محمد صلاح عبد المقصود
محمد صلاح عبد المقصود


الحوار الوطني.. خطوات على طريق الجمهورية الجديدة

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 19 مايو 2022 - 09:09 م

أطلق فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء حفل إفطار الأسرة المصرية السنوي الأخير دعوة تاريخية قد تكون غير مسبوقة لإطلاق حوار وطني بين مختلف القوى السياسية المصرية ، و هي الدعوة التي لاقت اهتماماً و ردود أفعال محلية و دولية واسعة تتدرج ما بين الترحيب المطلق و حتى الرفض الشديد من مختلف القوى السياسية داخل مصر.
 
و قد أوضح السيد الرئيس أثناء دعوته الكريمة للحوار أنه سيكون حواراً مفتوحاً بلا حدود أو خطوط حمراء لمناقشة التحديات التي تواجه الوطن في هذه المرحلة ، و ذلك وسط تصريحات إيجابية أطلقها سيادته حول اتساع الوطن للجميع ، و عزز ذلك بإصدار عفوي رئاسي لقائمة من الشباب المغرر بهم ، كخطوة أراها بداية هامة لانتقال مصر إلى الجمهورية الجديدة ، و التي ينتظر أن تكون جديدة في سياساتها داخلياً و خارجياً , و في مفاهيمها و فكرها و أدبياتها و علاقاتها بمن لم تلوث أيديهم بالدماء و لم يدعون للفوضى أو الهدم أو يمارسوا الإرهاب من أبنائها.
 
و لكن يبقى الجدل المنتشر و المستمر حول دواعي الحوار الوطني و أسبابه ، و بين جدية الدولة في القيام بهذه الخطوة الهامة ، و تكليف المديرة التنفيذية للاكاديمية الوطنية لتدريب و تأهيل الشباب الدكتورة رشا راغب للقيام بما يلزم من اجراءات للاعداد لخروج هذا الحوار بالشكل اللائق ، و ذلك بالتعاون مع المجلس الوطني للشباب ، و هو جدل يستهدف التشكيك الغير منطقي في نوايا الدولة المصرية دون سبب واضح أو منطقي لذلك.
 
فيما يخص دواعي هذا الحوار ، فلا يختلف اثنين على خطورة المرحلة التي يمر بها العالم أجمع على جميع المستويات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية ، و هي نتائج تبدو طبيعية لمرور العالم بأزمتين من الحجم الكبير في أقل من ثلاثة سنوات ، و هي أزمات كونية تأثرت بها جميع دول العالم و ليس مصر وحدها.
 
أول هذه الأزمات تأتي أزمة فيروس كورونا المستجد و ما لحقها من اضطراب شديد في الأسواق المحلية و الدولية ، و تأرجحها ما بين غلق كامل و ما تلاه من انخفاض شديد في النواتج الإجمالية لعدد كبير من دول العالم ، و بين تعافي الطلب بشكل متسارع للغاية تسبب في ارتفاع حاد لأسعار السلع و المنتجات عالمياً , لاسيما المنتجات الغذائية و المواد الخام و الطاقة.
 
أما الأزمة الثانية فهي أزمة الحرب الروسية الأوكرانية ، و ما تلاها من اضطراب لعدد غير قليل من سلاسل الإمداد الدولية و خاصة في مجال الصناعات الغذائية ، و هو اضطراب طبيعي نتيجة لمساهمة البلدين بنصيب الأسد من المساهمة في السوق الدولي للمواد الغذائية ، و أبرزها القمح و الحبوب و زيوت الطعام بمختلف أنواعها ، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار هذه السلع ، و اشتعال مؤشرات التضخم في جميع اقتصاد جميع دول العالم تقريباً.
 
و زارد من هذه الآثار السلبية الشديدة قيام مجموعة من البنوك المركزية الغربية برفع الفائدة على عدد من العملات الأجنبية ، ما أدى إلى تأثر الأسواق الناشئة بشكل سلبي نتيجة هروب العملات الصعبة منها باتجاه الغرب ، و قد قدَّر السيد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي حجم العملات الأجنبية التي خرجت من السوق المصري منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية بـ 20 مليار دولار تقريباً ، و هو رقم ضخم و يصعب تجاهل آثاره السلبية على مختلف أسواقنا المحلية التي تعافت لتوها من إجراءات الإصلاحات الإقتصادية أو الدواء المر الذي تجرعه المصريون لإطلاق قدرات الاقتصاد المصري نحو النمو الحقيقي و التنمية الشاملة ، و التي مكنت الجميع من عبور هذه المحن بأقل الأضرار ، و مكنت الدولة من توفير كافة السلع و الخدمات في السوق المصري.
 
ما سبق عرضه من مشكلات اقتصادية بجانب الآثار السياسية و الدولية المتوقعة للحرب الروسية الاوكرانية يجعل لهذا الحوار الوطني أهمية كبرى في وضع القوى السياسية المصرية في المسار الصحيح تجاه أزمات و مشكلات الوطن ، و دعوتها لتحمل مسئولياتها الوطنية تجاه الوطن في هذا الظرف المحلي و الدولي الدقيق ، ما يفسح لهذه القوى المجال للتعبير عن آرائها و طرح أفكارها و رؤاها الشاملة بغية طرح شكل جديد و واقعي للحوار السياسي الوطني يواكب المتغيرات الكونية الحادة التي نعيشها جميعاً ، و يرتكن على الحقائق و الأرقام و المؤشرات و الظروف الدولية الحالية ، دون اثارة لن يستفيد منها أحد أو حديث شعبوي مطلق بلا حقائق يضر أكثر مما ينفع!
 
و لعل هذا الهدف هو السبب الرئيسي في تكليف الأكاديمية القومية لتدريب و تأهيل الشباب بمهام الاعداد لهذا الحوار ، لكونها مؤسسة ذات طبيعة علمية بعيداً عن الطابع الأمني لهذا النوع من المناسبات و هو ما ظل محل نقد و شكوى دائمين من جميع الأحزاب ، كما أن هذه الأكاديمية تعمل تحت اشراف مباشر من مؤسسة الرئاسة المصرية ، حيث تشمل عضويتها عدد كبير من قادة المؤسسات و الوزارات الحكومية ، فضلاً عن الخبراء و المدربين المعتمدين لديها في جميع التخصصات ، و هو خيار يتفق مع التهديدات التي تواجه الدولة المصرية في هذا التوقيت ، فضلاً عن طبيعة الأزمات الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية المتوقع مناقشتها ، و التي يمر بها العالم أجمع.
 
و ما يؤيد ذلك هو ما جاء في دعوة الاكاديمية التي تم توجيهها للمشاركين في هذا الحوار ، حيث طلبت الأكاديمية من جميع الأحزاب رؤيتها السياسية و الإقتصادية و المقترحات التي يرونها واجبة التنفيذ ، على أن تكون مدعمة بالآليات التنفيذية الملائمة و المستهدف الزمني اللازم ، و ذلك حتى يكون الحوار مثمراً تخرج فيه مصر فائزة إما بمقترحات عملية و علمية واجبة التنفيذ ، أو بتوافق و فهم شاملين للظروف التي تمر بها مصر الآن.
 
غير أن هناك بعض من الأحزاب قد بدأت في اطلاق ردود سلبية لهذه الدعوة ، و بدأت في التقليل من جديته و فعاليته و أهمية مخرجاته التي لا يعرفها أحد حتى الآن ، و أغلب الظن أن هذه الأحزاب و القوى السياسية لا تمتلك الرؤى السياسية و الاقتصادية المطلوبة للحوار ، و لا تمتلك حلولاً و لا فهماً حقيقاً للمشكلات الاقتصادية الحالية ، فضلاً عن الحس الوطني و المسئولية تجاه أشقائهم في الوطن ، و مازالوا يراهنون على المفهوم القديم للسياسات الذي يبدو إعلامياً أكثر منه علمياً أو عملياً ، مفضلين الفراغ الإفتراضي و الإلكتروني في إطلاق شعارات جوفاء لا تسمن و لا تغني من جوع.
 
و في النهاية أود أن أقول لهذه الأحزاب أن التواجد في الجمهورية الجديدة لن يكون إلا بالفهم الصادق للتحديات و التهديدات التي تتعرض لها مصر و العالم ، و دعم الأمن القومي المصري بمفهومه الشامل ، مع نشر الوعي الوطني بين أبناء هذا الشعب لكي يتحركوا في الاتجاه الصحيح ، مستفيدين بخارطة طريق باتجاه الجمهورية الجديدة و المستقبل عبر التطبيق الصحي و الصحيح لقواعد الحوار السياسي ، طريق يعلي فيه الجميع مصالح مصر العليا فوق ما عداها من مصالح فئوية أو شخصية ، أرجو ألا تفوّت هذه القوى تلك الفرصة الذهبية ، و أن لا تخسر مكانها في الجمهورية الجديدة ، أو تتخلف عن الركبين الرسمي و الشعبي ، و أن تجتهد في وضع تصورات و رؤى شاملة و واقعية بدلاً من التصريحات و الاعتراضات التي لم تحقق لهم و لا للوطن أي خير.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة