المستشار بشير عبد العال رئيس محكمة جنايات القاهرة
المستشار بشير عبد العال رئيس محكمة جنايات القاهرة


رئيس جنايات القاهرة يكتب: قراءة في أزمة مجهولي النسب

جودت عيد

الخميس، 12 مايو 2022 - 06:38 م

أثارت قصة الشاب مجهول النسب والتى نشرناها على حلقتين بعنوان «عائد من الاختطاف» ردود أفعال كثيرة، ما بين متعاطف مع صاحب القصة، وآخر مطالبا بوضع حل قانونى وإنساني لأزمة مجهولى النسب ممن لا يملكون عائلة وأوراقًا ثبوتية، تمكنهم من الاندماج فى المجتمع..

المستشار بشير عبد العال الرئيس السابق لمحكمة جنايات القاهرة والفقيه القانونى، منحنا قراءة مستفيضة فى أوضاع مجهولى النسب، قدم لنا شرحا وافيا متضمنا مفهوم اللقيط والفرق بينه وبين اليتيم، ووضع تصورا لتعريف مجهولى النسب قانونا وفقها، وقدم الحلول التى تمنحهم حقهم فى الحياة بواقع خبرته القضائية الكبيرة.

مجهولو النسب، لا يخرج فى تعريفه عن أمرين، أولهما اللقيط وهو لغويا على وزن فعيل من اللقط والالتقاط بمعنى مفعول ومعناه شرعا: العثور على الشىء مصادفة من غير طلب ولا قصد.

واللقيط يعثر عليه من غير طلب، فلم يطلبه أحد وإنما وجده الملتقط «بضم الميم وتسكين اللام وفتح التاء وكسر القاف»، فى شارع أو فى الخلاء مصادفة.. وقد قال الفقهاء إن التقاط وأخذ صغار بنى آدم مفروض أى فرض، إن علم الملتقط ان الصغير سيهلك إن لم يأخذه، كأن يكون فى صحراء أو فى بئر أو فى مكان به سباع أى حيوانات مفترسة.

والعلة من فرضية أخذ الصغير من تلك الأماكن، لكى لا يهلك، ولأن فى التقاطه وأخذه والحفاظ عليه احياء لنفس محترمة، قال تعالى فى كتابه العزيز» وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) صدق الله العظيم.


واللقيط يكون حرا بمعنى أنه لايباع ولايشترى، لأن الأصل فى بنى ادم الحرية، ويكون الملتقط، أى الذى عثر عليه، أولى به من غيره إن قبل أن يأخذه، وإلا لم يقبله لا يجبر على ذلك.


ولكن اذا أخذه فإنه يكون متبرعا فى الإنفاق عليه، على التفصيل الوارد فى كتب الفقه..

ومن ادعى انه ابنه ثبت نسبه منه، لأن فى ذلك نفعا لذلك الصغير، ولان الناس يتشرفون بالأنساب، ويعيرون بعدمها، وإذا ثبت نسبه لمن ادعى انه ابوه وأخذه فهنا لا يكون للملتقط أى من عثرعليه أى حق قبله.


وقال الفقهاء ان هذا الطفل المعثور عليه يكون مسلما، الا اذا تم التقاطه من مكان لا يدين اهله بالإسلام ككنيسة مثلا أو بيعة أو قرية من قراهم، وحينئذ لا يكون مسلما.


واللقيط لا يكون شرعا تبنيه، أى نسبته إلى من يأخذه كابن له أو بنت، ولا ان يعطيه اسمه سواء كان ملتقطا أو من ادعى انه ابنه إعمالا لقول الله تعالى فى الآية الرابعة من سورة الاحزاب (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)


وفى الآية الخامسة من ذات السورة يقول الحق تبارك وتعالى (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ، فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ)


وفى رأى لفضيلة الشيخ الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية السابق أفتى به وعمل بموجبه قال فضيلته «انه يجوز اعطاء اللقيط اسم عائلة الملتقط او اى اسم عائلة اخرى فقط دون ان يعطى اسم الملتقط، فمثلا لو ان العائلة تسمى عائلة الطوقى ومن التقط الصغير يسمى محمد حسن الطوقى، هنا يمكن تسمية الطفل المعثور عليه مثلا على محمود الطوقى ،ولاحرمة فى ذلك»


وذلك لأن القانون سكت عن ذلك واستند فضيلته فى ذلك، إلى ما كان يعرف عند العرب بـ»الولاء» بمعنى الانتماء حتى لا يعير ذات يوما بأنه لم يكن له اسم وانه كان لقيطا، وبذا يكون الطفل قد اعطى اسم العائلة من باب الولاء.

وهناك فرق ما بين مجهول النسب واليتيم، فاليتيم من فقد أباه قبل ان يبلغ بلوغا شرعيا، اما اذا فقد الصغير من بنى ادم امه فيسمى (اللقيط )، أما يتيم الحيوانات فهو من فقد أمه ،ويتيم الطير من فقد أباه وأمه.


ثانيهما : أى النوع الثانى من مجهولى النسب.. فهو الولد المختطف، ذكرا كان أو انثى، وهو الذى يقوم شخص أو اشخاص باختطافه أيا كان سبب الخطف والباعث عليه.


وهذا الطفل المختطف.. اما أن يكون مميزا أو غير مميز، فالمميز»بضم الميم الأولى وفتح الميم الثانية وتشديد الياء وكسرها»، قانونا من بلغ السابعة من عمره لأنه غالبا يتكلم ويفهم ويعرف اسمه، واسم والديه وأسرته ومحل اقامته ومدرسته، مالم يكن لديه مانع.


وهذا النوع من الأطفال يكون امره هينا،لأنه ان عاد إلى أهله فإنه سيقص عليهم ما حدث له ، خاصة اذا كان والده قد أبلغ السلطات عن تغيبه وحرر لذلك محضر « بضم الحاء الأولى وتسكين الحاء الأخيرة «، فإن الأخير سيكتمل بما سيقصه الطفل، ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة .


اما اذا كان الطفل غير مميز ولا يحسن الكلام والمعرفة لصغر سنه فلا يعرف اسمه ولا اسم والديه ولا محل إقامته ..

الخ ، فهنا تكمن المشكلة وسيصبح هذا الطفل - ان لم لم يقدر المولى له العودة إلى أهله - مجهول النسب ويكون عرضة اما للهلاك انتقاما من اسرته او يضحى من ذوى العاهات إن كان الخطف لأخذ أعضاء من جسده، ولو تركه الخاطف وشاء الله ان يتعرف عليه أهله وذووه لأنهم نشروا صورته على وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعى فلا مشكلة.

ولكن تكمن المشكلة هنا لو ظل الخاطف محتفظا بهذا الطفل ونسبه زورا على خلاف الحقيقة لنفسه واستخرج له ما يثبت شخصيته بناء على معلومات غير حقيقية، ثم يكبر الطفل ويعرف الحقيقة وهنا ينحصر حل هذه المشكلة فى مصلحة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية، حيث يتقدم الشخص صاحب المشكلة الى تلك المصلحة طالبا تعديل البيانات الخاصة به، وهذه الواقعة يصفها القانون بأنها واقعة مادية يحق لصاحبها ان يثبتها بكل طرق الإثبات بما فى ذلك البينة وشهادة الشهود.


وللمصلحة ان تحقق من صحة ما يدلى به من بيانات بأية طريقة كانت، فإن رفضت المصلحة طلبه دون سبب قانونى مقنع، فعليه اللجوء إلى القضاء الإدارى بدعوى يرفعها أمامه مختصما فيها السيد مساعد وزير الداخلية لقطاع الأحوال المدنية بصفته، كما يختصم فيها السيد اللواء وزير الداخلية بصفته الرئيس الأعلى لمساعد رئيس قطاع الأحوال المدنية.


ويطلب فى دعواه الحكم له بإلزام مصلحة الأحوال المدنية بتعديل اسمه وبيانات الى الاسم والبيانات الصحيحة التى يختارها هو ويسجل ذلك فى سجلاتها.

اقرأ أيضاً|بعد قليل .. نظر أولى جلسات المتهم بالتعدى على فرد أمن بكمبوند المعادي

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة