء لأحدهم، بل كان طيبًا، متسامحًا، يساعد الصغير قبل الكبير، ولم يبخل على أحد بالنصيحة، وموته كان صدمة لأهالي القرية بأكملها، أصبحوا يدعون الله له بالرحمة وأن يشفي ابنته المصابة، ويتولى ابنه المريض الذي ارتكب الجريمة، فليس على المريض من حرج.

 

كانت هذه هي تفاصيل تلك الجريمة، والتي كان بطلها ليس الابن بل المرض النفسي الكامن بداخله وبسبب الوصمة الاجتماعية رفضت الأسرة علاجه، فلا تزال الجريمة موجودة بسبب المرض النفسي، فهؤلاء المرضى النفسيون لا يشكلون خطرًا على أنفسهم فقط، بل يؤذون أقرب الناس إليهم، هم في الحقيقة يعيشون بيننا هادئون مطمئنون ولكن في لحظة يتحول الهدوء والسكينة لصخب وحالة من الرعب، نجدهم يرتكبون جرائم قتل دون أن يشعروا، لذلك يجب أن يعي كل أب وأم بخطورة الوضع ويلجأون لأقرب مستشفى أو طبيب نفسي لعلاج أبنائهم قبل فوات الآوان.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة