صورة موضوعية
صورة موضوعية


العلوم و التكنولوچيا في الحضارة المصرية..

شريف إمام يكتب: ڤياجرا المصريين الأجداد

بوابة أخبار اليوم

الجمعة، 06 مايو 2022 - 01:01 ص

في البــــــــــــــــــــــــــــــــــدء:
     

بالطبع أنت تسخر من عنوان المقال كالعادة ولا بأس إن وصفت كاتبه بالخبل والعبث. لكن إن أكملت القراءة ستعرف أن هناك عِلماً عظيماً عاش به الأجداد ويصفه العِلم الحديث اليوم بالـ "المستوى التكنولوچي" للعلوم. الجنس وثقافته في مصر القديمة كانا جانباً كبيراً من جوانب حياة المصريين الاجتماعية ولم يكن يعتبره الشعب آنذاك بأنه عيب أو فُحش أو إثم. بل كانت له ضوابط وأحكام ورموز آلهة والأهم أنه كان عِلماً ومناهجاً ونصوصاً يُعلّمها المصريون لأجيالهم الصغيرة.

للأسف، لا تتحدث الكثير من الكتب بالعربية عن الجنس في مصر القديمة وعن ثقافته وضوابطه واجتماعياته وعلمه وحتى إبداعات واختراعات المصريين فيه وأيضاً فنونه لأننا ربما نعتبره منافياً للخلق الديني ولأن المصريين الأوائل كانوا "كفار آل فرعون"، لكن تمتلئ الكتب العالمية بهذا الشّق في علم اجتماع الحضارة المصرية لأنه جزء من ثقافة الحضارة الأعظم التي ألهمت العالم. وأخذ ثقافته وعقيدته عن المصريين كل العالم القديم إبتداءً من السومريين والهنود والصينيين والبالونين والإغريق والرومان والمايا والفرس وإنتهاءً بظهور أثر ذلك كله بقوة على تماثيل و فنون الثقافات الغربية و الشرقية حتى نهاية القرن التاسع عشر بعد الميلاد.

فمثلاً ... أول كتاب جنسي في التاريخ البشري هي "بردية تورينو المثيرة" التي كُتبت في العهد الرعمسيسي حول سنة 1150 ق.م. لكن في الحقيقة هي تعود للوراء ربما بـ 1000 سنة أخرى على الأقل خلال المملكة القديمة.

وبعد 2000 سنة كاملة وبين سنوات 400-200 ق.م. وضع الفيلسوف الهندي ڤاتسيايانا كتاب "كاما سوترا" الجنسي الشهير الذي يتغنّى به العالم اليوم و تمت ترجمته إلى كل اللغات، بينما كان المصريون الأجداد هم من أول من وثّق هذا الجانب من ثقافة الحياة بالكتابة و الرسم. 

وبعد 1800 سنة أخرى ظهر كتاب "ألف ليلة وليلة" بالعربية أو ما قد يعرف بإسم "أسمار الليالي" في القرن الرابع عشر بعد الميلاد الذي يُعتقد أن مؤلفه مصري و كُتب في القاهرة واحتوت نسخته الأصلية على الكثير من القصص و الإيحاءات الجنسية وأخذه الفرس والمسلمون والعرب واشتهر في العالم الغربي حتى القرن العشرين ثم بدأ التلاعب في محتوياته الأصلية ومحو محتواه الجنسي ... لأنه غير ديني أو غير أخلاقي أو ... ربما لشئ آخر!

المفهوم الشهير السائد بأن الجرجير هو الأقوى على المائدة في دعم القدرة الجنسية عند الرجال ليس كله صحيحاً. نعم، هو يحتوي على مركبات ترفع من إفراز هورمون تستوستيرون عند الرجال وكذلك مواداً مضادة للتأكسد ومركبات أخرى تقلل من نسبة استهلاك الأوكسوچين عند المجهود وتقلل الشعور بالإنهاك، لكن ليس أبداً هو أول إختيار للرجل وهذا ما فهمه المصريون الأجداد بكل العِلم ونحن في غاية الدهشة لذلك في العصر الحديث، ولهذا يُمكنك أن تسأل نفسك سؤالاً بسيطاً: لماذا لم يكن عند المصريين القدماء رمز إله للجرجير بينما كان هناك رمز إله للخس وهو "مِنْ" رمز الخصوبة والقوّة الجنسية؟

أول من عرف الخس وزرعه ودرسه وفهمه علمياً وجعله على مائدة طعامه اليومية وفي قرابينه وعالج وداوى واستخلص منه الدواء هم المصريون منذ 3000 سنة، كما تقول ناشيونال چيوجرافيك. لا نعرف الحقيقة متى عرفوه لكن ربما كان يعود ذلك طويلاً إلى ما قبل المملكة القديمة أي تقريباً منذ 6000 سنة لكن الأصح أنه يعود إلى فجر الزراعة المقبول عالمياً وهو قبل سنة 12,000 ق.م. إنتقلت معارف و صيدلة و طب الخس المصري للإغريق والرومان والفرس و الهنود وزرعوه ثم دخل العالم في عصور الظلام ولم يعرف العالم الجديد الخس إلا بعدما روّجه كريستوفر كولوكبوس في سنة 1493م. النقش التالي هو من مقبرة النبيل أوزر-خت مشرف مزارع آمون وفيه يقوم كاهن ممسك ببوكيه من زهور اللوتس والخس البري المصري بتقديمه لأوزر-خت وزوجته (مقابر النبلاء، شيخ عبد القرنة، الأقصر، المملكة الجديدة ، 1295 ق.م.، عهد الملك تحوت-مس الرابع).

العِلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم

دراسات العصر الحديث أثبتت أن الخس مُهدّئ و مخفف للآلام و مساعد على النوم لوجود مركبين في عُصارته إسمهما لاكتوسين و لاكتوكوپيكرين. حتى أن هيرودوت نفسه في سنة 430 ق.م. قال عنه: "أن له تأثير كالأفيون" وقال عنه بيلينوس الكبير في سنة 1 ب.م. أنه: "يُحفّز على النوم ويقتل الرغبة الجنسية و يُخفف الحُمّى". لكن ما هذا؟؟!! وكيف ربطه المصريون الأجداد بالرغبة الجنسية وبرمز الإله "مِن" بينما هو مهدّئ؟ هل هناك خطأ ما؟

دعنا نتحقق مما جهله الإغريق والرومان وباقي الشعوب حتى أواخر القرن التاسع عشر بإستخدام تكنولوچيا القرن الحادي والعشرين. في سنة 2005م قام عالم النبات الإيطالي چيورچيو ساموريني من متحف مدينة روڤيرتو بالتعرّف أولاً على نوع الخس البري المصري القديم الذي وضعه الأجداد على نقوشهم وعرف أنه يُسمى علمياً بإسم لاكتوكا سيريولا وهو طويل الأوراق ورفيع الجسم وله طعم يميل إلي المرار وعصارته بيضاء كاللبن وهو مختلف عن الخس الأوروبي الرومي معتدل أو حلو الطعم الذي نعرفه اليوم. الخس الرومي هو ما تحدّث عنه مؤرخي وفلاسفة الإغريق والرومان بأنه مُهدّئ ولم يجدوا فيه أي تأثير مقوّي جنسي. لكن المشكلة الأكبر أنهم لم يفهموا كيف يعمل الخس المصري كما فهمه المصريون الأجداد بكل العلم.

لحل هذا اللغز العجيب جداً قام ساموريني، وكذلك أبحاث أخرى من معهد ماساشوستس الأميريكي للتكنولوچيا، بإجراء تجارب عدّة على عصارة ساق الخس البري المصري ووجد عجب العجاب. وجد أن استهلاك 1 جرام فقط من عصارة الخس المصري تُعطي تأثيراً مُهدّئاً ومخففاً للآلام ومساعداً على النوم بسبب وجود مركبي لاكتوسين ولاكتوكوپيكرين. لكن ... عند استهلاك 2-3 جرام من عصارة الخس المصري هنا تبدأ مركبات إسمها "تروپان" شبه القلوية بالسيطرة على الموقف وإلغاء تأثير المركبين المهدئين وتحفيز مراكز المخ العصبية لإفراز الهورمونات الجنسية في الذكور والإناث واستثارة الرغبة الجنسية. ويقول ساموريني، أن هذا هو مفتاح الحل أخيراً في لغز ربط المصريين القدماء لنبات الخس عندهم برمز الإله "من" الذي لم يفهمه العالم إلا حديثاً فقط وهذا هو الخس المنقوش في المعابد المصرية القديمة.

فصل كيميائي كروماتوجرافي لمكونات عصارة الخس البري المصري

 

... و ختامــــــــــــــــــــــــــــــــاً


يقول د. وسيم السيسي أن هناك ارتباطاً عجيباً بين إسم رمز إله الخصوبة المصري "مِن" وكلمة السائل الـ"منـ"وي في العربية وكلمة سيـ"من" أو semen في الإنجليزية وكلتاهما متعلقتان بالخصوبة والجنس عند المصريين الأجداد وفي العلم الحديث. وهذا دليل آخر عظيم يُضاف إلى قائمة طويلة جداً من الأدلة التي تؤكد المعرفة الدقيقة للمصريين القدماء بالجهاز التناسلي ووظائفه والطب البشري كما نفهمها اليوم، بل تؤكد أن اللغة المصرية القديمة هي جذر كل لغات وألسنة البشرية جمعاء.

الأسئلة التي يجب أن نتوقف طويلاً عندها لنتساءلها هي: كيف عرف المصريون أن عصارة ساق الخس (وليس كمّ أوراقه التي تؤكل على المائدة) بمقدار 1 جم (أي تُسع قِدِت مصري قديم بالوزن) هي ما تُعطي التأثير المهدّئ وأن 2-3 جم هي ما تُلغي تأثير الهدوء لتتغلّب الإثارة الجنسية على الموقف؟ لاحظ أننا اليوم كأناس عاديون لن نستطيع أن نعرف الفرق أبداً بدون كيمياء وطب وصيدلة. وكيف عرفوا أن تأثير الخس يفوق الجرجير في الاستثارة الذي يتطلب معرفة دقيقة بمكوّنات المواد الفعّالة كيميائياً وصيدلانياً؟ 

هذا، وبينما هناك أناس يُكفّرون المصريين وحضارتهم الجبارة لا يزال هناك آخرون يتساءلون في استهجان عن ماذا قدّمت الحضارة المصرية لهذا العالم!

المزيد من عجائب الطب والصيدلة والكيمياء المصرية القديمة ستجدها في كتابي قريباً "العلوم والاختراعات في أم الحضارات".
 
... ولنا حديث آخر عن مصر العظيمة قريباً.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة