الإسعافات البدائية تفاقم آلام المصابين بلدغات العقارب
الإسعافات البدائية تفاقم آلام المصابين بلدغات العقارب


وخزات قاتلة.. الإسعافات البدائية في الصعيد تفاقم آلام المصابين بلدغات العقارب

ناجي أبو مغنم

الجمعة، 13 مايو 2022 - 11:05 ص

اندلعت النار في محصول البصل المخزن على جانبيّ الطريق بإحدى قرى مركز جهينة في سوهاج، فخرجت العقارب المختبئة في أحشاء الحقل غاضبة، باحثة بعشوائية عمن تعاقبه على حرق جحورها فاصطادت «ن . م» وحقنت في قدمه السم.


بوخزة بسيطة لا يتجاوز ألمها «شكة دبوس»، يدخل الإنسان في ساعات ما بين الحياة والموت، ومن شدة الألم سيتقلب كالطائر المذبوح، يرتعد جسده جراء السم الساري في عروقه، وترتفع حرارته، وتصاب أطرافه بالتنميل.


مهما كان «المصاب» معروفًا بقوة تحمله وصلابته، فإنه لا يقدر على كبت صوت ألمه، أو صرخاته التي تخبر المحيطين به بفداحة الإصابة وقسوة ما تعرض له، ولا يكف عن الاستغاثة حتى يبرد ألمه بمسكن قوي.


يسارع الأهالي إلى إجراءات إسعاف ابتدعوها منذ أمد بعيد وقلدوها وحافظوا على اتباعها دون أن يكون لها سند علمي، فيلجأ بعضهم إلى إجبار المصاب بلدغة العقرب على  شرب زيت الطعام أو فتح موضع اللدغة بآلة حادة وكذلك ربطها. 


في سطور التحقيق التالي سوف نتناول حالات تعرضت لهذه الآلام جراء لدغة العقارب، لتروي كيف كانت التجربة منذ صرخة الإصابة وحتى سكينة العلاج، وما يمرون به من عادات طبية خاطئة في قاموس الطب الشعبي.

 

حالات عاشت التجربة


كان «ن . م» يجلس رفقة أهله داخل منزلهم الكائن بإحدى القرى المتاخمة للظهير الصحراوي بمركز جهينة، في محافظة سوهاج، وفجأة سمعوا صوتًا يصدح بكلمة حريق أمام البيت، فهبّ الجميع ليستطلع الأمر، فشاهدوا النيران مشتعلة في أكوام البصل المخزن كما هو معتاد على جانب الطريق.


أسرع الجميع صوّب الحريق لإجهاض النيران ومنعها من الامتداد ناحية محصول القمح الذي لا يبعد سوى 3 أمتار عن الحريق.


يقف الشباب حفاة الأقدام وهم يحاولون منع الكارثة ووصول الحريق إلى «قش القمح» سريع الاشتعال، وبينما هم منشغلون بعمليات الإطفاء، خرجت العقارب من جحورها ولدغ إحداها «ن .م».


في البداية توهم أنها شوكة من مخلفات النخيل، التي يتم وضعها فوق البصل لحمايته من أشعة الشمس، قبل أن ينظر لها ويكتشف بأنه عقرب صحراوي من النوع الخطير، وكانت هنا بداية الدخول إلى دوامة الألم التي غاص فيها لبضع ساعات، خيّم عليها الصراخ والاستغاثة بصوت مرتفع.

 

عذاب رحلة المصل


حمله أقاربه ونقلوه إلى منزل الممرض بالوحدة الصحية الموجودة في القرية، حيث يخزن الأمصال بمنزله، لكونه يقضي معظم الوقت ببيته والوحدة لا يوجد بها طبيب لذلك تغلق أبوابها معظم اليوم، والأهالي تعودوا على التوجه إليه حال وجود مصابين بلدغة عقارب.


 فردت زوجة الممرض بأنه في الوحدة الصحية، وعلى الفور توجهوا له، وحقن المريض بالمصل المضاد للعقرب، ولكن الألم لم يقل، بل يزداد الصراخ، ولم يأخذ الممرض باله من ربط مكان اللدغة.


وطالب المريض بالذهاب إلى الوحدة الصحية بالقرية المجاورة، ليعرض نفسه على الطبيب المتواجد فيها، ويكتب بعض الأدوية المسكنة للتخفيف من الآلام.


الطبيب يرفض تقديم الدواء


وصل المريض بسيارته، إلى الوحدة الصحية بقرية نزة البحرية، وما إن وقف داخل أسوارها وعلى عتبة باب المبنى، وقف المريض ينتظر متألمًا بصوت نبه الطبيب لوجود حالته يبدو عليها أنها خطيرة، فأسرع تجاهها.


وبهدوء أعصاب لا يناسب هوّل الموقف، سأل الطبيب المريض: «هو في أيه دي لدغة مش طلقة ولا تستدعي كل هذا الأمر»، ليرد عليه المريض «ألحقني واعمل أي حاجة».


انتبه الطبيب لربط المريض قدمه، فوجه بفكها، وكتب على حقنة مسكنة ليحضروها من الصيدليات القريبة، ذهب المرافق إلى صيدلية تلو الأخرى والاثنين مغلقتين.


عاد إلى المستشفى وأخبر الطبيب، فوجهه لصيدلية تبعد كيلو مترات، ومع صراخ المريض وتدخل البعض، ذهب الطبيب إلى مكتبه وأحضر حقنة مسكنة وأعطاها للمريض بعد مرور نحو نصف ساعة من الدخول إلى الوحدة الصحية.

الإسعافات البدائية «كارثة»


وبعد ذلك وجه الطبيب المريض بالتوجه إلى المستشفى المركزي بطهطا، وهو المركز المجاور على بعد نحو 15 كيلو مترًا، وهناك فحصت الطبيبة الحالة، ووجهت بتقديم المصل مرة أخرى وحقنة مسكنة للمريض، بعدما تأكدت من خمول فعالية المصل الأول الذي حصل عليه المريض، بسبب الإجراءات الخاطئة التي تم  اتباعها مع المريض من قبل الأهالي قبل التوجه للوحدة الصحية.


ولما لاحظت الطبيبة استمرار المعاناة والألم حوّلت المريض إلى مركز السموم بجامعة سوهاج، لإجراء الأشعة والفحوصات على الإصبع محل الإصابة لأن توثيقه حبس عنه الدم وجعله لا يعمل.


هذه كانت رحلة «ن . م»، مع لدغة العقرب والتي تعرض فيها لإهمال كاد يودي بحياته، ولكن بعد مرور نحو 10 ساعات بدأ الألم في الزوال.


ومع حالة أخرى، تعرض شاب ثلاثيني للدغة عقرب، أثناء عمله مع بعض رفاقه في خدمة الأراضي الزراعية، فربطوا له موضع اللدغة، ونقلوه سريعًا إلى المستشفى، وهناك حصل على المصل ولم يتخطى الأمر دقائق، واستمر الألم دون مضاعفات حتى زال خلال يوم واحد فقط.


وهذه نماذج بسيطة لحالات تعيش هذه المأساة وتتكرر بشكل شبه يومي، طالما أنهم يعيشون في مناطق جبلية ومضطرين لخدمة أرضهم وزراعة حقولهم.


ويعانون من الأداء الباهت للوحدات الصحية، هذا المشروع الكبير، الذي لم يستفد منه المصريون خاصة قاطني القرى والمناطق الريفية، ويتمنون أن تعود لممارسة دورها الهام في إنقاذ حياة الناس.

 

اقرأ أيضا|
بطن العقرب .. دواء شافي لكورونا


طب شعبي خاطئ


ومن جانبه، قال الدكتور محمود عمرو، مؤسس المركز القومي للسموم بقصر العيني، إن العادات التي يقوم بها الأهالي في المناطق الريفية وقت لدغات العقارب، خاطئة ولا أساس علمي لها.


وفنّد عمرو خلال تصريح خاص لـ «بوابة أخبار اليوم»، هذه العادات، ومبنيًا أخطارها وما يمكن أن تسببه من أضرار خطيرة لا يحمد عقباها، بل يفوق خطرها لدغة العقرب  نفسه.


وأشار إلى أن زيت الطعام لا علاقة له بمحو آثار لدغة العقرب، وما يشاع عن أثره في معالجة المصاب خطأ طبي فادح لم تثبته الدراسات العلمية.


وأوضح أن ربط مكان اللدغة فور الإصابة مباشرة بحجة وقف انتشار السموم، لا يرقى عن كونه إجراء خاطئ؛ حيث قد يتسبب في وجود «غرغرينا»، لأنه يمنع وصول الدم إلى الجزء المصاب في الجسم وغالبا يكون في الأطراف مثل أصابع اليد والقدم، وقد يؤدي إلى بتر الإصبع نتيجة توقفه عن العمل.


وحذر الدكتور محمود عمرو، مؤسس المركز القومي للسموم بقصر العيني، من قيام البعض باستخدام آلة حادة لفتح موضع اللدغة بحجة تفريغ الدم الممزوج بالسموم، مشيرًا إلى أن هذا يزيد الآلام دون جدوى طبية.


وأكد أن الحل الوحيد الذي يمكن القيام به في المنزل هو وضع «قربة» من الماء البارد أو الثلج فوق مكان اللدغة، بما يساعد في الحد من الآلام ومنع انتشار السموم، إلى جانب التوجه السريع لأقرب مستشفى والحصول على المصل ومن ناحية أخرى، كشف مصدر بمستشفى سوهاج الجامعي رفض ذكر اسمه، أن الحصول على مصل لدغات العقارب أو الثعابين أو في حالة عقر الحيوانات يتبع الرعاية الأساسية التي ينبغي أن تقوم بها الوحدات والمستشفيات الصحية الموجودة في مختلف القرى المصرية.


وأضاف خلال  تصريح خاص لبوابة أخبار اليوم، أن هناك 313 وحدة صحية، لا يوجد بها سوى 100 طبيب مقيم فقط، ما يعني أن هناك 213 وحدة لا يوجد بها طبيب، ويصرف الأمور فيها ممرضين ليس لديهم الثقافة الطبية الكافية للتعامل مع حالات العقر واللدغ.


وأكد  أن هناك عشوائية في توزيع الممرضين؛ لأنه يكون حسب «المحسوبية»، حيث إن هناك وحدات مكتظة بالممرضين بناء على رغباتهم البقاء في أماكن قريبة من محل إقامتهم لا يذهبون لها سوى وقت التوقيع، بينما توجد وحدات أخرى أو مستشفى الجامعة «مفرغة» من الكادر الطبي.


وأكد أن العديد من الأطباء الذين يعملون في الوحدات الصحية ليس لديهم الكفاءة المطلوبة في التعامل مع حالات اللدغ والعقر، بل بعض منهم يطبق العادات الخاطئة الراسخة في ذهن الأهالي.


وتابع حديثه، أن قديما كان يتم تنظيم دورات وندوات للأطباء قبل العمل بالوحدات الصحية لتعريفهم بطبيعة العمل التي يجدونها، بينما الآن لم يعد هذا موجودًا، بل على العكس هناك أطباء مقيمين في الوحدات منذ سنوات حولوها لعيادات طبية خاصة، يتخذون من الوحدة مقرا لإقامتهم وأسرهم.


وأكد أن التعامل مع حالات اللدغ يستلزم السرعة وهو ما لا توفره الوحدات الصحية، لذا يلجأ المريض إلى المستشفى الجامعي «مركز طبي متقدم»، وحينها تكون الحالة قد تضاعفت بما يضر بالإنسان.


شدد على أن تناول الزيت وفتح مكان اللدغة غير مطلوب طبيًا، مشيرًا إلى أن هناك حالات لا يتم التعامل الفوري والصحيح معها، فتصاب الحالة بمضاعفات في القلب ويتم تحويلها لمستشفى الجامعة وغالبا تكون من الأطفال ويستعصى علاجها.


وحذر من عادة خطيرة وخطأ يقع فيه معظم الأطباء وهو «خياطة» موضع عقر الكلب، حيث إنه الأصح إعطاء المريض المصل، وترك مكان العقر دون «خياطة» لمدة شهر، وذلك لأن السموم تكون داخل الجسم.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة