يوسف القعيد
يوسف القعيد


يوميات الأخبار

شيرين أبو عاقلة.. وشهداء فلسطين

يوسف القعيد

الإثنين، 16 مايو 2022 - 06:42 م

 

لا أريد لدماء شيرين أبو عاقلة وهى دماء عزيزة وغالية أن تذهب هدراً.

كان اغتيال الإعلامية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة برصاص جيش الإحتلال الإسرائيلى لها أثناء تأدية واجبها وقيامها بعملها وهى تُغطى انتهاكات الاحتلال فى مخيم جنين بالضفة الغربية. العدو الإسرائيلى سارع وأنكر مثلما يفعل كل القتلة. لكن العالم أدان الفعل الإجرامى وخرجت كثير من الدعوات للتحقيق فى اغتيال شيرين.
والاغتيال ليس جديداً على العدو الإسرائيلى. وقتل صحفية نشيطة وهُمامة تؤمن بقضية بلادها وتُنذرُ نفسها لها مسألة لابد أن نصدقها. ومع هذا فلدينا أدلة كثيرة تُثبت أن ما جرى جريمة تُضاف إلى جرائم العدو الإسرائيلى التى بدأت سنة 1948 باحتلال فلسطين، واستمرت حتى اليوم.

ولا أريد أن أقول الغد لأنى أُعلِّقُ آمالاً كبيرة على التحقيق الذى يمكن أن يجرى فى استشهاد شيرين. ولعل أكبر دليل على جريمة الصهاينة أنهم رفضوا تسليم قطعة من الذخيرة التى يستخدمونها فى فض المظاهرات الفلسطينية. رغم أن المظاهرة عمل مشروع ولابد منه للدفاع عن قضية بلادهم.
 لكل فعل فى الدنيا مهما كانت خسته ودناءته بعض الفوائد. وما قام به جيش الاحتلال الصهيونى مع شيرين أبو عاقلة أعاد للأذهان قضية فلسطين التى لابد أن نعترف أنها كانت قد تراجعت لحد ما فى الوجدان العالمى والضمير الإنسانى بعد الاحتلال الروسى لأوكرانيا. ودفاع الشعب الأوكرانى المشروع عن أرضه.

ورغم أن القضيتين مختلفتان، إلا أن جوهرهما واحد. لكن الذى حدث أن الإعلام العالمى لهث وراء ما يجرى فى أوكرانيا، وتناسى لحد ما ما يتم فى فلسطين. لا تتصور أن اغتيال شيرين أبو عاقلة سبقته حالة من الهدوء. ففى كل يوم أكثر من شهيد فلسطينى. لدرجة أن استشهاد الفلسطينيين أصبح عادة من العادات اليومية التى يتعامل العالم معها كما لو كانت أمراً واقعاً. ولا يوليها من الاهتمام ما تستحقه.

فالفلسطينيون أصحاب قضية عادلة ووطن سليب سرقه المغتصبون منهم، وحولوا الحكاية إلى أمرٍ واقع لابد من الاعتراف به. وأن كلمة لابد هذه أصف بها سلوك العالم الذى يجب أن نرفضه. فقضية فلسطين لابد أن تبقى وأن تظل حتى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
 ليرحم الله كل شهداء القضية الفلسطينية، ونتوقف بشكل خاص أمام استشهاد شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة القطرية فى فلسطين المحتلة بكل ملابساتها باعتبارها الحدث الذى وقع لتوه. ولا يمكن أن يمر كما تمر علينا كثير من الجرائم الكبرى التى تُمارس ضد الفلسطينيين فى أرضهم وديارهم وبلادهم ووطنهم من قبل محتل غاصب مغتصب لابد أن تقف الدنيا كلها ضده.

شيرين أبو عاقلة ليست أول شهداء فلسطين. ولن تكون الأخيرة. وقد استُشهدت وهى تؤدى عملها بنزاهة وبموضوعية وبحكمة. ولم يراع القتلة أنها تقوم بعملها. ولأننى قلتُ وأكرر ما قلته إنها ليست الشهيدة الأولى وللأسف فأنا مضطر أن أكتب أنها أيضاً لن تكون آخر طابور شهداء الاحتلال الصهيونى لفلسطين العربية، فلسطين التى هى جزء من حبة القلب من كل عربى يعيش فى وطننا العربى أياً كانت ديانته أو ما يؤمن به. فالحق فى تحرير الأوطان لا يسقط بالتقادم.

أعترف أننى قضيت ليلة مزعجة أتابع ما يجرى. ورغم أن ردود الفعل كانت أكثر من ممتازة ومفاجئة. إلا أنى لا أريد لدماء شيرين أبو عاقلة وهى دماء عزيزة وغالية أن تذهب هدراً. ولابد من تحقيق دولى تشرف عليه الأمم المتحدة بكل هيئاتها فى ملابسات هذا الاغتيال الدنيء. فأى بطولة أن ينطلق الرصاص تجاه صدور من يطالبون بحقهم؟.
 وشيرين أبو عاقلة كانت تقوم بمهامها كمراسلة صحفية يفرض عليها عملها أن تكون فى قلب قلب الحدث. وألا تترك لحظة واحدة تهرب منها أو تفِر من دون متابعة لها.
 لدىَّ بيان طويل بالإدانات من كل أنحاء العالم لهذا الحدث الخسيس. والذى ضُبط فيه العدو الإسرائيلى متلبساً بجريمته. وأنا أكتب هذا الكلام حتى قبل أن يبدأ التحقيق الدولى الشفاف فى رحيل شيرين أبو عاقلة بهذه الصورة المأساوية بطلقة رصاص من نوع قاتل. أُطلقت على إعلامية تقوم بدورها الذى لابد أن تقوم به فى تغطية حدثٍ يتم أمامها.
 طبعاً لا يمكن أن أتغاضى عن فلسطينيتها وانتمائها لبلادها وارتباطها بها. وقد سمعتُ من زملاء مصريين كانت لهم فرصة أن رأوا شيرين خلال زياراتها السابقة لمصر. وأكدوا لى جميعاً إنسانيتها وبساطتها وارتباطها بوطنها واستعدادها أن تفعل كل ما يمكن فعله من أجل الحق الفلسطينى المغتصب.

غسان كنفانى
 ليس الشهيد الأول، شُهداء الاحتلال الصهيونى لفلسطين المحتلة بدأوا 1948، مع الهجمة الأولى والضربات المبكرة. ولكنه كان أحد شهداء هذا العدوان المتواصل والمستمر. غسان كنفانى «9 أبريل 1936 - 8 يوليو 1972» استشهد فى بيروت مع ابنة أخته لميس فى انفجار سيارة مفخخة على أيدى عملاء إسرائيليين.
 ومن إبداعاته: عالم ليس لنا، موت سرير رقم 12، أرض البرتقال الحزين، رجال فى الشمس، أم سعد، عائد إلى حيفا، الشيء الآخر عالم ليس لنا، برقوق نيسان الأعمى والأطرش، القنديل الصغير، القبعة والنبى، القميص المسروق، جسر إلى الأبد، ما تبقى لكم، وله مسرحية وحيدة هى مسرحية: الباب.
 لا أكتب هذا الكلام لكى نتذكر غسان كنفانى. فمن الذى يجرؤ على نسيان محنته واغتياله بخسة ودناءة وانحطاط بشرى لا يقدر عليه سوى الأعداء؟.

محمود درويش
 محمود درويش «13 مارس 1941 - 9 أغسطس 2008» أحد مؤسسى القصيدة الشعرية الفلسطينية فى عصرنا الحديث حوَّل الهم الفلسطينى لشعرٍ لا يمكن نسيانه. أظلمه كثيراً جداً لو تكلمت عنه كشاعر فلسطينى كبير. فهو أيضاً إنسان أكبر، وكانت فلسطين قضية عمره الأولى والأخيرة. ومن يتابع ما كتبه شعراً أو نثراً سيُدرك حجم ما قدمه لقضية وطنه.
 لدىّ إحساس أننى أظلمه كثيراً جداً عندما أحصره فى قضية بلاده فقط. فهو شاعر كبير له دور مهم فى تجديد القصيدة الشعرية وتطويرها وجعلها جزءاً من ثقافة العصر. إلى جانب أنه فى جلساته الخاصة وقد عرفته عن قُرب، متحدثٌ لبق، وإنسان شديد العذوبة.

سميح القاسم
 ذهب معى سميح القاسم «11 مايو 1939 - 19 أغسطس 2014»  لزيارة نجيب محفوظ والسلام عليه، وتردد كما فعل محمود درويش من قبله على الأستاذ محمد حسنين هيكل. وكان يعتبر أن الاستماع لهيكل كفيل بتجديد خلايا الذهن الإنسانى. وكانت سعادته لا توصف ونحن فى زيارة أحد العملاقين: هيكل ومحفوظ.
طلب منى سميح أن يزور سيدنا الحسين. وكانت لديه نزاعات صوفية بعيداً عن هموم قضايا بلاده التى لا تترك له لحظة واحدة للتأمل. ومازلت أذكر أننا عندما كنا فى ميدان سيدنا الحسين اشترى «سِبح»، لحظتها تذكرت أنه يحتفظ دائماً فى جيبه بسبحة، وعندما يجد نفسه بمفرده يخرجها ويسبح عليها. كان يتصرف معى فى سيدنا الحسين كما لو كان ابن بلد لا ينقصه شيء.

ومن أهم أعماله: مواكب الشمس، أغانى الدروب، دمى على كفى، دخان البراكين، سقوط الأقنعة، ويكون أن يأتى طائر الرعد، إسكندرون فى رحلة الخارج ورحلة الداخل، وله كتب جمع فيها بعض مقالاته مثل: عن الموقف والفن، وقد أصدر فى حياته أعماله الشعرية مجمعة كلها تحت اسم: ديوان سميح القاسم حيث جمع أشعاره فى مراحل عمره جميعاً، وله أيضاً: قراءة الموت والياسمين، الموت الكبير.

ومن كتبه النثرية: من فمك أدينك، وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم: قصائد شعرية، الكتاب الأسود، إلى الجحيم أيها الليلك، ومن دواوينه: ديوان الحماسة جزء أول وجزء ثانٍ وثالث، ومن القصائد: أحبك كما يُشتهى الموت، جهات الروح، الذاكرة الزرقاء.

إميل حبيبى عندما كان إميل حبيبى «29 أغسطس 1921 - 2 مايو 1996» يزور مصر فى تسعينيات القرن الماضى طلب منى أن أصطحبه إلى ضريح جمال عبد الناصر. كان ينزل فى أحد فنادق الزمالك الفاخرة. استقبلنى فى مدخل الفندق. ثم بدأ يبحث عن باعة الورد حيث طلب باقة ورد كبيرة يحملها معه إلى ضريح جمال عبد الناصر. ورفض تماماً أن أحملها نيابة عنه. قال لى حملها شرف، اتركنى أقم به.

وفى ضريح عبد الناصر وضع الورد، ووقف فى خشوع أمام الضريح، وكتب كلمة فكَّر طويلاً قبل أن يكتبها. ولأنهم كانوا قد فتحوا لنا الضريح بشكل إستثنائى لم أتمكن من نقل نصها. رغم أننى متأكد أنها قطعة من الأدب الفلسطينى الرفيع.
 فى طريق عودتنا من كوبرى القبة طلب أن يمر على سيدنا الحسين. وأمام المسجد رفع يديه، ورأيت شفتيه تتحركان، ومنعنى خجلى من أن أسأله: هل يرتل الفاتحة؟ أم شيئاً آخر؟.

مارس العمل الصحفى فى فلسطين المحتلة قبل النكسة وبعدها. وكتب من الأعمال الأدبية ما يعد من أساطير وأساطين الكتابة القصصية والروائية العربية، ومنها: بوابة ماندلباوم، النورية - قدر الدنيا، مرثية السلطعون، سداسية الأيام الستة نشرها له بعد الخامس من يونيو 1967 رجاء النقَّاش فى سلسلة روايات الهلال ولاقت أصداءً طيبة لم تحدث من قبل.

وله أيضاً من الأعمال: أم الروبابيكا، حين سعد مسعود بابن عمه، وأخيراً نور اللوز - العودة، الخرزة الزرقاء، الوقائع الغريبة فى اختفاء سعيد أبى النحس المتشائل وقد ترجمت إلى العبرية.
رحم الله جميع الأبطال.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة